الرياض والإثم الجماعي



إذًا.. يجتمع اليوم “المعارضون” السوريون الأشاوس في الرياض، بعد دعوةٍ تلقوها لحضور مؤتمرٍ، لا يعرفون برنامجه أو جدول أعماله، ولا يعرفون تفاصيله ولا هدفه الحقيقي، ولا ماذا سيُبحث فيه بدقّة، ولا كيف سيصوّتون، ولا من سيفرض عليهم البيان الختامي وقراراته.

مئة وخمسون من “المعارضين” السوريين في الرياض، بمئةٍ وخمسين رأيًا وصوتًا، وخمس عشرة استراتيجية، وعشرين أيديولوجيا، وسبعة وعشرين انتماء، غالبيتهم العظمى رحّب بالمشاركة، وقالوا إنهم يعرفون خطورة المؤتمر، وما يمكن أن يُخبّأ في ثناياه، والنيّات الدونية التي تتربص به، والأفخاخ الكبيرة المنصوبة حوله وفيه، لكنهم قرروا أن يُشاركوا، لأن “إنجاح المؤتمر مسؤوليتهم”، وشددوا -“بكل ثقة”- على أنهم سيُقاومون ويتابعون ثورتهم هناك، ولن يتنازلوا أو يُساوموا، ولن يخافوا من أحد، وسيحملون الثورة “الماجدة” على ظهورهم، وسيرفعون شعارات وراء شعارات، وشعارات أقوى من شعارات، لأن ثوابت الثورة في ضمائرهم، ودم الشهداء في دمائهم.

جميلة هذه الثقة بالنفس، وهذا التحدي، وهذا الكلام المعسول، وقوية هذه الوعود الكبيرة، ويتمنى السوريون المُعذّبون أن تصدق نيّاتهم، وتقدر هممهم، وتُصيب رؤيتهم، وأن يثبتوا على ما وعدوا به، ويتحملوا مسؤوليته.

الغريب أنه قلّما تتفق المعارضة السورية على شيء، ولو كان حفل عشاء خيري، فهم سيختلفون، قبل الإعلان عنه، على من سيرعاه، ومن سيقص شريط الحرير، ومن سيدعو أكثر مِن مَن، وكذلك قلّما توافق معارضان اثنان على أمرٍ يخص القضية السورية، فالكل يعتقد أنه وحدَه الصواب، والكل ينظر إلى ظل الشجرة؛ فيعتقد أن هذا الظل الضخم هو ظلّه، وهناك من هؤلاء في الرياض نحو مئة وخمسين.

اليوم، جميعهم يتفقون، ويقبلون المشاركة، ائتلاف على هيئة تنسيق على تيار بناء، على منصة أولى وثانية وثالثة، على إخوان ومسيحيين وسلفيين وملحدين، على يساريين وناصريين ويمينيين رجعيين، كلهم وافقوا على المشاركة في مؤتمرٍ يُشرف عليه الروس، ويفرضون نتائجه، وكتبوا قراراته في موسكو قبل أيام من انعقاده.

في صالة صغيرة يُسمع فيها تنفس الرضيع، سيتناقش مئة وخمسون من المعارضين الأشاوس. من حقهم أن يتناقشوا ويتحاوروا وحتى أن يتصايحوا، ومن حق كل واحد فيهم أن يحاول فرض رأيه على الآخر، لكن ليس من حق أحدٍ منهم أن يبيع ويشتري، وليس من حق أحد منهم أن يتنصل من وعوده التي أطلقها لتبرير حضوره، فهنا الإثم جماعي، والمسؤولية جماعية، ولا تملّص لأحد، فردًا فردًا، فكل فرد حلّل المؤتمر بطريقته، وكل واحد منحه الشرعية بطريقته، ولا حجّة لأي منهم، مهما قال.

يأمل السوريون أن تتحقق الوعود، وأن يكون جميع من حضر الرياض بحجم المسؤولية، وأن تكون سورية الحرة أمام أعينهم، وكرامة السوريين أولويتهم، ونصرة المظلوم والضعيف والمكلوم فوق أي نصرة، وإدانة المجرمين فوق أي إدانة، وإن نجحوا؛ فعلى الرحب والسعة، فالنجاح فردي، والشكر لكل فرد ناضل من أجل سورية الحرة الكريمة، وإن فشلوا؛ فالإثم جماعي، ويجب أن تكون عقوبة السوريين لهم جماعية أيضًا.


باسل العودات


المصدر
جيرون