مؤتمر “رياض 2” وقائع ونتائج



كانت الأسئلة تتقاطر مختلفة التفسير، عن الهدف من عقد مؤتمر (الرياض 2). هل هو -مثلًا- قطع للطريق على “مؤتمر سوتشي” القادم؟ أم تمهيد له واستكمال له؟ أم تكريس لما يعرف بالمتغيّرات الخاصة بالموقف من الأسد ونظامه؟ وهل نحن أمام مرحلة جديدة أم هي تكرار للسابق؟

كان هناك إصرار على أن مؤتمر (الرياض 2) هو موسّع عن (الرياض 1)، والتوسع حصل فعلًا من جانبين: دعوة منصتي القاهرة وموسكو بصفتهما، وزيادة عدد المستقلين الذين يصعب تحديد خلفية ما يمثلون، أو طريقة اختيارهم، بما يوصل العدد إلى قرابة 150 مدعوًا.

جلّ الاعتذارات، أو الاستقالات جاءت ممن كانوا ممثلين للائتلاف في الهيئة العليا السابقة، لكن الحقيقة أن ليس بينهم سوى اثنين من المدعوين للمؤتمر: رياض حجاب الذي دعي بصفته، وجورج صبرا الذي انتخب من الهيئة السياسية للائتلاف ضمن قائمتها، بينما لم يدعَ آخرون، وكان ذلك يبعث على التساؤل: هل السبب يكمن في أنهم جزء من مكونات هي التي تُقرر، كسهير أتاسي، وسالم المسلط، وخالد خجا، ومحمد فاروق طيفور، وبعض المستقلين؟

هناك من أراد أن يرمي بحجرٍ، كسبب للاستقالة، أو لعدم الدعوة، والحقيقة التي أعرفها أن الاستقالة المقدّمة ممن لم يُدع لا معنى لها؛ لأن الهيئة العليا بحكم المستقيلة بمجرد انعقاد المؤتمر، وثانيهما أن ممثلي الائتلاف السابقين يتبعون في مرجعيتهم له، وهو الذي يسمّي مندوبيه، ومعظم هؤلاء لهم مواقفهم الوطنية المعروفة، ولا علاقة لهم بالخلاف السعودي-القطري.

يصعب معرفة مرجعية عديد المستقلين، وعلى أي أسس تمّت دعوتهم، ففيهم من المجالس المحلية، ورجال الأعمال، وهيئات المجتمع المدني والأهلي، وشخصيات قليلة اعتبارية، أو تعود إلى ما يعرف بالمكوّنات القومية والدينية والمذهبية والعشائرية، وزيادة عدد النساء المدعوات، استجابة لمطالب المجتمع الدولي بألا يقلّ التمثيل عن 30 بالمئة.

نلاحظ دومًا أن تشكيك السوريين، بماهية الحضور والأشخاص، وصدقية تمثيلهم وفاعليتهم، حالة دائمة تتواتر كالموج، قبيل وأثناء وبعيد مثل هذه المؤتمرات، لكن يلاحظ على هؤلاء المستقلين أن أغلبيتهم تطرح سقوفًا عالية، وترفض التنازل عن الثوابت، وهناك من يطالب بالأكثر. هذا الأمر كان يطرح سؤالًا عن حقيقة الموقف السعودي، وما يقال عن ممارسة ضغوط للنزول بالسقف، والقبول ببشار الأسد ونظامه، بما ينفيه تمامًا، وهو ما حصل فعلًا؛ حيث أصرّت الأغلبية الساحقة على تأكيد الثوابت، وإعلانها صريحة في البيان الختامي.

الجديد في المؤتمر مشاركة منصتي القاهرة وموسكو. سأترك جانبًا وقاصدًا حقيقة وحجم التمثيل في المنصتين، وهل هناك قوى فعلية خلف هؤلاء، كتنظيمات سياسية أو مدنية، أم أن الأمر لا يتعدى وجود بعض الأسماء، والبعض المدعوم من القرار 2254 الذي ذكر المنصتين بضغط روسي، كما هو معروف، ووقوف كل من مصر وروسيا إلى جانب هؤلاء، وفرض مشاركتهما تحت عنوان: توسيع، أو شمولية قاعدة تمثيل وفد المعارضة، وتوحيده، وسيرورة التلاعب بقصة التمثيل والتوحيد، ومراميها التي تصبّ مباشرة في حذف الشروط التي تضعها قوى المعارضة للعملية الانتقالية، والخاصة بدور ومصير رأس النظام وكبار رموزه، وإعلان ذلك صراحة، وليس عبر كلمات ملتبسة.

في النقاشات الرسمية والجانبية الكثيرة التي جرت مع هيئة التنسيق، وعدد من منصة القاهرة الذين هم في الأصل أصدقاء، وبعضهم كان في الائتلاف حتى البارحة، ويعلن التزامه بما يعرف بالثوابت والمحددات. كان الاتفاق كاملًا حول الموقف من النظام وضرورة إزالته نظامًا ورموزًا وآثارًا، وحول البديل المدني الديمقراطي التعددي، لكن التباين تركّز حول فهم المتغيّرات وما تمليه.

هؤلاء يرون أن المجتمع الدولي، بكافة أركانه، والمحسوب على أنه من أصدقاء الشعب السوري، والدول الشقيقة والصديقة، بدّلت مواقفها من موقع الأسد ومصيره، ومن نظامه، وأن علينا أخذ هذه التطورات بالحسبان، وعدم ذكر أي شيء عن مصير الأسد، وموقفنا المعلن، والبعض طرح صيغًا بديلة كـ “منظومة الحكم كلها”، أو “أركان الحكم ورموزه”.. وتعابير مشابهة، وكان الائتلاف، ومعه النسبة الأكبر من الحضور، يصرّ على إعلان موقف واضح من دور الأسد وكبار رموز النظام، مع بدء المرحلة الانتقالية.

كان الائتلاف قد تقدّم بمشروع البيان الختامي الذي ناقشته اللجنة التحضيرية التي شُكّلت من جميع المكوّنات المدعوة، وفيه تأكيد واضح على مغادرة الأسد الحكم، مع بدء المرحلة الانتقالية، وهي الفقرة التي استهلكت المزيد من النقاشات ومحاولات التغيير، ثم جرى تمرير البيان وقبول الأغلبية الساحقة بما ورد فيه، والذي يُحدد مجموعة من الفقرات للحل السياسي، والمفاوضات المباشرة دون شروط، وشكل الدولة المنشودة وطبيعتها التعددية، ومجموعة من النقاط الجوهرية، ولم يعترض أحد على البيان، واعتبر ذلك إنجازًا كبيرًا.

لكن الإشكالية التي برزت كانت حول الحصص، وعدد ممثلي كل جهة، إذ تصرّ النساء على ألا تقل نسبة التمثيل عن 30 بالمئة والحضور أقل، ومن جهة ثانية، الانتخابات التي جرت بين المستقلين أفرزت نجاح ثلاث نساء فقط، وسط غضب واحتجاج بعض السيدات عليها، ولم ترض بعض الغاضبين الذين يعتقدون أن وجودهم ضروريًا؛ الأمر الذي استدعى تدخل الجهة المضيفة لإضافة عدد من النساء والمستقلين بما فجّر الوضع، وأدى إلى احتجاجات وانسحابات، لم يتم علاجها إلا بجوائز ترضية لمنصتي القاهرة وموسكو، ورفع عدد ما كان يعرف بالهيئة العليا إلى 51، ثم استحداث أمانة عامة، واختيار هيئة عليا منها بعدد 36، واختيار نصر الحريري منسقًا عامًا، وجمال سليمان نائبًا، وممثلين عن بقية المكوّنات.

الظاهرة السورية العجائبية بالتزاحم والنهم، تتجاوز حصة المكوّنات إلى الأفراد أنفسهم، حيث يرى الكثير، وهم أغلبية الحاضرين، أنهم الأجدر والأقدر، فيحدث هذا اللغط، وترتسم صورة بائسة عن المعارضة، فضلًا عن التصنيفات والأحكام والتهم.

المهم الآن التوجه نحو العمل، واقتحام التحديات بروحية جماعية، كفريق موحد، والعمل على تفويت المشروع الروسي الذي يريد فرضَ بنوده، إن كان عبر مؤتمر سوتشي القادم، أو من خلال برنامج عمل الجولة القادمة للمفاوضات، أو بمحاولة تجنيد بعض المحسوبين على روسيا، لخلخلة وحدة عمل الوفد التفاوضي.

وأعتقد، عبر معرفة أغلبية الوفد، أنهم بقدرة النجاح في التمسك بالأساسيات، ورصّ الصفّ، وقيادة العملية التفاوضية بنجاح، والتأكيد على وجوب الدخول في المفاوضات مقدمة للشروع في المرحلة الانتقالية.


عقاب يحيى


المصدر
جيرون