لماذا لا يزال السلام في سورية بعيدًا



تتوقع روسيا بوضوحٍ أن ينتهي الصراع في سورية، إذ قال فلاديمير شامانوف، رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي: إنَّ “المهمات الرئيسة” للحملة الروسية “تحقّقت تقريبًا”. ويشير هذا إلى أنَّ هدف بوتين المعلن، وهو “تثبيت السلطة الشرعية في سورية، وخلق الظروف من أجل تسويةٍ سياسية”، على وشك الانتهاء. فالمحادثات وصلت إلى “لحظة الحقيقة”، وفقًا لمفاوضي الأمم المتحدة الأساسيين. ومع توقف عملية جنيف؛ أتاحت محادثات أستانا سبيلًا للمعارضة، والنظام والجهات الفاعلة الدولية، للتوصل إلى اتفاقاتٍ على الأرض، بما في ذلك ما يسمى بـ “مناطق خفض التصعيد”. ومع ذلك، ما يزال العنف يثير الشك في التوقعات بأنَّ السلام سيعود قريبًا إلى سورية.

تعتمد هذه التوقعات على عددٍ من الافتراضات؛ أولَّها أن الأسد قريبٌ من النصر العسكري. في حين تستعيد ميليشيات النظام سيطرتها على مساحاتٍ واسعة من الأراضي، تبقى قوات المعارضة أبعد ما تكون عن الهزيمة. لم يفزْ الأسد بوضوح، لكنّه منع المعارضة من الفوز؛ إذ ما يزال أكثر من 40 في المئة من البلاد تحت سيطرة المعارضة المسلحة: إدلب، ومناطق من دمشق، ودرعا وغيرها من المحافظات الأساسية، وما تزال الجماعات الجهادية القوية مستمرةً في قتال النظام. يؤكّد هذا المأزق أنَّه “ما من حلّ عسكري في سورية”. ومع ذلك، فمن غير المرجّح أنْ يستسلم المتمردون، ويقبلوا بحكم الأسد الوحشي. ويمكن أنْ يُقال الشيء نفسه، بالنسبة إلى ملايين السوريين الذين تضرّروا من حكمه. وبما أنَّ عدد القتلى يُقدَّر بحوالي 500 ألف شخص، وأنَّ الجرح الطائفي مستمرٌ بالنزف؛ فإنَّ الأسد لن يكون مقبولًا أبدًا، كسلطةٍ شرعية، في سورية من قبل أغلبية سكانها، بغض النظر عن أيّ حلٍّ سياسيّ مفروض من الخارج.

الافتراض الثاني هو أنَّ بقاء الأسد في السلطة سيعيد السلام والازدهار للسوريين. في الواقع، إنَّ الدولة السورية ومؤسساتها أضعف ما تكون من أيّ وقتٍ مضى، فالجيش استُنفد، من خلال الانشقاقات والخسارات، ولم يعدْ سوى ثلث ما كان عليه قبل الحرب. ومن أجل الحفاظ عليه، تخلى النظام عن سيطرته على استراتيجيته العسكرية، وعن مستقبل سورية لحساب القوى الأجنبية، وتراجع عن السيطرة على وجهة الصراع، ومستقبل البلاد. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ ما تبقى من الدولة مفلسٌ، واقتصاد البلاد مدّمرٌ إلى حدٍّ بعيد. دُمّرت حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، وهَربت الشركات السورية إلى الخارج، وأجبر هروب رأس المال النظامَ على الاقتراض بصورة كبيرة من روسيا وإيران، بدلًا من جبي الضرائب، ليدفع رواتب موظفيه محافظًا بذلك على وظائف الدولة. لن يقدّم هذا التشابك الاقتصادي مع القوى الأجنبية شيئًا لعلاج أسباب الصراعات الجذرية المتمثلة بالفشل الاقتصادي، ونظام المحسوبية الرأسمالي الطائفي.

يعتقد البعض أنَّ أموال إعادة الإعمار الموجهة من خلال النظام نفسه ستجلب الراحة والتنمية إلى سورية. ومع أنَّ المنظمات الدولية اضطرت إلى التفاوض بشأن المساعدات الإنسانية عبر دمشق، ما سمح للنظام بتجويع مناطق المعارضة من خلال منع الإمدادات الضرورية. في عام 2015، لم يتمْ الرّد على 75 في المئة، من طلبات الأمم المتحدة، من قبل السلطة الدمشقية. ومن الناحية التاريخية، كانت المناطق التي ازدهرت فيها جماعات المعارضة، ولا سيما المناطق الريفية، مهمشةً نتيجةً لنظامٍ اقتصادي مركزي للغاية. وعلى ضوء ذلك، فمن السذاجة أنْ نقول إنَّ الأسد سيوجه المساعدة لإعادة الإعمار إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. لديه احتياجاتٌ وجودية لذلك المال.

إنّ استراتيجية النظام في استمرار العنف في سورية هي لتأمين الأصول الاقتصادية، والمالية اللازمة للبقاء، ليتحمل الانتقال من مرحلة الحرب إلى السلام. وهذا يعني الاستمرار في استخدام الإكراه العنيف إلى أنْ يؤمّنِ الوسائل، لإعادة بناء سلطته السياسية المحلية، وسيطرته الاجتماعية.

ولذلك، فإنَّ المعضلة لا تكمن في عدم رغبة الأسد في التوصّل إلى تسويةٍ سياسية، بل لأنّه غير قادرٍ على تحقيق ذلك. وهذا دليلٌ على نظام السيطرة التاريخي في سورية. تعتمد قبضة النظام على السلطة على شبكاتٍ واسعة من المحسوبية في جميع أجهزة الدولة، في كِلا قطاعي الاقتصاد: العام، والخاص. وهذه الشبكات المحرومة من الوصول إلى ثروة البلد، وموارده، مدمجةٌ بعمق في اقتصاد الحرب، كما أنّها أنشأت شبكات مربحة تضمّ قوات الأمن، وتجار السوق السوداء الدوليين. وباختصار: يحتاج النظام إلى الحرب لضمان استمرار بقائه، ومن المرجّح أنْ يستخدم النظام أموال إعادة الإعمار، ليسدد مستحقات هذه النخبة، ويشتري ولاءها المستمر.

على الرغم من الانتصارات الأخيرة ضدّ المعارضة المسلحة، ومحادثات السلام التي استؤنفت في أستانا، إلّا أنّ السلام يظلُّ بعيدًا. تعليقات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، بأنَّ “فترة عائلة الأسد تقترب من نهايتها” منفصلةٌ عن الواقع. وهذا القبول بـ “الواقع السياسي” لحكم الأسد في سورية سيؤجج صراعًا مستقبليًا، ويُظهر جهلًا بأسباب الصراع. وبقبول ذلك، تتجاهل الحكومات الغربية دوره كلاعبٍ في الصراع الأكثر عنفًا في البلاد، والأساليب التي يتعذّر عليه التخلي عنها. يجب على الحكومات الغربية أنْ تركّزَ على تقديم مساعدات إعادة الإعمار، ليس من خلال دمشق، بل من خلال الدول المجاورة، ما يحرم الأسد من الموارد المالية التي يحتاج إليها للحفاظ على السلطة. ومن شأن نظام إعادة البناء من القاعدة إلى القمة، الذي يركّز على المجالس المحلية، أنْ يعزّز الحكم التمثيلي، وأن يحرم أيضًا الأسد من القدرة على تمويل شبكات محسوبياته. وحتى ذلك الحين، مع عدم قدرة المعارضة المسلحة، المفهومة، على التخلي عن أسلحتها، وعدم قدرة النظام على فصل نفسه عن نظم محسوبياته؛ فإنَّ المحادثات السياسية لن تكون كافيةً لتطيح أيًّا من الجانبين عن موقفه.

العنوان الأصلي Why Peace in Syria is Still a Long Way Off الكاتب ألكسندر أستون-وارد Alexander Aston–Ward المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين المترجم وحدة الترجمة والتعريب


ألكساندر أستون-وارد


المصدر
جيرون