جريدة الليبيراسيون الفرنسية: ضحايا مدنيون في العراق وسورية: من يصدق حتى الآن أرقام التحالف؟



5 أيلول/ سبتمبر، مدينة الرقة في سورية بعد ضربة من التحالف. دليل سليمان/ أ.ف.ب.

أكد تحقيق أجرته صحيفة (نيويورك تايمز)، في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسورية يقلل بشكل كبير من أرقام الضحايا المدنيين الناجمة عن عمليات القصف التي يقوم بها، الأرقام التي يُشك بدقتها منذ سنوات.

“إنها إحدى أكثر الحملات الجوية دقة في التاريخ العسكري“، بتلك الكلمات وصف التحالف الدولي، الذي تشكل فرنسا جزءًا منه، الحربَ التي يشنها ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” في العراق وسورية. تم تسجيل 27.500 ضربة جوية، منذ شهر آب/ أغسطس 2014، نفذت الولايات المتحدة معظمها. وفقًا للمعطيات الرسمية، فقد قتل التحالف عشرات الآلاف من المجاهدين، مقابل 466 ضحية مدنية فحسب، رسميًا!  

“إنها أحد أقل حروب الولايات المتحدة المؤخرة شفافية“، كان ذلك جواب جريدة (نيويورك تايمز)، بعد نشرها تحقيقًا ضخمًا كان ثمرة ثمانية عشر شهرًا من العمل، تم خلالها زيارة ما يزيد عن مئة موقع، استهدفتها عمليات القصف في العراق، كما تم فيها اللقاء مع شهود وناجين وعائلات ضحايا ومسؤولين عسكريين محليين، إضافة إلى استخدام صور أقمار صناعية وعيّنات لمكونات القنابل عُثر عليها بين الأنقاض. كما تمت في أثناء إعداد التقرير مقابلة مسؤولين عسكريين للتحالف في قطر، في القاعدة التي تنطلق منها بعض الطائرات التي تقصف في العراق وسورية. كانت النتيجة صادمة: فقد قدّر التحالف عدد الغارات الجوية التي نجم عنها ضحايا مدنيون بـ 89 من أصل 14.000 غارة، أما (نيويورك تايمز) فقد وصلت إلى نسبة أن غارة من أصل خمسة غارات، كانت قد أدت إلى ضحايا مدنيين، أي نسبة أعلى بـ 39 مرة من التقدير الرسمي.

تدفعنا النسبة السابقة إلى الشك في مفردات اللغة التي تحدث بها الناطق الرسمي للقيادة المركزية للتحالف إلى جريدة (نيويورك تايمز)، حيث قال: “لدينا ثقة في حقيقة أننا نقوم بأفضل ما يمكن، للحد من تلك الأشياء”. ولكن يبدو أن التحالف “يحدّ” من الرقم الرسمي لعدد الضحايا المدنيين على الأخص. إن معارضة تحري (نيويورك تايمز) لأرقام التحالف قد جاءت، بعد وقت طويل من عدم تصديق معظم وسائل الإعلام لتلك الأرقام.

منظمة (حروب جوية/ Airwars)

يقدم التحالف الدولي معلومات عن عملياته الجوية التي ينفذها في كل شهر، كما يخصص بعضًا من وقته، أحيانًا، للإجابة على اتهامات بارتكاب أخطاء صادرة عن منظمات غير حكومية أو صحافيين ميدانيين في مكان الحدث. يطعن التحالف، في معظم الأحيان، في صحة تلك الاتهامات، مؤكدًا عدم صلابتها.

تشكل التقارير الشهرية عن عدد ومواقع الضربات التقريبية معلوماتٍ ثمينة، يُحصيها المراقبون لمقاطعتها مع عدد الضحايا على الأرض. ذكرت (نيويورك تايمز) عدة منظمات تعمل بتلك الطريقة، ولكن في ما يخص تلك المنطقة، هنالك مرجع هو: حروب جوية “Airwars”.

(حروب جوية) هي منظمة غير حكومية، تتألف من صحافيين وباحثين، تقوم بمتابعة مباشرة لعدد الضحايا المدنيين في العراق وسورية. ووفقًا لتلك المنظمة، فقد كان هناك ما لا يقل عن 6.000 ضحية مدنية، منذ بداية تدخل التحالف، ويعتقد مسؤولو “حروب جوية” أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

كانت أول مرة تم فيها الحديث عن منظمة (حروب جوية) في شهر آب/ أغسطس 2015، أي بعد سنة من بدء عمليات القصف، حيث نشرت المنظمة وقتئذ تقريرها الأول، لتزج نفسها في معركة أرقام مع التحالف. كان عدد الضحايا المدنيين في تلك الفترة بين 489 و624 قُتلوا خلال عام، في الوقت الذي لم يعلن فيه العسكريون المحاربون لتنظيم الدولة الإسلامية إلّا عن….. ضحيتين. خصصت عدة وسائل إعلامية (كجريدة Les Échos، واللوموند والأو. بي. إس) مقالًا عن ظهور ذلك التقرير، والذي كان بمثابة دليل ممكن عن الارتياب الكبير بتقرير التحالف. فرضت (حروب جوية) نفسها، رويدًا رويدًا، كمصدر مرجعي لتلك القضايا.

شك دولي

في معركة الأرقام والتقارير عن سورية والعراق، قام فاعل مهم آخر بطرح نسخته من الحقائق، لتبطل بمفعولها المعطيات “الرسمية”: (المرصد السوري لحقوق الإنسان). نجحت تلك الشبكة من المراقبين، وهي تُدار من لندن، بفرض نفسها كمصدر تعدّه وسائل الإعلام الأوروبية موثوقًا. ولذلك، عادة ما تنشر وكالة (أ.ف.ب) بيانات المرصد السوري المتعلقة بالضربات الجوية، والتي غالبًا ما تكون أثقل بكثير من بيانات التحالف.

كما يبدو أن الأمم المتحدة أيضًا ليست مطمئنة تمامًا لصحة الأرقام التي تعطيها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وبناء على ما سبق؛ قامت المفوضية العليا لحقوق الإنسان بنشر تحذير: “يدفع المدنيون ثمنًا باهظًا للحرب في سورية”، وطالب رئيس تلك المنظمة زيد رعد الحسين “القوات الجوية لجميع الدول التي تقوم بعمليات في الصراع الدائر ببذل المزيد من الجهد للتمييز بين الأهداف العسكرية المشروعة والمدنيين. على جميع أطراف الصراع أن تحترم التزامها باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية السكان المدنيين من آثار الصراع المسلح”. كما ذكرت تلك المنظمة في تحذيرها عدد الضحايا المدنيين من جراء عمليتَي قصف، وكان ذلك الرقم أقرب بكثير إلى رقمي منظمة (حروب جوية) والمرصد السوري لحقوق الإنسان، منه إلى أرقام التحالف.  

العمل الميداني

يعدّ العمل الميداني من أولى الوسائل التي يستخدمها المراقبون لإحصاء عدد الضحايا المدنيين. ففي تحقيق متعلق بالضربات الجوية، انتقدت منظمة (هيومان رايتس ووتش) غير الحكومية، كوادر التحالف لندرة ذهابها إلى مكان الضربات لتقدير عدد الضحايا المدنيين.

وقع أحد أكبر أخطاء سلاح التحالف الجوي فداحة، في سوقٍ في الموصل؛ حيث استغرق الأمر انتظار شهرين من المراوغات والتحقيقات الداخلية، ليقرّ العسكريون بمقتل أكثر من مئة مدني في تلك الغارة. ووصلت اعتذارات وتعازي التحالف، نهاية شهر أيار/ مايو 2017، على الرغم من قيام صحافيين في مكان الحدث، كمراسل جريدة (الليبراسيون) الخاص ومراسل صحيفة (نيويورك تايمز)، بالتحذير من احتمال مقتل عشرات المدنيين من جراء تلك الضربة، في منتصف شهر آذار/ مارس من العام نفسه.

ماذا عن فرنسا؟

تعدّ فرنسا واحدة من أكثر دول التحالف تكتمًا، إذ لا تقول القيادة العسكرية إلا القليل النادر عن عملياتها، حيث لم يكن هناك أي ذكر للضحايا، سواء أكانوا مدنيين أم أعداء، في تقرير أصدرته وزارة القوات المسلحة الفرنسية، في شهر تموز/ يوليو 2017، عن عملية “شمال” التي استلزمت تحريك 1.200 عسكري حول العراق وسورية. احتوى التقرير، مع ذلك، على بعض الأرقام المتعلقة بالضربات الجوية: 6.500 طلعة جوية، و1.300 ضربة، و2.000 هدف. وفي أيلول/ سبتمبر، قامت القوات المسلحة بإطلاق تغريدة جديدة مقتضبة على موقع (تويتر)، بخصوص تلك العملية:

#Chammal- منذ 19 أيلول/ سبتمبر 2014

349 طلعة جوية فوق العراق وسورية. 413 ضربة ضد (داعش). 197 هدف تم تدميره pic.twitter.com/4k74Pi0ZnI قيادة أركان الجيش (@EtatMajorFR)، 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2017

منظمة (حروب جوية) التي تقوم بمراقبة الضربات الجوية في العراق وسورية، تنتقد فرنسا، لافتقادها الدقة في تقاريرها، فيما يتعلق بتواريخ وأماكن عمليات قصفها. إن أكثر ما تكتفي به تغريدات قيادة أركان الجيش هو ذكر عدد المرات التي تتدخل فيها قواتها الجوية، خلال أسبوع، أو خلال 48 ساعة.

بمناسبة ظهور تقرير (حروب جوية) لشهر كانون الأول/ ديسمبر 2016، أشار صحفيو جريدة (اللوموند) إلى حقيقة قتل فرنسا لأقل من 2.500 جهادي، منذ بدء عملية (شمال). وبكل الأحوال، يتشبث الجيش بعناد بنسخته من الحقائق: لم تقتل فرنسا أي ضحية مدنية في مسارح عملياتها.

العنوان الأصلي Victimes civiles en Irak et Syrie : qui croit encore aux chiffres de la coalition ? الكاتب فابيان لوبوك Fabian Loboucq المصدر   جريدة الليبيراسيون الفرنسية الرابط  http://www.liberation.fr/desintox/2017/11/18/victimes-civiles-en-irak-et-syrie-qui-croit-encore-aux-chiffres-de-la-coalition_1610850 المترجم أنس عيسى


أنس عيسى


المصدر
جيرون