هل يمكن إبعاد روسيا عن إيران والأسد؟



انتهى الاجتماع الثلاثي الروسي- التركي- الإيراني في مدينة سوتشي بالتأكيد على دخول النزاع السوري مرحلة الحل السياسي. وجاء اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بشار الأسد، قبل يوم واحد على اللقاء الثلاثي، ليؤكد على أهمية ذلك اللقاء وطبيعته الحاسمة.
على أنه كان الأقرب للواقع لو اجتمع فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصورة منفردة، في مقابل ضم الأسد للقائه مع روحاني. فالحقيقة أن ما يحدث هو مسار إيراني- روسي- سوري، وما مشاركة تركيا إلا بسبب هزيمة مشروعها من جهة، ورعبها من المشروع الكردي في شمال سوريا، فضلاً عن دور هام تلعبه يتمثل في الضغط على المعارضة السورية لقبول الحل الروسي- الإيراني- السوري من جهة أخرى.
اضطرت المعارضة السورية للتعويل على روسيا في التوصل إلى حل سياسي للصراع السوري وذلك بعد الهزيمة العسكرية التي منيت بها على يد روسيا نفسها في سوريا. وارتكز ذاك التعويل على فرضية وجود خلافات كبيرة بين موسكو وطهران والأسد، أو على إمكانية تفكيك ذلك التحالف وخلق الشقاق بين عناصره وإبعاد روسيا عنه.
بالتأكيد، هنالك تفارق في مصالح إيران وروسيا على المدى البعيد. كما أن هنالك تباينا بين رغبة الأسد في استعادة سوريا كما كـانت عليه قبل العـام 2011، ورغبة روسيا في الحد من تكاليف الحرب ومخاطرها وإنهائها بأسرع وقت. غير أنه، وعلى المدى القصير، هنالك ترابط وثيق بين الأطراف الثلاثة، بل واعتماد متبادل يحقق التوازن والاستقرار على المستويين الدولي والمحلي.
على المستوى الدولي تتولى روسيا مهمة تعطيل جميع الضغوط الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والتي يمكن أن تتحول في يوم ما إلى فعل، سواء بتصعيد دبلوماسي وعقوبات إضافية على النظام السوري أو بعمل عسكري. استخدمت روسيا حق النقض الفيتو عشر مرات لتمارس هذا الدور المناط بها باتفاق مع النظام وإيران. هكذا تمتعت روسيا منذ بداية الثورة السورية بثقل في المعادلة السورية.
دافعت موسكو عن نظام الأسد كما تدافع أي دولة عظمى عن نظام حليف لها ضمن أعراف العلاقات الدولية. هنالك علاقات تاريخية مع النظام السوري ذوت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وبعد استلام بشار الأسد لسدة الحكم، ولكنها ظلت حاضرة بقوة. وبالإضافة إلى الدفاع التقليدي عن نظام حليف، وجدت روسيا الفرصة مناسبة للهجـوم على النظام العـالمي الخاضع للهيمنة الأميركية، وتطلّب ذلك اتخاذ موقف صلب في سوريا وعدم السماح بانهيار النظام.
على المستوى المحلي، يتحمل نظام الأسد وإيران عبء العمليات الحربية والخسائر البشرية، ولكنهما كانا على وشك الهزيمة في منتصف العام 2015 عندما تدخلت روسيا لإنقاذهما. بعد تدخلها العسكري، ارتفع ثقل موسكو السياسي بصورة كبيرة في الملف السوري حيث صارت الضامن لاستمرار النظام السوري دوليا ومحليا. وانعكس ذلك على وزنها في مفاوضات الحل السياسي دولياً وإقليميا حيث صارت اللاعب الأبرز الذي يرسم مستقبل المفاوضات السياسية. ولكنها مع ذلك ظلت محكومة بسقف وضعه النظام وإيران سويا، ويشترط عدم رحيل بشار الأسد وعدم حدوث تغيير جذري في النظام السوري.
رغم كل ثقلها العسكري وأهميتها الاستراتيجية للنظام السوري ولإيران، لم تتمكن موسكو من فرض رؤية منفردة في سوريا حتى اليوم ولا يتوقع أن تتمكن في أي وقت قريب. عزز التدخل الأميركي في الشمال السوري من الترابط بين روسيا وإيران والنظام السوري، وخصوصا في ضوء تصريحات مسؤولين أميركيين مؤخرا بأن القواعد العسكرية في شمال سوريا سوف تستمر لفترة طويلة حتى بعد القضاء على تنظيم داعش. بل دفع هذا التواجد الأميركي ودعم الأكراد تركيا إلى دعم تحالف روسيا- إيران- الأسد، الذي أصبح أكثر استقرارا ما مكنه من افتتاح مسار سياسي بديل عن مسار جنيف تمثل في مفاوضات أستانة. وتمثل دور تركيا في تلك المفاوضات بإجبار الفصائل العسكرية على الحضور وقبول المقررات المنبثقة عن المحادثات.
يدرك الأسد أن روسيا يمكن أن تتخلى عنه من الناحية النظرية، ولذلك اعتبر علاقاته مع إيران استراتيجية، بل وجودية، وقام بتوسيع نفوذها في سوريا. إيران بدورها تدرك أن لروسيا طموحات عالمية لا تقتصر على سوريا، كما أن لها علاقات وطيدة مع إسرائيل، وأنها في لحظة ما قد تكون قابلة للتجاوب مع ضغوط عالمية لإنهاء وجود طهران في سوريا.
دفع ذلك إيران إلى تكريس تغلغلها بالنظام السوري وإنشاء ميليشيات رديفة بحيث لم يعد التحالف معها والاعتماد عليها خيار النظام وإنما ضرورة. وقد وردت تصريحات على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني طالب فيها النظام السوري بالاعتراف قانونياً بشرعية قوات الدفاع الوطني، بصورة تشبه الوضع القانوني الذي تحظى به ميليشيات الحشد الشعبي في العراق.
حتى اليوم، يشير ما هو متاح من معلومات إلى أن سقف التنازلات لتحالف بوتين- الأسد- روحاني هو “مؤتمر حوار وطني” يتم فيه الاتفاق على دستور جديد وتوسيع طفيف وشكلي للنظام السياسي وانتخابات مبكرة يشارك فيها الأسد دون تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية. ضمن هذه الظروف، يتوقع أن يفوز الأسد بالانتخابات ويحظى حينها بشرعية دولية.

(*) كاتب فلسطيني سوري


العرب


المصدر
جيرون