المشهد قبل الأخير: مؤتمر بمن حضر



ها نحن أمام خط النهاية، تفصلنا عنه بضع إجراءات شكلية، فمؤتمر الرياض تم عقده بمن حضر، وإنّ اعتذار 10 بالمئة من المدعوين لن يُغيّر في الأمر شيئًا، لأنه لا يوجد شيء في الأصل كي يتغير، فالمؤتمر كله -بما فيه وما سينتج عنه- هو عبارة عن إجراء شكلي، فالنهايات قد تم رسمها والتوافق عليها، بين الدول “اللاعبة”، وقد بدا ذلك جليًا من الدعوات التي تم توجيهها، والطريقة التي تم بها اختيار المشاركين، وصولًا إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر، والتي اجتمعت قبل يومين من انعقاده، لتُكرر الأطراف مواقفها ذاتها، وبذلك تنتهي مسرحية “توحيد المعارضة” التي بدت، كمن يحاول خلق مزيج متجانس بين الزيت والماء، وبدا أيضًا أن مسألة “توحيد المعارضة” لم تكن سوى وسيلة التفافية على عامل الزمن؛ حتى تتمكن روسيا من إنجاز ما تريد إنجازه على الأرض، أما بعد هذه اللحظة، فلم يعد ذلك مُهمًا، وسيّان إن توحدت المعارضة أو لم تتوحد، ولم يعد مهمًا أن توافق المعارضة على هذا البند أو ذاك، فموافقتهم مجرد آراء شكلية، يمكن الاستغناء عنها.

الأسد باق:

استقبلت روسيا الأسدَ، منذ يومين، لإبلاغه تفاصيل المشهد الأخير، واجتمع الرئيس الروسي مع نظيريه التركي والإيراني، لإبلاغهم بنتيجة مداولاته مع الأسد، ولوضع تفاصيل خط النهاية، فالأتراك تراجعوا خطوةً إلى الخلف، وتنازلوا عن مطلب رحيل الأسد، مقابل عدم قيام كيان كردي في الشمال، بضمانة روسية وأميركية، وتاليًا كان لتركيا دور مهم في جعل المعارضة المقيمة في ذلك البلد أكثر ليونةً وقابليةً لتدوير الزوايا، ولا سيّما بعد استبعاد نمور المعارضة الأكثر تشددًا تجاه مصير الأسد، والمطالبين برحيله الفوري، وكان استبعادهم بتوافق إقليمي ودولي، وبذلك؛ أصبح بمقدور المعارضة المحسوبة على تركيا التراجع خطوةً إلى الخلف؛ لتتبنى موقف منصة القاهرة التي ضمّت ضمن وفدها ممثلين لتيار المعارض أحمد الجربا، ثم الخروج بعبارة (لا وجود للأسد في مستقبل سورية)، ضمن البيان الختامي، ليبقى تفسير (مستقبل سورية) مصطلحًا مفتوحًا زمنيًا، فمستقبل سورية لا يعني المرحلة الانتقالية التي تم إلغاؤها كليًا، وإنما كلمة مستقبل تعني الفترة التي تلي نهاية دورة الأسد الانتخابية، وربما أبكر، وذلك مرهون بعودة الاستقرار على الأرض، وبعض الترتيبات النهائية مع دول الجوار جنوبًا وشمالًا.

المشهد في سوتشي:

تريد روسيا أن تُعلن نهاية الحرب وانتصارها في سورية، بلوحة مشهدية احتفالية، ولهذا سوف تقوم بنقل ما يُقارب من ألف وخمسمئة سوري، من الرياض والقاهرة وإسطنبول ودمشق إلى سوتشي، ليلتقي المعارضون مع النظام ومؤيديه، تحت مظلة شخص توافقي في سورية، قيل إنه قد يكون النائب السابق لرئيس الجمهورية فاروق الشرع، وعلى هامش هذا الكرنفال الروسي ستتم بعض التعديلات على الدستور السوري، تضمن بشكل أوثق حقوق (الأقليات) العرقية والمذهبية، وبحث إمكانية تشكيل حكومة موسعة، تُشارك فيها المعارضة بدلًا من الطرح السابق الذي كانت المعارضة تتبناه وهو هيئة حكم انتقالي؛ إذ إن هذا المصطلح قد أصبح من الماضي مع كافة القرارات الأممية التي اختزلها جميعها بوتين في إجراءين اثنين فقط، بتوافق دولي، وخاصةً من طرف الدول المنخرطة في الكارثة السورية، وظهر ذلك التوافق خلال الثلاثة أيام الأخيرة، من خلال حركة الدبلوماسية الروسية واتصالات الرئيس بوتين مع قادة الدول المؤثرة، وكذلك حركة موفديه لزيارة بعض عواصم الإقليم.

تبدو روسيا على عجلة من أمرها، وتسعى إلى أن تُنهي كافة التدابير الكفيلة بتنفيذ الحل المرسوم من طرفها، قبل حلول ربيع العام القادم، أي قبل الانتخابات الروسية التي يتطلع الرئيس الروسي إلى خوضها حاملًا معه نصرًا مؤزرًا، ليس في سورية فحسب، وإنما إعادة روسيا كلاعب نشط على الساحة الدولية ورقم صعب في معادلاتها.

في المشهد الإيراني:

ستنكفئ إيران خطوة إلى الخلف، وخصوصًا أنها تواجه الآن ضغوطًا مستمرة ومتزايدة على مستوى برنامجها النووي، أميركيًا على الأقل، وعلى مستوى برنامج الصواريخ الباليستية، وعربيًا وأوروبيًا بدرجة أقل، كما أنها تواجه تُهمًا بالإرهاب، حسب ما تشير إليه سجلات الاستخبارات الأميركية التي تعمدت الإدارة الأميركية فتحها اليوم، بمفعول رجعي يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي.

يبقى المشهد السوري على مأسويته مجرد جزء من المشهد العام للمنطقة؛ فالمنطقة بمجملها تشهد حراكًا سياسيًا داخليًا وخارجيًا محمومًا، وأهم ما في ذلك ما تشهده الساحة الفلسطينية داخليًا وخارجيًا، من أجل تنفيذ مبادرة السلام الأميركية الجديدة، وهذا يتطلب نزع سلاح (حزب الله)، كما يتطلب إيجاد حل سياسي، بشكل من الأشكال، في اليمن، وهناك إجماع دولي وإقليمي على عدم السماح بالمشاغبة على هذه المشاريع التي يكمل بعضها بعضًا، من مياه الخليج العربي وإلى مياه البحر المتوسط.

بذلك؛ تكون حسرة السوريين كبيرة، لعدم محاسبة المجرم وتحقيق العدالة، ويكون عزاؤهم بأنهم قد ينعمون بالحرية، ولو بعد حين منظور.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون