رسالة اعتذار!



اعتذر الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني من صاحب منزل في منطقة البوكمال لأنّه أقام فيه خلال «إشرافه» على المعركة ضد «داعش» في المدينة الحدودية مع العراق..
والسبك في الرسالة يدلّ إلى أنّ صاحبها يعرف مبدئياً أصول «السيادة» حتى لو كانت على مستوى فردي! ويعرف أنّه «دخل» الى بيت لا يملكه! ولم «يستأذن» صاحبه قبل «الدخول»! وإن ذلك في طبائع الدنيا وشؤون العلاقات بين البشر أمرٌ غير سويّ ويستحق رسالة اعتذار واضحة! مثلما يستحق إبداء «كل استعداد» لمراضاة صاحب الدار والتعويض عليه إذا شاء!
وأي رسالة؟!
كأنّ الجنرال سليماني، من حيث لم يُرِد أو يشأ، أصاب سياسة بلاده بسهم أطلقه هو بنفسه! وكشف مدى غربة تلك السياسة عن السويّة الطبيعية والأصول المتعارَف عليها في العلاقات مع الآخر. أكان هذا الآخر شخصاً «مهيض الجناح»! أو وطناً مُبتلى بمصائب الفرقة! أو دولة تامّة ومكتملة المواصفات والشروط والسيادة والحدود، سواء بسواء!
والمفارقة أن تخرج الرسالة من «قائد» الحملة التي تشنّها بلاده خارج حدودها، وليس من غيره! وأن تضيء في مضمونها على مجمل البنى الفكرية والأخلاقية (والسياسية!) التي تحرّكها!.. وهي الحملة التي لم «تستأذن» أحداً من أصحاب الشأن والأرض في الدول التي استهدفتها! ولم تأخذ في الاعتبار حقيقة اعتدائها المباشر على سيادتهم وأملاكهم! ولم تتوقف كثيراً أو قليلاً، عند قبولهم أو رفضهم السماح (للإيرانيين) بالتبشير بينهم! أو استخدامهم لأهداف وغايات دخيلة عليهم! ولا تمتّ الى مصالحهم بصِلَة! بل على حسابهم وحساب مصالحهم وبوضوح جليّ ومن دون توريات والتباسات يُعتدّ بها حتى وإن كانت هذه تمتد من ادعاء «محاربة الإرهاب» الى «المقاومة» وضروبها وأصنافها.. إلى غير ذلك من شعارات وبنى وهياكل لم تطمس في جملتها الجذر المذهبي والقومي لها!
تعتذر الرسالة من صاحب البيت في البوكمال على استخدامه من دون إذنه، وتطلب المسامحة منه ثم تعرض تعويض الضرر! وهذه في القياس العام تصلح للاستخدام! ويمكن الركون إليها في أي محكمة معنية بفضّ النزاع العربي – الإيراني! أو أي نقاش مفتوح على إرادة الوصول إلى «تسوية» شاملة! أو حتى في أي مراجعة ذاتية إيرانية لكل المنحى الكارثي المعتمد من «أصحاب الشأن والولاية» في طهران!
وأساس ذلك، أنّ إيران استخدمت سوريا على الضدّ من إرادة غالبية أهلها. وكذا الحال مع لبنان والعراق واليمن والبحرين وليس العكس. أي (تكراراً) لم يذهب أحد من أهل تلك الدول أو من العرب في الإجمال، إلى إيران بحثاً عن أي شيء! ولا سعياً وراء أي مكسب أو مغنم. ولا تطلّعاً إلى نفوذ أو تبشير أو منصّات ريادة! وعليه يمكن صاحب الشأن المركزي في طهران أن «يستعير» رسالة رمزه القتالي الأبرز، و«ينسخها» ويعمل بموجبها على مستوى «الأمّة» عموماً! وعلى مستوى الدول المنكوبة خصوصاً! وأن «يعتذر» منها لأنّه «استخدمها» من دون إذنها! وأن يعرض التعويض عليها جرّاء الأضرار والكوارث والبلايا السوداء التي أصابتها بسبب «دخول» مشروعه عليها! ثم بعد ذلك طلب المسامحة تأسّياً بقول الجنرال سليماني نفسه لصاحب الدار في البوكمال إنّه «لا يوجد أي خلاف» بينه «كشيعي» وبين صاحب المنزل كونه «من أهل السنّة» لأنّ الإثنين «من أتباع النبيّ الأعظم ومحبّي أهل البيت»!
.. هل هذه مجرّد رسالة «شخصية»؟!
(*) كاتب لبناني


المستقبل


المصدر
جيرون