حكومة الأسد.. الوظيفة مقابل الخدمة العسكرية



يحارب الأسد السوريين على كافة الجبهات، تمامًا كأي سلطة احتلال، وهو يدرك أنه محمي من أي محاسبة -حتى الآن- على جرائمه؛ فالقوانين التي يصدرها بحق السوريين لا تقل فتكًا وإجرامًا وانتهاكًا لحقوق الإنسان، عن فعل أي سلاح آخر.

يوم الثلاثاء الماضي، أصدر مجلس وزراء الأسد تعميمًا إلى كافة الجهات العامة التابعة، يطلب منها التقيد بما تضمنه التعميم الذي صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، والقاضي بـ “إنهاء خدمة العاملين المتخلفين عن أداء الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية”، وهو القرار الذي يستهدف آلاف السوريين الذين تراوح أعمارهم بين 20 إلى 40 عامًا.

جاء في التعميم الذي نشرته وسائل إعلام نظام الأسد، أن ذلك يعود “لما تقتضيه المصلحة العامة، من الدقة والسرعة في إنجاز المعاملات، ولعدم إظهار الجهات بدور المساعد على استمرار العاملين المتخلفين عن أداء الواجب الوطني بخدمة العلم (الإلزامية والاحتياطية)”.

يذكر أن نظام الأسد، بعد الخسائر البشرية الكبيرة التي مُني بها، إضافة إلى حالات الانشقاق التي تصاعدت وتيرتها منذ عام 2012، وحالات التخلف عن الجندية؛ أخذ يقتاد آلاف الشبان، من الحواجز ونقاط التفتيش “الطيارة” إلى القطعات العسكرية من دون دورات تدريبية، أو بدورات سريعة لبعضهم، كما أنه منع تسريح أي دفعة قديمة من المجندين. وبعد زيادة التشديد الأمني وتكثيف الحواجز؛ اضطر آلاف الشبان إلى البقاء ضمن نقاط جغرافية محددة، بعيدًا عن الحواجز، ولم يلتحقوا بأعمالهم أو جامعاتهم، حيث أصبحت الحواجز العسكرية تشكل كابوسًا لهم؛ وقد قرر كثير منهم مغادرة سورية إلى وجهات مختلفة.

في شباط/ فبراير 2016، أصدر رأس النظام مرسومًا، “يعفو” بموجبه عن الذين زعم أنهم “مرتكبو جرائم الفرار الداخلي والخارجي، في قانون خدمة العلم”، بشرط أن يسلموا أنفسهم خلال مهلة 30 يومًا للمتوارين عن الأنظار بالداخل، و60 يومًا لمن هم خارج سورية، وجاء ذلك بعد أن أصبح يعتمد بشكل رئيس على المرتزقة الذين ترسلهم إيران، وهم من عدة جنسيات عربية وأجنبية، وقُدّر عددهم بنحو “80 ألف مرتزق”، وأيضًا بعد أن أعلنت روسيا عن تدخلها المباشر، لحمايته من السقوط.

كان وائل الحلقي رئيس حكومة الأسد قد أصدر تعميمًا على كافة الوزارات، قبل ذلك المرسوم بأيام، يجبر كافة الموظفين على الانتساب إلى (الألوية التطوعية)، كـ (اللواء التطوعي 145)، والتدقيق عليهم بضرورة الالتزام بالمناوبات الأمنية، بذريعة حفظ الأمن.

في تموز/ يوليو 2016، أصدر رأس النظام قانونًا جديدًا يتعلق بالخدمة العسكرية، وسمح للموظف الدائم والمؤقت، لدى الجهات العامة، بالحصول على “إجازة بلا أجر” من الوظيفة، طوال فترة خدمته، في حال التحق بالجندية، أما الملتحقون بالاحتياط منهم، فيتم منحهم إجازة مدفوعة طيلة الخدمة؛ وهنا تطوع العديد منهم في ميليشيات (اللجان المحلية)، في محاولة لعدم الذهاب إلى جبهات القتال، وألزموا بالوقوف على حواجز التفتيش.

حاصر النظام المواطنين، باعتماده أسلوب التحكم بأبسط شؤونهم وقيّد سبل الأفراد، وحالَ دون حصولهم على أي دخل مادي يساعدهم، ومنعَ إصدار وكالات خاصة أو عامة، أو إتمام عمليات التأجير والبيع والشراء ونقل ملكية العقارات والممتلكات، دون الحصول على موافقات أمنية، كما أصدر قرارات أخرى، تقضي بفصل آلاف الموظفين بذريعة معارضتهم له، وتوقيف تعويضاتهم ومستحقاتهم الوظيفية، كما أصدرت محاكمه قرارات بالحجز الاحتياطي على أملاك كثير من المعارضين وعائلاتهم.

التعميم الأخير للنظام بإنهاء عمل آلاف الموظفين، بذريعة عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية، سبقه قانون معدل للخدمة، يُحدَّد فيه مبلغ يراوح ما بين 3 إلى 8 آلاف دولار” -حسب العمر- كـ “بدل” خدمة، لمن يرغب في إعفائه منها، وهو الأمر الذي رأى فيه السوريون عمليةَ ابتزاز، تشبه قانون الحصول على جواز سفر الذي بلغت كلفته نحو “800 دولار”.

جاء في بحثٍ عن كيفية إمساك الأسد بأوراقه أعدّه (مركز كارنيغي) للشرق الأوسط، أواسط عام 2015، أن “ثمة عاملًا رئيسًا يُفسِّر قدرة نظام الأسد على البقاء، هو قدرته على الاّدعاء، بأن الدولة السورية بقيت مُزوِّدًا لا غنى عنه للخدمات العامة، حتى للسوريين الذين يقطنون في مناطق خارج سيطرة النظام”، وهكذا تحكّم بكل الأدوات والحاجات والمستندات التي تخص الأفراد.

يضيف تقرير المركز “توجد البيروقراطية الحكومية ومباني الإدارات الرسمية -بما في ذلك مكاتب الإدارات الجامعية، والمستشفيات، والمحاكم، والهيئات المُصدِرة للوثائق الشخصية- على مقربة من أجهزة مخابرات النظام، التي تشمل الاستخبارات العسكرية، وأمن الدولة، واستخبارات سلاح الجو، والأمن السياسي. كما أن السوريين الذين يقصدون هذه المقار يجب أن يخضعوا لتدقيق العين الساهرة لعناصر الأمن التابعة للنظام”. ح-ق


جيرون


المصدر
جيرون