إسقاط مبدأ “إسقاط النظام” من رابطة الصحفيين إلى مؤتمر الرياض 2



بلا مقدمات:

كلما كتب أحدنا عن قضيةٍ عامة؛ وجد طابورًا يحوّلها إلى مهاتراتٍ شخصية، على طريقة مخابرات الطاغية في تمييع القضايا العامة وشخصنتها والالتفاف إلى جوهرها الحقيقي، بل إن بعضهم يبدأ بالتشبيح على صاحب الرأي، بالطريقة الأسدية ذاتها؛ ولكن.. مع نكهةٍ وتوابل ثورجية!

حين كتبت هنا في (جيرون)، عن رابطة الكتاب السوريين، سألني أكثر من شخص: ماذا بينك وبين زميلنا الشاعر نوري الجراح! وكنتُ أضحك في كل مرّة، لأني التقيته مرةً واحدةً فقط، وربما لا يتذكرني الآن، لكثرة مشاغله وشواغله، في إعادة مأسسة رابطة الكتاب من جديد! لكن أحدًا من هؤلاء لم يجبني حتى الآن، عن سؤالي الأهم: ما عدد الكتّاب، في رابطة الكتاب!

ستبدو المشكلة مستعصيةً أكثر، حين يصير ثلث السوريين المعارضين للطاغية صحافيين وإعلاميين! ويصير ثلثهم رؤساء تحريرٍ، يعيّنون أنفسهم بأنفسهم، بفرمانٍ ذاتي، لمجرد حصول أحدهم على تمويل! وكما تجاهل “قانون الإعلام والمطبوعات” الأسدي مسألة التراتبية المهنية: محرر (رئيس قسم- أمين تحرير- مدير تحرير- رئيس تحرير)؛ تجاهل “ميثاق الشرف الإعلامي” هذا الأمر المتعارف عليه عالميًا، والذي يقتضي خبرةً لا تقل عن 5 سنواتٍ لأمين التحرير، و10 سنواتٍ لمدير التحرير، و15 عامًا لرئيس التحرير. اختلط الحابل والنابل في الإعلام الأسدي، كما في الإعلام “البديل” إعلام الثورة بعد 2011.

لم أكن عضوًا في اتحاد صحفيي النظام، ولست عضوًا في رابطة الصحفيين “الأحرار”، ولا في سواها، وليس لي ثأرٌ شخصي مع أي من أعضائها؛ ولهذا وجب التنويه!

فتش عن التمويل!

تلك مشكلة كل مؤسسات المعارضة، بدءًا من الائتلاف وحكومته المؤقتة، وليس انتهاءً برابطة الصحفيين وحدها. فنادرًا جدًا ما نجد ممولًا غربيًا أو عربيًا أو حتى سوريًا.. لا يفرض أجندته على المتمولين؛ ولو بشكلٍ وديٍ وناعمٍ جدًا، كالحرير!

كانت رابطة الصحفيين قد بدأت تتشكل أواخر عام 2011 بمبادرةٍ من زملاءٍ وقفوا ضد النظام، لتشكيل منبرٍ نقابي تطوعيٍ لهم.. حتى بلا تمويل، ثم اقترح أحدهم أن يجلب تمويلًا من الاتحاد الأوروبي، ومن مؤسسات فرنسية أو بريطانية أو أميركية؛ ثم نجح في جلب 3 ملايين يورو على الأقل، لحوالي 30 مؤسسة إعلامية: إذاعات ومجلات وجرائد…الخ؛ كان بعضها قد انطلق بإمكاناتٍ متواضعة؛ بينما كان أغلبها ملفات مشاريع قيد التأسيس، ولكن، بشرط تحييدها عن ميثاقها الداخلي، من كونها إعلامًا بديلًا معارضًا للنظام الاستبدادي، وهكذا، تم استبدال كل العبارات الثورية “الطنانة”، في بيانات تأسيسها الأولى؛ فكان البديل المخملي اللطيف العابر للقارات الذي يصلح لمجلةٍ في جزيرة “هاواي” أو “الواق الواق”، كما يصلح لسواها في السويد. بلغته المعولمة: “ميثاق الشرف الإعلامي” الذي صوتت عليه 33 مؤسسة تقريبًا من أجل العيون الزرقاء للتمويل المعولم.”1″

بفضل ذاك “الشرف الإعلامي” الذي هو مجرد قواعد مهنية فقط منزهةٍ عن الموقف السياسي؛ تم طي عبارة “إسقاط النظام” من ميثاق كثيرين، بينهم: رابطة الصحفيين السوريين. وقد حصلت وقتها (2015) تجاذباتٌ في الرابطة ذاتها؛ فأصدر بعض أعضائها المؤسسين بيانًا، كان جوهره هذا المقطع:

“نحن -الموقعين على هذا البيان- نعلن براءتنا المطلقة، وعدم صلتنا بأي تعديلٍ يمس الثوابت الثورية السورية التي قامت على أساسها رابطة الصحفيين السوريين، مع تأكيدنا على ضرورة الانضمام إلى المحافل والمنظمات الدولية والانضواء ضمنها، ولكن نحرص أن يتم ذلك على أرضيةٍ لا تقترب من ثوابتنا الوطنية الثورية التي قضى في سبيلها شهداء ومعتقلون منا نحن الصحفيين. وبناء على هذه الرؤية، فقد تقدمنا نحن -المعارضين للتعديلات- بمشروع حل يلبي الشروط الفنية للاتحاد الدولي للصحفيين؛ ويبقي مبادئ الثورة وأساسها من دون شطب، ولم تأخذ به الهيئة الإدارية للرابطة”.”2″

نجح البيان لفترةٍ في فرملة اندفاع الرابطة إلى حضن التمويل المعولم، وبخاصةٍ حين تعاطف معه كثيرون؛ ورفعت لافتة شهيرةٌ في كفر نبل تضامنًا وتأكيدًا على ثوابت الثورة، بل تم السؤال عن مصير ملايين اليوروهات؛ وعن طريقة توزيعها عبر لجنة الشفافية؛ وقد ذهب جزءٌ منها لتأسيس إذاعة (روزنه)، ثم عين جالبُ التمويل نفسَه مديرًا عامًا لها؛ ثم أقصوه؛ فتشكى في أثناء جلسة لجنة الشفافية، بأنهم في “روزنة” قد “قرطوا عليه” عشرة آلاف يورو من استحقاقاته! لاحظوا كلمة “قرطوا” التي ما تزال تقال، منذ “سوق حرامية” النظام؛ إلى أسواق تعفيش شبيحته؛ إلى بازارات مؤسساتنا “البديلة”!

بعد الجلسات الشفافة للرابطة؛ خرج أعضاءٌ مؤسسون من الرابطة، وعاد إليها آخرون، بعد أن صار “تحالف التمويل” هو الأقوى فيها، حتى استقر ذاك التحالف، فترأس الرابطة وحاز أعضاؤه مكاتبها الفرعية “بالتصويت الديمقراطي”؛ وبتصويت تحالف التمويل والمصالح، تم اعتماد “ميثاق الشرف الإعلامي” أملًا بالتمويل المستدام والمستديم! ثم تضاربت التمايزات القومية والمناطقية في رابطة الصحفيين -أيضًا- ما أسفر عن انشقاق الزملاء الأكراد بقيادة: المام مسعود عكو!؛ كما فعلوا بقيادة: المام عبد الحليم يوسف، حين انشقوا –كذلك- عن رابطة الكتاب السوريين؛ تمهيدًا لمأسسة فيدرالية: المام الإمام صالح مسلم!

يختصر هذا العرض الزمني لمسيرة رابطة الصحفيين، المسافة ما بين بيان المعترضين على إزالة عبارة “إسقاط النظام” عام 2015، وقبول الرابطة في الاتحاد الدولي للصحفيين 2017، وهي المسافة الزمنية ذاتها التي نجح فيها “أصدقاء سورية” بتطويع أغلب مؤسسات الثورة، وصولًا بها إلى أولمبياد جنيف التفاوضي، وإلى أستانا والرياض 2.

كواليس الانتساب للاتحاد الدولي

بعد مفاوضاتٍ ماراتونية منذ 2016، وبالتدريج المريح، قبِل الاتحاد الدولي للصحفيين طلب ترشيح رابطة الصحفيين السوريون إليه؛ طالما أنهم أزاحوا موقفهم السياسي من النظام الأسدي جانبًا، واستبدلوه بميثاق “شرفٍ” عمومي، مجردٍ، مكتوبٍ بلغة عولمة الإعلام في العالم كله؛ تحت غطاء الحيادية والمهنية و.. الخ.

بالتوازي، كان اتحاد صحفيي النظام يقدم أوراق اعتماده أيضًا للاتحاد الدولي ذاته؛ يدعمه اتحاد الصحفيين العرب، بعد أن وقف مندوبو روسيا وإيران وفلسطين وتونس والعراق.. الخ؛ ضد دخول رابطة الصحفيين. وبنتيجة ماراتون التنازلات “الشكلية” -كما قيل في التبريرات- تم قبول اتحاد صحفيي النظام، كعضو أساسي كامل الصلاحيات، وقبول رابطة الصحفيين كعضوٍ مشاركٍ فقط، يحضر الاجتماعات، لكن لا يحق له التصويت على أي قرار، وهذا أقرب إلى مصطلح “العضو المراقب”، في الجمعية العامة للأمم المتحدة!

المفارقة التراجيكوميدية أن صحفيي النظام اعتبروا ذلك نصرًا تاريخيًا لهم، كما تناقلته وكالة (سانا) الأسدية.”3″، كما اعتبرت الرابطة ذلك نصرًا تاريخيًا مزدوجًا من حيث أنها.. لم تترك لاتحاد النظام فرصة أن يكون ممثلًا وحيدًا للصحفيين السوريين، وهكذا كتب كثيرٌ من المهنئين لم يكن آخرهم رئيس المكتب الإعلامي في الائتلاف؛ ثم صدر عن رئيس الرابطة بيانٌ توضيحي.”4”

كان أغلب المهنئين يحسبون أن الرابطة قد نالت العضوية كاملةً؛ بسبب الخبر الذي عممته الرابطة ذاتها تحت عنوان: قبول عضوية رابطة الصحفيين في الفيدرالية الدولية للصحفيين، وفي متن الخبر: “صوت المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) وبالإجماع، مساء اليوم، على قبول رابطة الصحفيين السوريين عضوًا مشاركًا في الاتحاد، لتنال بذلك اعترافًا دوليًا قانونيًا”. فاعتقد الجميع أنها عضوية كاملة؛ حتى اضطر رئيس الرابطة، بعد نقاشاتٍ عبر (فيسبوك)، إلى شرح هذا الفارق البسيط في بيانه التوضيحي.”5″، حتى كدت أقول: لكثرة هزائمنا في الملاعب الدولية؛ صرنا نعدّ قبولنا، على مقاعد الاحتياط، نصرًا سياسيًا أو إعلاميًا أو سواهما.

براغماتية على الطريقة السورية:

سيقول لي أحدهم: أنت تحمّل الأمر فوق طاقتنا؛ نحن صحفيون مهنيون.. ما علاقتنا بجنيف وسواها! ويقول آخرٌ: ثمة مكتسبات من هذا الانضمام: بطاقة عضوية دولية لكل عضوٍ في الرابطة؛ حسم 50 بالمئة لتذاكر السفر ولسواها من الخدمات؛ والأهم: إعانات مالية للرابطة؛ لأن الإعانة المالية لمؤسسة CFI الفرنسية كادت تكفي لنفقات مؤتمر الرابطة الأول؛ ولأن مؤسسةً أوروبية ثانية تدفع أجور المقر في عنتاب وراتب مدير مكتبنا هناك، نحن على الحديدة، تفهَّم هذا الأمر!

وسيقول ثالثٌ: كأنك تلمح إلى خيانتنا لثوابت الثورة؛ ونحن مناضلون فيها، اعتقل وتهجر بعضنا، وتعرض بعضنا الآخر لضغوطٍ كثيرة، ولم تدعمنا مؤسسات المعارضة سوى بالكلمات، وأنت أدرى بحال الصحفيين في تغريبتهم؛ فلماذا تريد تحميلنا ما لا طاقة لنا به! وقال رابعٌ لي بالواضح الصريح: بلى.. نحن براغماتيون، اختبأنا وراء ميثاق الشرف الإعلامي، لنحصل على نصف اعترافٍ دولي؛ فلا تحمل السلّم بالعرض.. وتزاود على ربنا! وسألني خامسٌ، على صفحة زميلٍ لنا كان من مؤسسي الرابطة: ماذا تشتغل أنت؟ فأجبته: “بياع بقدونس”؛ فرد عابسًا منفعلًا: إذًا.. جرب ألا تخضع لشروط فيدرالية بائعي البقدونس الدوليين!

ومع ذلك.. ضحكت طويلًا؛ لأني لا أقصد رابطة الصحفيين السوريين “الأحرار” بذاتها؛ وإنما مسيرة معارضة ومؤسسات “بديلة”، عمرها ست سنوات.. ولم تتحرر بعد من الوصاية الإقليمية والدولية عليها؛ ولم تجتهد لتستقل ماليًا –حتى بالمعنى التطوعي- ليستقل قرارها، ولتتخلص من تبعيتها لغير السوريين.

*- هوامش المقال:

1-  رابط ميثاق الشرف الإعلامي:  http://almethaq-sy.org/

-2 رابط البيان:  http://www.all4syria.info/Archive/195423

-3 خبر وكالة سانا http://www.sana.sy/?p=662159

4- توضيح رئيس رابطة الصحفيين:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1925128817803308&id=100009186264585&pnref=story.unseen-section

5 – *- رابط الخبر من موقع الرابطة:

https://www.syja.org/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81/32/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D8%A9


نجم الدين سمان


المصدر
جيرون