جمهورية الملالي وتصدير الرعب



أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا القرارَ الرابع والستين، لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، بدءًا من تقييد حرية التعبير والتعذيب وأحكام الإعدام، وحتى مجزرة 1988 بحق المعتقلين السياسيين، بَيد أن انتشار حوالي مئتي ألف مسلح تابع للحرس الثوري الإيراني، في العراق وسورية واليمن ولبنان، يشير إلى أن “الجمهورية الإسلامية” لا تكتفي بانتهاك حقوق الإيرانيين، بل تتعدى ذلك إلى ارتكاب انتهاكات بحق شعوب أخرى، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بحسب ما توثقه الشهادات الحية وتقارير المنظمات الحقوقية.

دعم إيران الكامل لدكتاتوريات فاسدة تدّعي العلمانية، ومشاركتها الفعلية في قمع ثورات سلمية تطالب بالحرية والكرامة كالثورة السورية، يكشف الغطاء عن الطبيعة الشمولية الاستبدادية لنظام الملالي، وعن تناقضه السافر مع كل المنطلقات التي قامت عليها الثورة الإيرانية، وأوصلته إلى سدة الحكم، بعد أن حظيت بتعاطف وتأييد الملايين من البشر، في العالم بأسره، بمن فيهم العرب.

ثورة “الفقراء والمستضعفين” التي انخرطت في صفوفها كل التيارات السياسية، من الليبراليين واليساريين والإسلاميين؛ لإسقاط نظام ملكي فاسد اشتهر بسلطة الحزب الواحد، حزب الشاه “راستاخيز” الذي تأسس عام 1975 ويعني “البعث”، وجهاز استخباراته المتوحش “السافاك”. ثورة كان يقودها الخميني من منفاه في باريس، ويدعو الثوار إلى المقاومة السلمية، عبر التسجيلات الصوتية المسربة: “لا تهاجموا الجيش في صدره، إنما هاجموا قلبه، واستهدفوا وجدانه… وإذا أراد الجيش أن يطلق النار عليكم؛ فلتعروا صدوركم، فدماء كل شهيد ناقوس يوقظ ألفًا من الأحياء”.

استمرت الثورة الإيرانية قرابة عام ونصف، وقدمت ما لا يقل عن ستين ألف قتيل، قبل أن تنتصر عام 1979؛ ليهرب الشاه رضا بهلوي، ويعود الخميني إلى إيران، ويؤسس -بالمعنى الدستوري والعسكري- نظامًا جمهوريًا فريدًا من نوعه، يقوم على نظرية “ولاية الفقيه” الشيعية، بعد إجهازه على أتباع النظام السابق، وتخلصه من منافسيه ومعارضيه، بمن فيهم أولئك الذين شاركوه الثورة، مثل تنظيم “مجاهدي خلق”، وأول رئيس للجمهورية الإيرانية أبو الحسن بني صدر.

أدخل الخميني إلى دستور البلاد الجديد منصبَ الوليّ الفقيه، أـو “المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية”، ومنحه صلاحيات مطلقة، وجعله أعلى من منصب رئيس الجمهورية، بحيث باتت كل السلطات في إيران تمارس صلاحياتها، بإشراف “ولي الأمر المطلق وإمام الأمة” الذي لا يجري انتخابه بالاقتراع المباشر، بل من قبل مجلس “خبراء القيادة” المكوّن من اثني عشر عضوًا، نصفهم من اختيار المرشد الأعلى.

أنشأ الخميني ما يُعرف بـ “حرس الثورة الإيرانية” أو “الحرس الثوري الإيراني”، وهو تنظيم لا يخضع لأجهزة الدولة وقوانينها، بل يدين بولائه المطلق لمرشد الثورة، وله قيادة أركانه الخاصة، وتتعدى مسؤولياته مهمات مكافحة الشغب وحماية الحدود والسيادة القومية إلى نشر التشييع في العالم، بكافة الوسائل، بما فيها التجسس على الدول الأخرى، ورعاية التنظيمات الدينية المسلحة مثل “حزب الله”، وتنفيذ العمليات العسكرية.

يتكون “الحرس الثوري” الإيراني من تشكيلات أساسية، هي: “القوات البرية والبحرية والجوية” وقوامها من العسكريين، و”ميليشيات الباسيج”، وتتألف من المتطوعين المدنيين الذكور والإناث، و”قوة الردع الإلكتروني والاستخباري والثقافي”، لتعقب المعارضين، و”فيلق القدس” ويضم نخبة ضباط الحرس الثوري، وينشط في مجالات استخباراتية وعسكرية، خارج الحدود الإيرانية، لا سيما في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن.

مع مرور الزمن؛ أصبح الحرس الثوري أهم مؤسسة عسكرية في إيران، بما يملك من مجندين وقدرات قتالية، تشمل الصواريخ والدبابات والطائرات المقاتلة، ومعظمها محلي الصنع، إضافة إلى أنه يدير مجموعة من المشاريع الاقتصادية، من خلال “مؤسسة خاتم الأنبياء”، منها مشاريع نفط وطرق وبنى تحتية، كما أنه يملك شركة الطيران التجارية الخاصة (ماهان).

ما إن بدأت الثورة السورية؛ حتى أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية: علي خامنئي، حكمًا بالجهاد لصالح نظام الأسد، وتقديم كافة أشكال المساندة والدعم لبقائه، وقامت حكومة إيران بتزويد النظام السوري بمعدات مكافحة الشغب، وتكنولوجيا مراقبة البريد الإلكتروني والهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي؛ لتعقب الناشطين والمعارضين، وهي واحدة من أفضل تقنيات الرصد في العالم، تم تطويرها خصيصًا لقمع الربيع الإيراني عام 2009.

منذ أواخر حزيران/ يونيو 2011، استُخدمت مدينة الزبداني السورية، كقاعدة للحرس الثوري الإيراني وميليشيات “حزب الله”، للمشاركة في قمع الاحتجاجات، وفي نهاية عام 2013 بات يُقدر عدد المقاتلين الإيرانيين في سورية بنحو عشرة آلاف مقاتل، ينتشرون في جنوب حلب وفي محيط دمشق وريف درعا والقنيطرة، فضلًا عن الساحل السوري في ريف اللاذقية.

يتولى “الحرس الثوري” الإيراني القيادةَ الميدانية على الأرض، في أماكن تواجده، ويقوم بتجنيد العناصر وتدريبهم، وإدارة الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية، العاملة تحت إمرته مثل: “حزب الله” وفيلق “فاطميون” وكتائب “زينبيون”، كما يلعب دورًا متقدمًا في العمليات القتالية، وقد خسر خلال المعارك في سورية ما يزيد عن أربعمئة مقاتل.

لا يكتفي الحرس الثوري الإيراني بقتال تنظيم (داعش)، كما يدّعي، بل يقاتل فصائل المعارضة السورية المسلحة، ويتصرف بوصفه قوة محتلة، لا تقيم وزنًا للحد الأدنى من حقوق السوريين، فهو يزرع الفتن الطائفية، ويمارس القتل والخطف والتعذيب بحق المدنيين والناشطين السلميين، ويشارك في عمليات ترويع السكان، وتشريدهم والاستحواذ على ممتلكاتهم، وسلوكه العدواني في سورية يشبه سلوكه في اليمن والعراق ولبنان، فيما يبرر الإعلام التابع له هذا الخروج السافر عن الأعراف والقوانين الدولية، بشعارات العداء لـ (إسرائيل) وحماية الأمن القومي الإيراني، ومكافحة الإرهاب، والدفاع عن الإسلام والمقدسات الإسلامية.

إيران قوة اقتصادية وعسكرية لا يمكن إغفال أثرها، وتبعات سياستها الداخلية والخارجية، على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصًا بعد أن أطلقت برنامجها النووي، فهي البلد الثامن عشر في العالم، من حيث مساحته البالغة 1.648 مليون كم2، وهي تتمتع بموقع جيوسياسي مهم، كنقطة التقاء غرب آسيا وجنوبها ووسطها، كما أنها تحوي ثاني أكبر احتياطي غاز طبيعي، ورابع أكبر احتياطي نفط في العالم، ولن يكون عالمنا في مأمن من الإرهاب والاعتداء على الحريات المدنية، مع احتضان نظام الملالي لتنظيم مسلح، عابر للحدود، لا يحترم الشرعية الدولية ولا حقوق الإنسان كـ “الحرس الثوري” الإيراني، وعلى المجتمع الدولي أن يقف بحزم، إزاء تجاوزات هذا التنظيم وتهديداته، تمامًا كما فعل مع تنظيم (داعش)، فالتنظيمان وجهان لعملة واحدة، هي انتهاك حقوق المواطنة وتصدير الرعب.


تهامة الجندي


المصدر
جيرون