كواليس الرياض 2 والتراجيديا السورية
26 نوفمبر، 2017
“لو كنا نعتبر أن رحيل الأسد شرطٌ مسبقٌ؛ لما ذهبنا للتفاوض”. هذا ما قاله حرفيًا الدكتور نصر الحريري، في رد غير مباشر على علاء عرفات، مندوب منصة موسكو، في المؤتمر الصحفي الأخير في الرياض، ليل يوم 25 نوفمبر.
مؤتمر (الرياض 2) جاء على شكل مؤامرة، تمّ من خلالها إقصاء مباشر لشخصيات وطنية، أثبتت جدارتها من خلال التمسك بثوابت الثورة، طوال عامين، وأتى هذا الإقصاء عصيًا على التبرير، فلم يكن مفهومًا -لدى أطياف واسعة من الشعب السوري- هذا التصرف، كما لم يكن معروفًا على وجه الدقة من يقف خلفه، وعلى الأرجح، هم نتاج تكاتف عدة جهات، رأت أن هذا الطاقم لن يقبل بتقديم التنازلات، في حين أن الحل الذي يتداوله الكبار يتطلب المزيد من التنازلات من طرف المعارضة، لصالح الأسد وبقائه.
تقف إيران على رأس الدول التي تريد بقاء الأسد، تسايرها في ذلك روسيا التي لا تريد إغضاب حليفها الاستراتيجي الذي يمتلك القوة الضاربة على الأرض، وبعدها تأتي (إسرائيل) التي ترغب في بقاء الأسد، شرط ابتعاد القوات الإيرانية عن حدودها، وعدم السماح لسورية، ولا للقوات الإيرانية في سورية، أن تمتلك سلاحًا يطال أرض فلسطين.
المؤتمر الخديعة
تم عقد المؤتمر تحت شعار “التوسعة والتوحيد” أي توسعة الهيئة العليا، وتوحيد المنصات المعارضة، فماذا الذي حصل:
حتى تتم توسعة الهيئة بشكل قانوني كان يجب أن يوافق المؤتمر العام على قرار التوسعة، ثم يوافق على الصيغة النهائية للتوسعة، وهذا لم يحصل، ولم يستشر أحدٌ المؤتمرَ العام، بما حصل، وبالتالي؛ عقدُ (الرياض 2) ساقطٌ من الناحية القانونية، أما بشأن التوسعة، فهذا يعني إضافة للموجودين وليس إقصاءً لهم، ولا سيّما أنهم هم من طلب التوسعة، فكيف يتسق فعل الإقصاء مع فعل التوسعة؟ ومن الفاعل؟
بغض النظر عن الأسماء، يحق للسوريين فهم الآلية التي تمت بها هذه التوسعة، وهذا الإقصاء، احترامًا لنضال هذا الشعب وتضحياته، ومن جانب آخر، حين نقول إن اسم المؤتمر هو (الرياض 2)، فيجب أن يكون المؤتمر الثاني استمرارًا للأول ومتصلًا به، فأين هي تلك الاستمرارية، وأين هو الاتصال بالمؤتمر الأول؟ وبخاصة في ظل إقصاء أهم ثلاث فقرات من العمود الفقري للهيئة الأولى: المنسق العام، وكبير المفاوضين، والناطق الرسمي!
الخديعة الأخرى هي الشعار الزائف عن توحيد المنصات، فكان الأمر، قبل مؤتمر (الرياض 2) وحتى من دونه، ممكنًا مع منصة القاهرة، ولكن مع منصة موسكو كان مستحيلًا، وما زال بعد المؤتمر كذلك أيضًا، وكان ذلك واضحًا جليًا، من خلال المؤتمر الصحفي المشار إليه أعلاه، حين قال علاء عرفات: إن منصة موسكو تحفّظت على نقطتين في البيان الختامي، وهما بند رحيل الأسد وبند التدخل الإيراني، والأمر المأسوي هو محاولة الجميع اللعب على الألفاظ، وإيهام الناس بأن ثمّة فرقًا بين واحد ومُوحّد، وهنا يأتي دور فلسفة اللغة والمصطلحات، ولطالما تحفظت منصة موسكو على بيان المؤتمر، فأين وحدة الوفد وتوحده؟ ولماذا يُصرّ المؤتمر اثنين وخلفه الدول الداعمة على التكاذب؟
يُفترض أن يُمثّل هذا الوفد الثورة، منصة موسكو ترفض نقاش رحيل الأسد ودور إيران، وتطالب ببقاء دستور 2012، وبهذا تكون متشددة أكثر من النظام بمطالباته، فكيف يمكن أن تكون المنصة جزءًا من الوفد؟ وكيف يمكن للشعب السوري الثائر أن يمنح ثقته لهذا الوفد بأن يمثله؟ أين مكان هذه المنصة الحقيقي؟ المحكمة إلى جانب النظام أم ممثلًا للشعب الثائر؟
في كواليس المؤتمر ومجرياته
تم إرسال الدعوات للكيانات على شكل أعداد وللمستقلين دعوات شخصية، دون أن يعلم المدعوون بعضهم البعض، ودون أن تصل إلى أي منهم أي وثيقة، تخص المؤتمر أو جدول أعماله، دخل المدعوون القاعة ليتفاجأ البعض بوجود الآخرين، فبدا الأمر، وكأنه حفل تنكري أو حفل تعارف؛ ليتحول الأمر إلى حفلة تهريج، حين بدأ نقاش بيان المؤتمر، حيث لم يتم تأمين نسخة ورقية مكتوبة أمام كل مشارك، كي يتسنى له دراستها وكتابة ملاحظاته على فقرات البيان، واكتفى المُنظّمون بعرض البيان على شاشة كبيرة، في بادرة لم تحصل في تاريخ المؤتمرات، فمضى اليوم الأول كله خطابات وتعارف، وجزء بسيط من اليوم لمناقشة أهم نقطة في المؤتمر، وهي البيان الذي سوف يكون ركيزةً للهيئة التفاوضية (الاسم الجديد بدلًا من الوفد المفاوض) في أعمالها، وحال تسريب هذا البيان للإعلام، قام العشرات من الناشطين والمختصين بمراسلة أعضاء المؤتمر مشيرين إلى عبارات مبهمة وثغرات قاتلة في البيان، إلا أن تعديلًا لم يحصل سوى حذف كلمة واحدة، وهي اعتبار رحيل بشار الأسد وجهة نظر فقط، وبقيت عبارة أن موقع الرئاسة خاضع للنقاش على طاولة المفاوضات، لتنسف هذه العبارة عبارةَ شرط رحيله، فانتهى البيان إلى صيغة مُبهمة تستطيع جميع الأطراف أن تجد ضالتها فيه، حتى النظام نفسه، لا مشكلة له بهذا البيان.
في اليوم الثاني، شهد المؤتمر عرسًا ديمقراطيًا عظيمًا! وقد كان يوم انتخابات الهيئة التفاوضية، وبدأت مسيرة الحصص والمحاصصة، في يوم ماراثوني طويل، لم يكد أن ينتهي بانتهاء اليوم الثالث؛ إذ رشح 68 مستقلًا نفسهم من أصل 70، واشتد الخلاف بين المنصات على نسب التمثيل، ليُصار إلى انتخاب ثلاثين عضوًا، ويبدأ التهديد بالانسحاب من طرف منصة موسكو وبعض المستقلين، وصرخ بعض الحضور مطالبًا بتمثيل العشائر؛ فمنحهم مدير الجلسة كرسيين، أحدهما لعبد الجبار العكيدي والآخر لركان الخضير، ثم وقف أيمن العاسمي، ليطالب بمقعد عن مفاوضات أستانا، بصفته عرّابًا لتلك المفاوضات، فتم منحه مقعدًا كذلك، علمًا بأنه من غير المفهوم دعوة هذا الشخص، رغمًا عن أنف أهل درعا الرافضين وجودَه في أستانا والرياض، بعد ذلك احتجّت المنصات على زيادة عدد المستقلين، فزادت المقاعد المخصصة لهم حتى أصبح عدد المعينين تعيينًا ستة أشخاص، تمت إضافتهم إلى المنتخبين، واللافت في الأمر أن عددًا من ممثلي منصة موسكو، تمت تسميتهم من خارج أعضاء المنصة المستقلين في المؤتمر، أي هم ليسوا أعضاء في مؤتمر الرياض، وتم ذلك من خلال مكالمة هاتفية من قدري جميل لمدير الجلسة، علمًا أن تبديل الأسماء استمر حتى قبيل المؤتمر الصحفي بدقائق.
انتهى اليوم الثاني، ولم يستطع الحاضرون انتخاب رئيس للهيئة، بسبب الاختلاف بين المنصات (التي توحّدت في الصباح)، مما أطاح بالمؤتمر الصحفي الذي كان مقررًا عقده في ختام اليوم الثاني للمؤتمر، ويتم تأجيله أكثر من أربع وعشرين ساعة، وليتم عقده ليلة 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد أن تم التوافق على تسمية رئيس للهيئة المفاوضة، بعد جولات طويلة ومريرة، خرجت من الرياض لتصل إلى بعض العواصم، مع ثلاث جوائز ترضيه، تم توزيعها على شكل ثلاثة كراسي، تحتل مكان نائب رئيس الهيئة التفاوضية.
الهيئة التفاوضية بلا مرجعية وطنية
لم تكن مسيرة مؤتمر (الرياض 2) أكثر من فضيحة للمعارضة، جردتها من مشروعيتها، وعرّت ضعفها أمام العالم، ليتمخض المؤتمر عن هيئة تفاوضية هشة، لا وجود لشخص واحد يفقه بالقانون، وأعضاؤها متنافرون، ولكل مجموعة منهم مرجعيته الخاصة به، جماعة كانت أم دولة، لانتفاء وجود مرجع وطني سوري، ولا سيما أنه تم دمج الهيئة بالوفد في جسد واحد، لتصبح مرجعية الوفد هي الوفد نفسه، وبهذه الحالة، إن يخطئ أحد أعضاء الوفد؛ يمكنه مساءلة نفسه، لعدم وجود هيئة تسائله أو تحاسبه.
في المحصلة، كان المؤتمر مجرد مهرجان، مهمته التوطئة للذهاب لطبخ القرارات في سوتشي، بعيدًا عن القرارات الأممية الناظمة، ومن ثم المصادقة عليها في جنيف، ولذلك اعتذر المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا عن رئاسة مؤتمر سوتشي، كي لا يكون متورطًا بخرق القرارات الأممية، ولكنه سيصادق على نتائج سوتشي في جنيف، على أنها اتفاق بين السوريين، وهو لن يكون ملكيًا أكثر من الملك، فلا شيء يُلزمه بالتمسك بالقرارات الأممية، طالما أن الطرف المنتفع من هذه القرارات قد تخلى عنها، قبل بغيرها.
يبقى السؤال: هل سيقبل الشعب السوري بتزوير إرادته وخطف قراره، من طرف الوفد المتحدث باسمه، بعد أن زوّرت إرادتَه وخطفت قرارَه الجماعاتُ الإسلامية المصنعة، هنا وهناك.
مشعل العدوي
[sociallocker]
جيرون