النظام الإيراني .. وإدارة الأزمة بالأزمات



عقد مجلس وزراء الخارجية العرب اجتماعه الطارئ بالقاهرة أمس بناء علي طلب المملكة العربية السعودية حيث أعربوا عن رفضهم للسياسات والممارسات الإيرانية وتدخلها في الشئون الداخلية للدول العربية، وذلك عقب توافق وزراء خارجية الرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) علي ضرورة التصدي للتدخلات الإيرانية التي تشكل تهديداً للأمن القومي العربي، والتي تتخذ أشكالاً متعددة لمحاولة فرض سيطرتها ونفوذها علي هذه الدول، وإيجاد دور مؤثر لها في ترتيبات أمن منطقة الخليج العربي، في ظل استخدامها ورقة الأقليات الشيعية بالدول العربية للتأثير علي استقرار أنظمة الحكم بها عن طريق إثارة المشكلات والنزاعات العرقية المبنية علي الطائفية، مع محاولة نشر الفكر الشيعي كفكر منافس للمذاهب السنية، وعدم إخفاء أطماعها بالمشاركة في إدارة الأماكن الاسلامية المقدسة بالسعودية (الحرمين الشريفين) من خلال إثارة القلاقل في أثناء مواسم الحج، وهو ما أوضحته دعوتها بالتضامن مع تركيا إلي تدويل المشاعر المقدسة بعد حادث التدافع بين الحجاج في موسم حج عام 2015، في نفس الوقت الذي بدأ فيه رئيس الوزراء اللبناني/ سعد الحريري الذي قدم استقالته من منصبه في الرابع من نوفمبر الحالي احتجاجاً علي أنشطة كل من إيران وحزب الله الرامية للتأثير علي توازنات القوي الداخلية المبنية علي تركيبة طائفية (سنة، وشيعة، ومسيحيين موارنة) جولة أوروبية تشمل كلاً من باريس ولندن وبروكسل وأنقرة وروما وبرلين لحث قادة الدول الأوروبية علي تبني موقف رافض لسياسات طهران المزعزعة لاستقرار الإقليم.
وتأتي تلك التطورات في ظل استمرار التدخل السلبي الإيراني في كل من العراق، واليمن، وسوريا، لاسيما مع انتقال صيغة التدخل العسكري لمكافحة الإرهاب في العراق إلي المطالبة بالمشاركة في الترتيبات السياسية والأمنية في عراق ما بعد «داعش» وهو ما أثار مخاوف الدول السنية من ترسيخ البعد الطائفي في العراق، لاسيما مع إطلاق النظام الإيراني يد الحرس الثوري في مناصرة القوي والتيارات الشيعية بالمنطقة، واعتباره إحدي أدوات السياسة الخارجية الإيرانية من ناحية، وقرب إنتهاء المهلة الزمنية التي منحها الرئيس الأمريكي/دونالد ترامب في خطابه للكونجرس يوم 13/10/2017 (تستمر شهرين) للنظر في الخطوات الواجب اتخاذها لإجبار إيران علي التوقف عن زعزعة استقرار الإقليم، ومنعها من توظيف ادواتها شبه العسكرية (قوات الحرس الثوري ـ حزب الله اللبناني ـ العناصر والجماعات المتطرفة الداعمة لها تقليدياً بالمنطقة..) لتمديد نفوذها، وسيطرتها علي دول الإقليم من ناحية أخري، وبما ينذر بتزايد احتمالات التصعيد المتبادل بين الدول العربية وإيران علي خلفية إصرار طهران علي توظيف وسائل إعلامها للترويج لوجود مؤامرة تشارك بها كل من السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل التي تشعر بالقلق تجاه تحركات إيران وأنشطتها علي الساحة السورية، خاصة بمنطقة الجنوب القريبة من هضبة الجولان المحتلة.
والحقيقة أن النظام الإيراني يسعي لاستباق أي قرار أمريكي مناوئ لطهران، سواء بإعادة فتح الاتفاق بين إيران ومجموعة (5+1)، أو تصعيد الإجراءات العقابية، سواء ضدها مباشرة، أو ضد القوي الموالية لها بالمنطقة للحيلولة دون استكمال بناء الهلال الشيعي الذي يمكنها من السيطرة علي شرق البحر المتوسط وجنوب البحر الأحمر ، باتخاذ خطوات عملية لتدعيم القوي الموالية لها (حزب الله ــ حماس ــ الجهاد الإسلامي الفلسطيني ــ الحوثيين..) بهدف استخدامهم حال تعرضها لضغوط خارجية، وبما يخدم إجراءات طهران التصعيدية في مواجهة إدارة الرئيس الأمريكي/ دونالد ترامب ، خاصة أنها تضع استقالة الحريري في اطار مساعيه لنزع الشرعية السياسية عن حزب الله المشارك في الحكومة، واعتباره نقطة انطلاق لاجراءات عسكرية ضد حزب الله للقضاء علي قدراته الصاروخية التي تشكل تهديداً لأمن اسرائيل، في ظل محدودية تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر الماضي لتقويض الموارد المالية للحزب وشبكة المتعاملين معه داخل لبنان وخارجها. كنا نتمني أن يحسن النظام الإيراني قراءة معطيات الأوضاع السائدة في الإقليم ويعمل علي التوصل لتوافق مع الجانب العربي بشأن المصالح المشتركة بالمنطقة لتعزيز استقرار العلاقات بين الدول العربية وإيران، والتفاهم حول الأسس التي تضمن عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، والحفاظ علي أمن هذه الدول خاصة مملكة البحرين، وبما يحول دون الاعتماد علي الأدوار الأجنبية التي تلعبها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبري (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) والتي تسعي لتقاسم النفوذ والسيطرة علي دول الاقليم، إلا أن التطورات الراهنة تشير إلي اعتزام النظام الايراني إدارة أزمته مع الولايات المتحدة بإثارة العديد من الأزمات التي تسهم في زعزعة استقرار الاقليم من خلال تشجيعها القوي الموالية لها علي دعم استراتيجيتها للتصعيد والدخول في مواجهة غير مباشرة مع كل من واشنطن والرياض وتل أبيب علي الساحتين السورية واللبنانية، فضلاً عن تهديد استقرار الجبهة الداخلية في إسرائيل، وذلك في إطار ما يطلق عليه الحرب بالوكالة ، والتي سيكون من شأنها إشعال مزيد من التوترات، وتهيئة المجال لتصاعد أنشطة التطرف والإرهاب في المنطقة خلال المرحلة القادمة.
وبالنظر إلي المخاطر والتهديدات التي يمكن أن ترتبها الأنشطة الإيرانية غير المحسوبة علي دول المنطقة، فمن الضروري الحفاظ علي صلابة موقف الرباعية العربية وتطوير دورها لتفعيل قرارات المجلس الطارئ لوزراء الخارجية وفق رؤية موحدة تراعي الحد الأدني من المطالب العربية الرامية للحد من تدخل الدول الإقليمية غير العربية ( إيران ــ تركيا ــ إسرائيل…) في شئون دول الإقليم، مع تحذير الدول العربية من الانخراط في تحالفات مع أي منهم، لتفادي التورط في حروب لاتخدم أمنها القومي أو مصالحها الاستراتيجية، بالتوازي مع العمل علي تحصين الجبهة الداخلية في الدول العربية من خلال بلورة استراتيجية إعلامية تشارك بها مختلف وسائل الإعلام العربية لمواجهة الغزو الفكري والثقافي الشيعي والتركي، واستمرار المحافظة علي الهوية الثقافية العربية والسنية المعتدلة لتحقيق التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية لشعوب المنطقة العربية.
(*) كاتب مصري


الأهرام


المصدر
جيرون