فشل الرؤية الروسية في تغيير سورية

24 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
7 minutes

دافعت روسيا عن النظام السوري في الهيئات الدولية منذ 2011، ورفعت اثني عشر فيتو لمنع إدانته، وأفشلت مقررات جنيف والقرارات الدولية التي تقول بتغيير النظام السوري بشكل كامل. على الأرض، كان لا بد من تدخلٍ عسكري، بعد أن فشلت إيران والنظام في إيقاف الثورة؛ وقد غيّر تدخلها هذا كلَّ المعادلات؛ أي ألبست النظام أقدامًا صناعية، وسمحت للميليشيات الإيرانية وملحقاتها بمتابعة حروبها الطائفية ضد السوريين. كذلك حجمت التدخل التركي، ولكنها أعطت للأتراك حصصًا في جرابلس والباب وبلدات أخرى، وربما لاحقًا في بلدات تابعة لإدلب، ووافقتهم على تحجيم المشروع الكردي المُسيطر عليه أميركيًّا، وبالتالي؛ استطاعت تشكيل حلف روسي تركي إيراني، استفاد هذا الحلف من ضعف الاستراتيجية الأميركية في سورية، للتلاعب بالثورة السورية، وقد وصل الأمر -بسبب ذلك- إلى إفشال جنيف واستبداله بـ (أستانا)، وتخلي مؤتمر (الرياض 2) عن تغيير النظام، وهو ما سيتكرس في (سوتشي) المستقبلي أيضًا. ما ذكرته أعلاه يوحي بأنّه كلامٌ عن نجاح الرؤية الروسية، وليس فشلها؟

ذاع مصطلح “اليوم التالي” في السنوات الأخيرة، وهنا السؤال ينبعث: كيف ستُدير روسيا النقاش مع أميركا، التي لها قواعد عسكرية وسيطرة واسعة على مناطق كثيرة في سورية؟ وكيف ستؤمن المال لإعادة الإعمار، وكيف ستجذب أوروبا، المتوافقة مع أميركا، على تحجيم إيران؟

هذه الأسئلة تقول، بشكل أولي، إن هناك تعقيدات كبرى أمام استقرار الأوضاع، وإن الرؤية الروسية تتحرك في مجالات محدّدة وضيّقة، وتتعلق بمكانة الرئيس الروسي في بلده، وضرورة إظهاره بطلًا في سورية، لتجديد ولايته في آذار القادم، وكذلك فإن الحل الذي يتكرّس، عبر الرياض وسوتشي، سيشكل دافعًا إضافيًّا للتوافق مع الأميركيين، أي أن الروس يريدون -من خلال كل سياساتهم هذه- التوافق مع الأميركيين لا تجاهل دورهم، في كل المنطقة وفي سورية، وهذا من المستحيلات.

البرودة الأميركية، إزاء التحركات الروسية، هي سياسة الأميركيين الدولية، وربما لهذا سميت السياسة من الخلف، أي ترك الأمور تتطوّر ضمن إطار محدّد، والتدخل في الأوقات التي تناسبهم، والحقيقة أن هذه السياسة تعزّز الدور الأميركي مؤخرًا؛ ففي العراق هناك شقّ لصفوف الطائفية الشيعية، وتحجيمٌ كامل للمشروع الكردي، وتبعية كبيرة للحكومة العراقية. وفي الخليج، بسبب صفقة ترامب، هناك سيطرة متجددة عليه. وفي سورية هناك قواعد عسكرية، يُشاع أنّها ستكون بديلة عن القواعد في تركيا؛ أريد القول: إن روسيا، بدلًا من أن تفرض سيطرة كاملة على سورية بالتحالف مع الأميركيين، تُكبّر الدائرة، لخلق وقائع جديدة تفرض التحرك الأميركي نحوها.

التصريحات الأميركية الأخيرة -سواء على لسان وزير الدفاع أو الخارجية- تؤكد أن لا إمكانية لحل سياسي، قبل تغيير كبير في النظام السوري، ولكن روسيا لا تهتم بذلك، وتؤكد على إصلاح الدستور، وعلى حكومة بقيادة الأسد، وانتخابات برلمانية ورئاسية بقيادة الرئيس الحالي. هذا يتضمن نسفًا لمقررات جنيف وللقرارات الدولية، ولكنه كذلك تجاهل للمصلحة الأميركية والأوروبية، التي تؤكد ضرورة ذلك التغيير وتحجيم إيران، حينئذ فقط، يمكن البدء بدعم الاستقرار.

الأوراق الأميركية ليست قليلة، وتجديد الاتفاقات الناظمة لعدم التصادم العسكري، بين سورية وأميركا في فيتنام مؤخرًا، يؤكد أن سوتشي والرياض ليسا هم الأساس، وأن جنيف ما زال على طاولة البحث، ولكن أميركا لا تستعجل الحصاد، وتريد توريط روسيا باتفاقات لن تتحول لوقائع حقيقية، بل ربما ستتفجر الأوضاع هنا وهناك، وذلك بسبب الغباء الروسي وتجاهل مطالب الأميركيين، ومطالب السوريين أنفسهم في تغيير كامل في السلطة، وهذا ما لا يتحقق وفق الرؤية الروسية.

الاستخفاف الإقليمي والروسي بالسوريين، تبدى بشكل واضح، عبر آليات عقد الرياض مؤخرًا، وسوتشي لاحقًا؛ حيث تمّ الأمر، ويتمّ، عبر الخارجية السعودية أو الروسية. تعليق وزير الخارجية الروسية على استقالة مجموعة أساسية من هيئة التفاوض، بأنهم تخلصوا من المتشدّدين، يوضح بشكلٍ جليٍّ أنّ للسوريين دورًا في تحديد مآلات بلدهم. هذا الدور غير ممكن، في ظل الالتحاق الواسع للمعارضة وللفصائل بالدول الإقليمية والدولية. تجربة الرياض، وقبلها أستانا، ولاحقًا سوتشي، ستوضح أكثر فأكثر أن هناك دورًا وطنيًا سوريًا لم يُستثمر بعد، ولا بد من العودة إليه.

الرؤية الروسية لن تنجح للأسباب التي ذكرت، وهناك رؤية أميركية، لا يلحظها اجتماع سوتشي المتعلق باجتماع الرؤساء، وهي المرتبطة بمحاصرة إيران، عبر التحالف مع السعودية و(إسرائيل)، والصراع على سورية؛ أي عبر تحجيم إيران فيها.

بكل الأحوال، لنفترض أن سوتشي الخاص بلقاء المعارضة والنظام حقّق بداية الانتقال السياسي، فهل سيتحقق ذلك فعلًا؟ هل ستنفتح المدن السورية نحو العاصمة، وكيف ستُحل الفصائل، وكيف سيتم التعامل مع “قوات سورية الديمقراطية”، وكيف ستتم المحاكمات للوالغين في الدماء السورية؛ هذه التعقيدات تمنع انتقالًا سلسًا، ويتطلب ذلك توافقًا مع دول المنطقة وأميركا وأوروبا بالتأكيد.

ما سردته من وقائع، يؤكد أن لا حلّ قريبًا للوضع السوري، ولكن سيكون هناك خطوات تجريبية كثيرة، هنا وهناك، وستأخذ بالحسبان خروج القوات الأجنبية من سورية، وإبعاد قيادات رئيسية في السلطة السورية، وإعادة بناء الجيش، ليشمل أفرادًا كثر في الفصائل والضباط المنشقين، وإجراء محاكمات، كما ذكرت.

إن أي محاولات للبدء بحل سياسي في سورية، ربما ستعيد الروح إلى السوريين مجددًا، وهذا ما يجب أن يفهمه الروس جيدًا، ولهذا لا يمكن الركون إلى سلطةٍ مستبدةٍ مجدّدًا، ولا إلى احتلال كامل لسورية، ولا إلى تحالف احتلالات؛ وبالتالي ما زالت حقوق السوريين خارج الحساب، وهي ما سيفجر أيّ أوضاع يُراد استقرارها. ولهذا لا أظن أنّ الحل الروسي حلٌ حقيقيٌ، ويظل الحل مرتبطًا بما يحقق مقدارًا جيدًا لصالح السوريين، كما طالبت أهداف الثورة في بداياتها.

عمار ديوب
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون