أكلت يوم أكل إخوتي......

د.عزة عبد القادر هل تعرف صاحب المقولة الشهيرة التي نرددها دوماً كلما حدث لنا خطب أو مكروه ؟ لقد قال هذا الحكيم : (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) وقصة هذه المقولة الشهيرة أو هذا المثل المعروف ، أن أسداً وجد قطيعاً مكوناً من ثلاثة ثيران؛ أسود وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم ،ذهب الأسد وفكر بطريقة ليصطاد هذه الثيران، خصوصاً أنها معاً كانت الأقوى، فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: «لا خلاف لدي معكما، وإنما أنتم أصدقائي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض، كي لا أموت جوعاً، أنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم لكنني لا أريدكما أنتما بل هو فقط ،فكر الثوران الأسود والأحمر كثيراً؛ ودخل الشك في نفوسهما وحب الراحة وعدم القتال فقالا: (الأسد على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض». فافترس الأسد الثور الأبيض وقضى ليالي شبعان فرحاً بصيده). ومرت الأيام، وعاد الأسد لجوعه، فعاد إليهما وحاول الهجوم فصداه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما. ولكنه استخدام الحيلة القديمة، فنادى الثور الأسود وقال له: لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟ قال له الثور الأسود: أنت قلت هذا عند أكل الثور الأبيض، فرد الأسد: (ويحك أنت تعرف قوتي وأنني قادر على هزيمتكما معاً، لكنني لم أشأ أن أخبره بأنني لا أحبه كي لا يعارض اتفاقنا السابق) ،فكر الثور الأسود قليلاً ووافق بسبب خوفه وحبه الراحة. في اليوم التالي اصطاد الأسد الثور الأحمر وعاش ليالي جميلة جديدة وهو شبعان.مرت الأيام وعاد وجاع، فهاجم مباشرة الثور الأسود، وعندما اقترب من قتله صرخ الثور الأسود قائلاً: أُكلت يوم أكل الثور الأبيض. احتار الأسد فرفع يده عنه وقال له: لماذا لم تقل الثور الأحمر، فعندما أكلته أصبحت وحيداً وليس عندما أكلت الثور الأبيض! فقال له الثور الأسود: لأنني منذ ذلك الحين تنازلت عن المبدأ الذي يحمينا معاً، ومن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض أعطيتك الموافقة على أكلي. وهكذا أيضا نحن أمة العرب ، لقد تفكك العالم العربي حينما سمح للعدو الغريب أن يدخل أرضه ويقتل أخيه ، حينما صمتنا عن الإنتهاكات الإسرائيلية لأرض فلسطين ، لقد كان الصهاينة يهدمون العمائر الفلسطينية فوق رؤوس إخواتنا الفلسطينين وكانت صرخاتهم تعلو إلى السماء ودموعهم تنذرف كمدا وحسرة ، فماذا فعلنا نحن أمام بكاء الأطفال وإنكسار قلوب الأمهات ، لقد كنا فقط نشجب ونخرج رافعين بعض اللافتات الرافضة للإستعمار الإسرائيلي ، والبعض الآخر كان يتظاهر بأعداد قليلة ثم يحرق العلم الإسرائيلي ، لكنه لا يدعم فلسطين بجدية ، أما منظمة الإغاثة الإسلامية الوحيدة التي كانت تحاول جاهدة أن تدعم فلسطين ، فقد تم عزلها كلية عن المشهد وذلك بمساعدة الخونة من الحكام العرب . في عام 1990 لم يكن تفكك العالم العربي عادياً بل وصل لأقصى مدى وذلك من خلال الغزو الأمريكي للعراق ، فقد ضحى العرب بدماء العراقيين من أجل الحفاظ على عروشهم وثرواتهم ، واستسلمت الشعوب العربية مرة أخرى لهذا العدوان السافر ، وسألنا أنفسنا ، لماذا لم تثور الشعوب العربية بأكملها ضد هذا العدوان ؟ الإجابة إننا شعوب نسيت الجهاد والحرب ، لقد تم غسل أدمغتنا من خلال قنوات إعلامية فاسدة ، إننا إناس عشقنا المسالمة والمكوث في أماكننا لمتابعة أفلام سينما هولييود الأمريكية ، شباب أدمن العولمة ولم يتمالك أعصابه عندما شاهد غرف الدردشة على شبكة الإنترنت ، لقد سال لعاب الشعوب الإسلامية عندما ذاقت طعم الرفاهية وشاهدت التكنولوجيا ، وبدلا من ان تقتحم الشبكة العنكبوتية من أجل الإستزادة بالعلم وإكتشاف أسرار العالم ، وجدناها تلهث وراء مشاهدة أفلام العنف والجنس من خلال البحث على مواقع الانترنت المختلفة . في عام 2011 كانت ثورات الربيع العربي ، لقد احتشد العرب في كل مكان ، لقد اشتعلت قارة أفريقيا وآسيا بالحشود الشبابية من خيرة الرجال في كل بقعة من بقاع الأرض العربية ، لقد استيقظت بلادنا العربية الأصيلة وانتفض النساء والأطفال ليقولوا بصوت واحد: (إننا أمة عربية واحدة لن تموت ) ، حيث اسقطت تونس الطاغية بن علي ثم أعقبتها مصر بسقوط مبارك ثم ليبيا بسقوط معمر القذافي ، لتتوالى الإنتصارات الثورية والأفراح الشعبية في كل شارع وكل حارة في وطننا العربي . أما سوريا الحبيبة ، فقد أبى الظالمين أن تنال الحرية ، فلم يكن بشار الأسد مجرد رئيس لسوريا ، بل كان رجلا متآمرا خائنا ، لقد فكر بسرعة في الخطة البديلة بأن يسمح بدخول القوات الروسية والإيرانية إلى الأراضي السورية لقتال شعبه ، أما المعارضة السورية فقد استعانت بالعدو الأمريكي الخائن ، ولقد بقى الشعب السوري المجاهد حائرا وسط جناحين ، جناح الطاغية بشار الأسد ومعاونيه الروس والايرانيين والجناح الآخر(المعارضة السورية) إنه الجناح الشديد السذاجة الذي تم اختراقه من قبل إسرائيل بدعم أمريكي وذلك رغم الوعود الأمريكية للمعارضة بأنها ستساعدهم للتخلص من طغيان الأسد،ولكن كيف للحمل أن يطمئن للذئاب ، مما أدى في النهاية إلى سحق الثورة السورية والقضاء عليها إلى الأبد . في ابريل 2016 بلغت المجازر في الأراضي السورية إلى حد لا يمكن وصفه ، إنها حلب ، لقد حرق المجرمين حلب ، لقد قتل الأسد وأعوانه من روسيا وإيران آلاف الشباب والأطفال والنساء ، بل ولم يرحموا شيخا ولا رضيعاً ، بل وحتى الحيوانات شوهدت من خلال الأفلام على الانترنت وهي تحاول الهرب مع السوريين إلى الحدود ، لقد كانت مشاهد مروعة تقشعر لها الأبدان ، كل هذا من حولنا ونحن لا نتحرك ، ولا نثور ، إخواننا في سوريا يقتلون بدم بارد ونحن لم نفعل شيئا ذات جدوى ، حتى التبرعات كانت معظمها من دول تركيا والإتحاد الأوربي ، لماذا لم يتبرع العرب بالأموال ، وهم يمتلكون الثروات والأراضي الشاسعة ، لكن الأرض الشاسعة تتقلص اليوم أيها العرب ، هذا ما جنته أيديكم ستظل الأرض تنكمش وتنكمش حتى تجدوا أنفسكم وحدكم في العذاب . أما في مصر فقد بدأ الصراع في وقت مبكر بعض الشيء وكان ذلك وبالا على الثورة السورية فقد حدثت الطامة الكبرى في أغسطس 2013 ، حيث وقعت مجزرة رابعة العدوية التي راح ضحيتها الآلاف من المصريين من كل الفئات وكانت تلك المجزرة عقب الإنقلاب العسكري لهو السحابة الكثيفة السوداء التي لم تلبث بعد أن تنقشع ، لقد انكسرت جماعة الإخوان المسلمين التي كانت بمثابة الحصن المنيع للشعوب العربية ، وعندما تفتت الجماعة في مصر واعتقل شبابها ورملت نسائها كان ذلك ايذانا بتفتتها في البلاد العربية المجاورة ، ومرت السنون ثقيلة طويلة والبلاد العربية في تفكك وإنحدار . في يناير 2017 كان تنصيب دونالد ترامب الرئيس اليميني المتطرف عرش الولايات المتحدة الأمريكية ، فكان استلامه لمقاليد الحكم فرحاً كبيرا للدولة الصهيونية التي وعدها ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس ، القدس العربية ، انه يعدهم بأن القدس ستنتقل الى ملكية الصهاينة لتصبح عاصمة إسرائيل وليست فلسطين ، والعرب لا يتكلمون والشعوب لازالت في ثبات عميق ، ولم يكتفي الرئيس الأمريكي بهذا ، بل إنه وجه أمراً مباشراً إلى حكام العرب بأن يصدروا تصريحا في وقت قريب باعتبار حركة حماس الإسلامية حركة إرهابية ، واستقبل الحكام العرب ذلك على الرحب والسعة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ، لتقول بأعلى صوتها (حماس إرهابية)، ثم أعقب ذلك محاصرة قطر العربية ليس من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، بل من قبل الأشقاء العرب (السعودية- الامارات – البحرين- مصر). منذ حوالي أسبوعين تم اختراق الأجواء السعودية حيث هبط صاروخاً باليستيا في مطار الملك خالد الدولي بالرياض ، وحقيقة كان المشهد شديد التعقيد ، انها حادثة تدعو للأسى ، لكن ما أعقبها كان أكثر شدة ، لقد جن جنون ولي العهد السعودي الغريب الأطوار محمد بن سلمان ، فأصبح يتصرف كثوراً هائجاً فأمر عصبته المجرمين باعتقال رجال الأعمال والساسة داخل المملكة العربية السعودية وقام بحبسهم في فنادق منعزلة عن العامة ، بل ووصل الامر الى تعذيبهم ، واهانتهم ، الأكثر من ذلك إصداره الأوامر لقتل أحد أمراء العائلة المالكة وهو الامير منصور بن مقرن آل سعود . لقد أخذت بن سلمان العزة بالإثم واعتقد انه بعيداً عن العقاب ، وهو لا يعرف أنه يحفر مقبرته ومقابر آل سعود كافة ،إن المسلمين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، فما فائدة الإنسان المسلم بدون أخيه ، واذا كان الأمراء والملوك وأصحاب السمو في دول الخليج العربي قد ساندوا القمع في مصر وسوريا وليبيا والعراق ، فسيطولهم هذا القمع والاستبداد ، ليس من خلالنا بل من العدو نفسه ، لقد أكلتم أيها العرب يوم أكل أخوتكم ، لقد انكمشت أراضيكم يوم سكتم عن العدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية . نسي بن سلمان ان اسرائيل بعدما تأكل أخوته ستأكله ، ألا يتذكر بن سلمان الولاة الخونة الذين تم القضاء عليهم من الاعداء بمجرد الوصول إلى ما يبتغوه ،وهل نسى بن سلمان انتقم الله سبحانه وتعالى من الحكام الطغاة الظالمين ، إنلقد كان أبو طاهر سليمان القرمطي حاكم طاغية متجبر ،لقد تولى الحكم عام 930م ،حيث انشقت دولته عن الإمبراطورية الفاطمية ، هذا الرجل السفاح الذي قام جيشه بقتل الحجاج وهم يصلون ويقرأون القرآن ، اين هو الان لقد ابتلاه الله بمرض الجدري الذي عانى منه عناءاً شديدا إلى ان لقى حتفه ،واين كمال اتاتورك الطاغية السفاح العميل الوفي للانجليز الذي كان يكره الإسلام ، لقد أماته النمل الأحمر الذي أرسله الله سبحانه وتعالى لينتقم منه ، كان نمل صغير جدا لا يرى بالعين المجردة ،كان يسبب له الهرش والحكة حتى أمام كبار الزوار والسفراء ،مما أدى إلى موته في النهاية ، وأين معمر القذافي الطاغية السفاح الذي قتل أطفال ليبيا لمجرد قيام الثورة ضده ، أين كل هؤلاء ؟ لقد هلكوا جميعا وستبقى الأرض خالدة . إن دماء المجاهدين الأبرار تبلل كل بقعة من بقاع أرضنا العربية ، إن هؤلاء الشهداء سيعيشون أكثر منكم ، ولقد قالها عمر المختار للمستعمرين الإيطاليين: ) ان عمري سيكون أطول من أعماركم ، ان عليكم أيها المحتلين أن تحاربوا الجيل القادم ثم الذي يليه ، أما نحن فإننا ننتصر أو نموت) فسينتصر المجاهدين والشرفاء ، أما انتم فإلى مزبلة التاريخ . اليوم عرفنا جميعا إننا لن ننجو أبدا إلا إذا اتحدنا مع إخواننا وتضامنا مع المجاهدين والشرفاء ، عرفنا اليوم إننا أكلنا يوم أكل إخواننا ، ولن ننتصر إلا بالدفاع عنهم فإذا سقطوا سنسقط جميعاً واذا انتصروا سننتصر جميعا .