أربعة كتب في السياسة والأدب عن فلسطين



يتابع الكتّاب الفلسطينيون يوميًا سرد روايتهم أدبيًا وفكريًا وسياسيًا، في مواجهة السرديات الصهيونية التي تعمل ليل نهار، على طمس الحق الفلسطيني وتزوير التاريخ والحاضر على كل الأصعدة، لتأكيد المقولة الصهيونية الشهيرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. وكما يسعى الكتّاب الإسرائيليون إلى الترويج لروايتهم، يعمل شعراء وأدباء وكتّاب فلسطين، داخل الوطن المحتل وفي الشتات والمنافي البعيدة، على دحض تلك الرواية شعرًا وقصةً وروايةً وسيرةً وكتابات نقدية وسياسية، وما عرضنا السريع هنا لأربعة كتب صدرت مؤخرًا في المشهد الأدبي والثقافي والسياسي الفلسطيني والعربي إلا دليلًا قاطعًا على أن الكلمة الفلسطينية، تشدد على تشبثها بالحق التاريخي الفلسطيني في فلسطين التاريخية؛ إذ لا مستقبل للفلسطينيين من دون رواية تدحض ادعاءات الاحتلال وزيفه. رواية ثقافية سياسية تاريخية، تحاور الفلسطينيين والعالم بوعي فلسطيني إبداعي جديد.

الكتاب الأول: (الحقيقة وأخواتها: المجلات السياسية الفلسطينية في الولايات المتحدة: 1980-1984)، الصادر صدر حديثًا في لندن، عن دار (عود الند) البريطانية، كتاب يوثق المجلات السياسية الفلسطينية التي صدرت في الولايات المتحدة، في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين (1980-1984)، وهو من تأليف الصحافي والكاتب الفلسطيني (المقيم في لندن)، الدكتور عدلي الهواري، رئيس تحرير مجلة (عود الند) الثقافية.

يسلط الكتاب الضوءَ على 34 عددًا من سبع مجلات فلسطينية: أربعة أعداد من (فلسطيننا)، وعدد واحد من (فلسطين)، وعدد واحد من (فلسطين الديمقراطية)، واثنا عشر عددًا من (الاتحاد)، وعددان من (صدى المعركة)، وعشرة أعداد من (الحقيقة) وأربعة أعداد من (فتح).

ووفقًا للمؤلف، فقد كان لهذه المجلات دور مهم في التواصل مع الجالية والطلبة الفلسطينيين في الولايات المتحدة، فتلك المرحلة لم تكن تعرف الإنترنت أو القنوات التلفزيونية الفضائية. وتكمن أهميتها في أنها لعبت دورًا سياسيًا مناصرًا للقضية الفلسطينية؛ فساعدت في التذكير بالانتماء الوطني وتعزيزه، ومتابعة شؤون الوطن وتطورات الأوضاع فيه والمتعلقة به. وكانت أيضًا وسيلة للبقاء على صلة مع اللغة العربية.

الناظر في الكتاب يجد أن المحتوى يشمل توثيق المجلات الرقم التسلسلي للأعداد، وتاريخ الصدور، وعدد الصفحات وحجمها، وقائمة بأهم الموضوعات التي نشرت في العدد، ثم نشر موضوع أو أكثر من كل عدد من بينها الافتتاحيات ومقالات تسلط الضوء على القضايا التي كانت محل نقاش، في أوساط الجالية والطلبة الفلسطينيين في أميركا.

يشير عدلي الهواري في تعريفه بالكتاب إلى أن فترة صدور المجلات السبع كانت قد شهدت -على قصرها- تمايزًا في المشهد السياسي الفلسطيني، بحيث يمكن اعتبارها مرحلتين: الأولى تشمل الأعوام (1980-1982)، وأهم أحداثها الاجتياح الصهيوني للبنان وحصار بيروت. والثانية تشمل الأعوام (1983-1984)، وأهم أحداثها الانشقاق الذي شهدته حركة (فتح) في العام 1983 وما تبعه من تطورات شملت الاقتتال الفتحاوي-الفتحاوي، وزيارة رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الراحل ياسر عرفات، لمصر الخاضعة في ذلك الحين لمقاطعة عربية بسبب “اتفاقيات كامب ديفيد” المشؤومة.

كما يبين المؤلف بروز “سمات مختلفة في المجلات، حسب مرحلة الصدور، إذ يلاحظ أن مجلتي (الحقيقة) و(فتح) لعبتا دورًا ناقدًا لتوجه القيادة الفلسطينية، بعد الخروج من بيروت عام 1982، نحو الانخراط في مبادرات سلام قائمة على الحكم الذاتي للفلسطينيين، مناقضة بذلك ما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة من أجل تحقيقه”.

يقول الهواري إن إصداره الكتاب، الذي جاء في 152 من القطع المتوسط، “نابع من إيمانه بأهمية التوثيق لحماية الذاكرة والمساهمة في حدوث تراكم معرفي، ومن أجل أن يكون هناك تعدد في الأصوات والروايات، بشأن الأحداث الصغيرة والكبيرة في النضال الفلسطيني، ولكيلا تهيمن سردية واحدة رسمية تعظم شخصًا واحدًا أو عددًا قليلًا من الأشخاص، وتنسب إليهم كل الإنجازات وتعفيهم من المسؤولية عن الأخطاء”.

ينضم الكتاب الجديد إلى آخرين مثله، الأول (اتحاد الطلبة المغدور) 2015، وثق فيه المؤلف تجربة تأسيس وانهيار فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة؛ والثاني (بيروت 1982: اليوم ي) 2017، وثق فيه الاتصالات الفلسطينية الأميركية في أثناء فترة الحصار الإسرائيلي لبيروت.

أشار المؤلف إلى أن من الممكن الاطلاع على الأعداد الموثقة في الكتاب في أرشيفه الرقمي الذي يضم هذه المجلات وغيرها من وثائق، كالبيانات والرسائل من المرحلة ذاتها. وعنوان موقع الأرشيف: adli.uk.

جدير بالذكر أن الباحث والكاتب الفلسطيني عدلي الهواري، حاصل على الدكتوراه في الدراسات السياسية والاجتماعية من جامعة وستمنستر، لندن 2012. وقبل ذلك، عمل معدًا ومقدمًا ومنتجًا للبرامج الإذاعية سنوات عديدة. وأسّس عام 2006 مجلة (عود الند) الثقافية وهي دورية مصنفة من المكتبة البريطانية.

(أزمنة مثيرة) بترجمة لجمال أبو غيدا

في بيروت، صدر قبل أيام، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كتاب القنصل البريطاني في بيت المقدس “جيمس فن” الذي أمضى فترة من حياته في فلسطين، بعنوان (أزمنة مثيرة- وقائع من سجلات القنصلية البريطانية في بيت المقدس 1853-1956)، بترجمة الكاتب والمترجم الفلسطيني جمال أبوغيدا، الذي سبق له أن ترجم كتابًا للمؤلفة البريطانية “ماري إليزا روجرز” عنوانه (الحياة في بيوت فلسطين)، الصادر عام 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهو إلى جانب ذلك روائي صدر له رواية (خابية الحنين 2016.

كتب مقدمة “المجلد” الذي جاء في 1048 صفحة من القطع الكبير، المؤرخ والباحث الأكاديمي الفلسطيني د. جوني منصور (من حيفا)؛ الذي بيّن في البدء أن هذا الكتاب، “صدر في لندن في العام 1878 في جزأين، تألفا من 975 صفحة، فيه وصف لفلسطين في فترة دقيقة وحساسة للغاية، كانت تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط عمومًا، والدولة العثمانية خصوصًا، ألا وهي أزمة حرب القرم 1853-1856، وهي تمثل في واقع الأمر (أزمنة مثيرة) لكنه لم يحصر نصوصه في هذه الفترة فقط، بل تطرق إلى ما سبقها وما تبعها لاحقًا.

رأى منصور أن الكتاب هو عبارة عن عملية توثيق لتدخل لا متناه تقريبًا، للقنصل البريطاني “جيمس فن” في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية، سواء في سنجق القدس أو خارجه، وكأن هذه المنطقة خاضعة لنفوذه القانوني. ولم يردعه أي تأنيب ضمير بالنسبة إلى نشاطه هذا؛ حيث إن ضميره وإيمانه ومعرفته الملتصقة بمهمته السياسية سهلت عليه مهامه الدينية أيضًا، والتي لم يبتعد عنها. وبموجب فهمه وإدراكه للأمور؛ أراد تعزيز قوة العثمانيين حلفاء بريطانيا في حرب القرم، لمواجهة المخطط الروسي الداعي إلى تصفية “الرجل المريض”.

بيّن منصور أن المؤلف “جيمس فن” يتطرق في كتابه بشكل تفصيلي إلى حالة النشاط الاستيطاني اليهودي بفلسطين، واصفًا حالة الفقر والقلة التي عاشتها شرائح يهودية في القدس خصوصًا. وبين المؤرخ الفلسطيني أن المؤلف البريطاني يصف زيارة الثري اليهودي البريطاني “موشي مونتفيوري” للقدس، وبناءه حيًا لليهود وطاحونة هواء ليستفيدوا منها في طحن حبوبهم، ومواقف القيادات الدينية اليهودية التقليدية المشككة بمشروع مونتفيوري. كما أشار جوني منصور، المحاضر في قسم التاريخ بالكلّيّة الأكاديميّة “بيت بيرل”، إلى الدور الذي لعبته وقامت به القنصلية البريطانية في القدس لصالح اليهود.

وبيّن كذلك حاجة اليهود إلى حماية لهم من قبل دولته التي يمثلها دبلوماسيًا، وهو بهذا يعكس اهتمامه الشخصي واهتمام دولته بهذه الشريحة السكانية؛ لتثبيت توجهات بريطانيا المستقبلية نحو الاستعمار الفعلي في المنطقة. وأيضًا ليستفيد من نظام الامتيازات الذي اتبعته الدولة العثمانية مع الدول العظمى، لحماية مصالحها الخاصة سواء في أراضي الدولة العثمانية أو من خلالها.

من جانب آخر، يُقدّم لنا الكتاب وصفًا عن الفلاحين والظلم الذي لحق بهم من قبل زعماء العشائر والأفندية والأعيان والآغوات المُعينين أو المرضي عنهم من قبل الدولة العثمانية، لخدمة مصالح هذه الدولة.

(حجر الندى) لتحسين الخطيب

وعن “منشورات المتوسط” بميلانو، صدر حديثًا كتاب شعري جديد للشاعر والمترجم الفلسطيني الأردني تحسين الخطيب، حمل عنوان (حجر الندى).

قدّم الناشر الكتاب، الذي جاء في 104 صفحات من القطع الوسط، بقوله: “لا يخفى على قارئ (حجر الندى) لتحسين الخطيب، اضطلاع الشاعر في حقل الترجمة، التي تأخذُ قسطًا وافرًا من حياته؛ ذلك أن جملة الخطيب الشعرية، جملةٌ تتخلّصُ وفق عمليةٍ بنائية صارمة وجادة، من الزوائد التي لا تُضيف للمعنى، فيرفضُ الشاعرُ الزوائد التي تتخذ من الجماليّ ذريعةً لوصولها إلى النصّ”. ويضيف: “المترجمُ صاحبُ الخبرة يذهبُ إلى نحو التكثيف بحنكةٍ ودهاء، ويوظّفُ جملته الشعرية ببلاغة ملحوظة في إيصالِ ما يبدو لوهلةٍ شخصيًا، لكنّهُ في حقيقة الأمرِ ينطوي على أبعاد عموميّة، تحاولُ ملامسةَ المفاهيم المجرّدة، مثل الحبّ أو المرأة أو… إلخ”.

بحسب الناشر، فإن “جملة الخطيب الشعرية قصيرة، الوقتُ الذي تستهلكُهُ هو أثناء كتابتها، هذا بالنسبة إلى الكاتب، على الرغم من أنها تعتبرُ زفراتٍ شعرية كثيفة ومستقيمة، ولا تحتاجُ إلا إلى أن تُكتب، كمن يفرّغُ حملًا ثقيلًا عن كاهله. ولكنّها تأخذُ وقتها في العملية الجراحية التي تلي الكتابة، حيث يبدو الخطيب جواهرجيًا بارعًا، دقيقًا ولا يسلّمُ عملًا إلا بعد اكتمال أركانه”. مشيرًا إلى أن (العملية): “قد اكتملت فعلًا في هذا الكتاب، الذي صدر ضمن مجموعة المتوسط المسماة (براءات) وهي مجموعة إصدارات خاصة فقط بالشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، أطلقتها المتوسط احتفاء بهذه الأجناس الأدبية”.

تحسين الخطيب شاعر ومترجم فلسطيني أردني. من ترجماته: (العالم لا ينتهي وقصائد نثر أخرى) و(المسخ يعشق متاهته) لـ تشارلز سيميك، و(الجذور الثقافية للإسلاموية الأميركية) لـ يتموثي مار، و(المدرسة) لـ كاثرين بيروك وإبان غروس فينور، و(ايروتيكا) لـ يانيس ريستوس. ونشرت ترجماته للشعر العالمي في دوريات عربية مختلفة، منها: مجلة (الكرمل) الفلسطينية، وصحيفتا (القدس العربي)، و(العرب) في لندن، وغيرها من المجلات والصحف. كما نشرت ترجماته للشعر العربي، في دوريات بريطانية وأميركية مختلفة.

كتاب قيد الطبع

أما الكتاب الرابع، المزمع صدوره قريبًا، عن “الدار العربية للعلوم/ ناشرون” البيروتية، فهو بعنوان (كتاب الكتابة: تلك الحياة.. ذلك اللون)، للروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله الذي أعلن، على جدار صفحته في موقع (فيسبوك)، أنه لا يظن أن كتابًا تأخر نشره لديه، مثلما تأخر نشر هذا الكتاب، الذي نشر أطول شهادة فيه عام 1990 في مجلة (فصول) الأدبية المصرية، وأضاف نصر الله: “كلما التقيت صديقًا من مصر تحدث عنها كما لو أنها نشرت أمس، كما حدث معي في معرض الشارقة للكتاب الأخير، شهادة حين نشرت كان تأثيرها طاغيًا في مصر وسواها، حتى اليوم.. كان عنوانها: (الطغاة لا يستوردون ضحاياهم)”.

يُشار إلى أن إبراهيم نصر الله 1954م، الفائز بجائزة “كتار للرواية العربية” لعام 2016 عن روايته (أرواح كليمنجارو)، والتي تبرع بقيمتها (60 ألف دولار) لجمعية إغاثة أطفال فلسطين، يُعدّ من أهم الروائيين الفلسطينيين والعرب، منذ الربع الأخير من القرن العشرين، وهو صاحب مشروع روائي يمكن اعتباره الأهم بين مجايله من كتّاب فلسطين. ومنذ تفرغه للكتابة عام 2006، نشر حتى الآن 14 ديوانًا شعريًا و16 رواية من ضمنها مشروعيه الروائيين، الأول: (شرفات)، التي صدر منها ست روايات آخرها (حرب الكلب الثانية)، والثاني (الملهاة الفلسطينية)، وهي ملحمة روائية درامية وتاريخية من تسع روايات حتى الآن، تغطي 250 عامًا من تاريخ فلسطين الحديث، وهو أمرٌ فريدٌ في الأدب العربي المعاصر.

اختيرت روايته (براري الحُمّى) من قِبل صحيفة (الغارديان) البريطانية، كواحدة من أهم عشر روايات، كتبها عرب أو أجانب عن العالم العربي عام 2012. وهو حاصل على عدة جوائز منها: جائزة “تيسير سبول للرواية” 1994، وجائزة “سلطان العويس للشعر العربي” 1997، وجائزة “القدس للثقافة والإبداع”، التي منحت أول مرة عام 2012 تقديرًا لأعماله الأدبيّة.


أوس يعقوب


المصدر
جيرون