فزغلياد: ولادة “الترويكا الكبيرة” ستكون حدثًا تاريخيًا كبيرًا



الصورة: Kremlin Pool/Global Look Press

يلتقي يوم الأربعاء رؤساء كل من روسيا، تركيا وإيران، في مدينة سوتشي، وستكرس مباحثاتهم لمناقشة الوضع في سورية بالدرجة الأولى، غير أن اللقاء بحد ذاته يتضمن مغزًى أكثر أهميةٍ بكثير: للمرة الأولى منذ 500 سنة، في تاريخ العلاقات بين روسيا والدولتين الجارتين الكبيرتين، يُعقد اجتماع قمةٍ ثلاثي، يجمع هذه الدول، وستكون ولادة “ترويكا كبيرة: روسيا تركيا وإيران” حدثًا تاريخيًا كبيرًا. بحسب ما صرَح به الكرملين “يدور الحديث عن دولٍ ضامنة للتسوية السورية. الموضوع سورية”.

سبق لقاء القمة اجتماع لرؤساء أركان جيوش الدول الثلاث ولوزراء خارجيتها. ويمكن القول إنه منذ لقاء عسكريي ودبلوماسيي هذه الدول، في شهر كانون الأول من العام الماضي في موسكو؛ بدأت الترويكا بالتكون، حيث استقبل لافروف وشويغو حينذاك زملاءهم الأتراك والإيرانيين. ولكن الترويكا كانت في ذلك الوقت على مستوى الوزراء؛ أما الآن، فالحديث يدور الآن حول لقاء الرؤساء الثلاث.

عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية في سورية، قبل عامين ونيف، فسر خصومُها الجيوسياسيون هذا التوجه برغبة موسكو في الحصول على ورقة مساومة مع الولايات المتحدة الأميركية، حول أوكرانيا (هراءٌ- صدقه الكثيرون)، وتوقعوا هزيمتها وتدهور علاقاتها مع العرب والعالم السني عمومًا. وكانت نتيجةُ العملية الروسية التي تتجه بشكلٍ واضح الآن، نحو نهايتها المرحلية، مخالفةً لهذه التوقعات.

نحن لم نتمكن فقط من إعادة غالبية المناطق السورية إلى سلطة دمشق، بل تمكنّا أيضًا من زيادة نفوذنا الجيوسياسي في المنطقة؛ وبالتالي في العالم. وستكون القمة المرتقبة بين رؤساء الدول الثلاث، المحددة لمستقبل سورية-روسيا، تركيا وإيران- أفضل برهانٍ لهذه النتائج. الآن، سيناقش الرؤساء الثلاثة التسوية السورية التي ستتم وفق ما سيقررون هم؛ لأن تركيا وإيران بالتحديد، هما الجاراتان الأكبر لسورية والأكثر انخراطًا في أزمتها. أما روسيا، فهي الدولة التي غيّرت مجرى الحرب.

صحيح أن موسكو فعلت ذلك مع إيران سويةً، ففي البدء ساعدتا الأسد عبر القوة العسكرية، ولكن فقط بعد أن غيرت تركيا مزاجها تجاه الأسد، أصبح من الممكن اقتراب نهاية الحرب المستمرة على مدار ست سنوات. أصبحت تركيا تتعاون مع روسيا وإيران، بما في ذلك لإجبار القوى المعارضة للأسد، سواء بالقوة أم عن طريق الإقناع، القبول بالهدن وبالمفاوضات السلمية. في شهر كانون الأول، سينعقد في سوتشي مؤتمرٌ سلمي كبير للسوريين، حيث سيحضره أكبر عددٍ ممكنٍ من ممثلي المعارضة المسلحة.

الحكومة السورية المقبلة ستتشكل في دمشق. بيد أن تشكيل سورية الجديد، والضمانات التي ستحصل عليها مختلف الأقليات والمناطق سيكون متعلقًا بمواقف الدول العظمى بالتحديد. والدول العظمى بالنسبة إلى سورية حاليًا هي ثلاثة دول: روسيا، إيران وتركيا. وجميع هذه الدول تريد الحفاظ على سورية موحدةً، وفي الوقت نفسه، تحافظ على مصالحها بالطبع. هذه المصالح ليست ذات طابعٍ إقليمي فقط.

تركيا وإيران وريثتا إمبراطوريتين عظيمتين في الماضي. إيران بتاريخها الممتد آلاف السنين وبوضعها الحالي هي دولةٌ مستقلةٌ تمامًا، وتعد أحد مراكز العالم الإسلامي. أما تركيا فكانت طوال عدة عقود تعدّ سيدة العالم العربي، بصفتها إمبراطوريةً عثمانية. وقد اصطدمت روسيا بتلك الدولتين في القرن السادس عشر، عندما كانت روسيا تتوسع لتصبح جارةً للدولتين.

خلال القرون الثلاثة اللاحقة، خاضت روسيا عدة حروبٍ مع العثمانيين، وكانت المرة الأخيرة أثناء الحرب العالمية الأولى. وفي كل حربٍ، كان الأتراك يخسرون هذه المنطقة أو تلك، بدءًا من استرا خان وشبه جزيرة القرم، وانتهاءً بمنطقة البلقان. ويعيش في تركيا الملايين من أحفاد سكان جبال القوقاز الذين غادروا مناطقهم بعد إلحاقها بروسيا، وقبل قرنٍ من الزمن طالبت روسيا بعاصمتهم إسطنبول: “قسطنطينيتنا”! وبعد الحرب العالمية الثانية، انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي، خشية إمكانية مطالبة الاتحاد السوفيتي بأجزاءٍ منها. أي أن لدى الأتراك الكثير من الأسباب التي تجعلهم يرتابون من روسيا؛ غير أن التقارب الروسي- التركي في هذا القرن يتطور على كافة المسارات.

لأن الأتراك يتذكرون، أن روسيا بالتحديد هي التي ساعدتها بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية؛ فقد كان لدى الإنكليز والفرنسيين مخططات لتقسيم الأراضي التركية الحالية. حيث دعمت روسيا السوفيتية الدولة التي استعادها أتاتورك؛ وهكذا ظهرت دولة تركيا المستقلة. ولهذا، عندما بدأ أردوغان في القرن الواحد والعشرين بناء دولةٍ قوية ومستقلة، لتكون حاملة راية العالم الإسلامي، كان بحاجةٍ إلى إقامة علاقاتٍ جيدة مع روسيا، وإلا؛ فسيكون من غير الممكن إضعاف تبعيته للغرب.

أما الإيرانيون، فكانت تبعيتهم للغرب عند الصفر، وخاضوا ضدنا (روسيا) حربين في الماضي، وكل الحروب كانت تنشب مرةً في كل قرن، اعتبارًا من القرن الثامن عشر، حتى بداية القرن التاسع عشر. غير أن حَذرهم من روسيا أكبر من الحذر التركي. لأن روسيا، في النصف الأول من القرن الماضي، كانت تتدخل بشؤون إيران الداخلية. ولا يغير من الواقع شيئًا -في نظر الإيرانيين- قولُنا إن هذا حدث في إطار الصراع ضد الإنجليز الذين كانوا يقتربون من حدود روسيا عبر إيران. وفي الوقت نفسه، ليس لدى الروس أو الإيرانيين مسائل جوهرية “خلافية” على الأراضي، كما هو الحال، على سبيل المثال، عند تقاطع العالمين الروسي والتركي.

لم يشكل انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بدايةً لصداقة عظيمة، بل على العكس، فقدت روسيا مؤقتًا تلك العلاقات الجيدة، التي كانت في عهد الشاه. إذ رأت طهران في إلحاد السلطة السوفيتية عقبةً، وكذلك نظرًا إلى التدخل السوفيتي في أفغانستان، غير أن طهران اعتبرت في التسعينيات روسيا مجرد تابعٍ للغرب. ولكن مع تعزيز روسيا استقلالها في عهد بوتين؛ ازداد اهتمام الإيرانيين ببلادنا، وتطور ليصبح اهتمامًا متبادلًا. ساهمت مساعدتنا لإيران، بعقد الصفقة النووية مع الغرب، في تعزيز الثقة المتبادلة بين البلدين، ولعبت محاولات الولايات المتحدة في عهد أوباما، لعزل روسيا، دورًا كبيرًا في التقريب بين البلدين، في حين جعلت الحرب في سورية منهما “إخوةً في السلاح”.

إمكانات العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران عظيمة، سواء الاقتصادية منها أم السياسية. الأمر نفسه ينطبق على تركيا التي يمكننا أن نقيم معها مشاريع بالغة الأهمية، بالنسبة إلى أوروبا وللشرق الأوسط الكبير.

يمتلك البلدان اللذان يعيش في كل منهما ثمانون مليون نسمة، ليس فقط تاريخًا مجيدًا فحسب، بل مستقبلًا مشرقًا أيضًا. إيران ذات سيادة تامة، وهذا الوضع تتمتع به بضعة دولٍ فقط في العالم. وتسير تركيا في طريق الحصول على هذا الوضع، مدركةً ضرورة التخلي عن ارتباطها بالغرب عمومًا وبأوروبا خاصةً، وتضع في إطار الشك عضويتها في حلف الناتو. خلال العقدين القادمين، سيزداد وزن تركيا وإيران على الساحة العالمية، في ظل نظامٍ عالمي جديد، وباعتبار أنهما جارتان، يمكن القول إن تنسيق خطواتهما سيقوي الطرفين.

بين الدولتين توجد تناقضاتٌ، سواء القديمة منها، كالسنية الشيعية، أو التناقضات الإقليمية الجديدة، ولكن بينهما مصالح مشتركة أكثر بكثير؛ فقد استطاعتا الاتفاق حول سورية، ولا ترغبان في استغلال الورقة الكردية ضدهما، ومهما حاولت بعض الجهات توتير التناقضات السنية-الشيعية؛ فإن أنقرة وطهران وجدتا نفسيهما إلى جانب قطر، في نزاعها مع العربية السعودية.

الآن نرى عاملًا جديدًا يلعب دوره في تقريب تركيا وإيران، إنها روسيا. يحل الرئيسان ضيوفًا على بوتين في “سوتشي” المهتم ليس فقط في أن يتفقوا معه حول سورية، ولكن ببناء تفاهماتٍ استراتيجيةٍ عمومًا. من المفهوم أن الاتفاق الثنائي أقل تعقيدًا بكثير من التفاهمات الثلاثية الأطراف، غير أن فاعلية الاتفاقات متعددة الأطراف أعلى بكثير. ولا يقتصر الأمر على أن روسيا وتركيا وإيران تهتمان بالمسألة السورية، وأن لديهم العديد من النقاط التي تحتاج إلى جهودٍ مشتركة، بل يتعداه إلى إمكانية الدول الثلاث مجتمعةً في تغيير الكثير من الأمور في العالم. هذا العالم المضطرب، المقبل على فترة تغيرات جوهرية في قواعد اللعبة، وتغير مراكز الثقل من الغرب إلى الشرق، أو بشكلٍ أدق عودته إلى حيث كان أصلًا على امتداد التاريخ البشري المعروف.

إذا وضعنا ألمانيا وفرنسا -على سبيل المثال- مكانَ إيران وتركيا؛ “فإن قادة روسيا وألمانيا وفرنسا سيغيرون العالم”، وسيصبح كل شيءٍ مفهومًا بالنسبة إلى عقول القراء العاديين المبرمجة أوروبيًا.

كانت إيران موجودةً عندما لم يكن هناك ألمانيا العظمى أو فرنسا، وعمومًا، لم تكونا موجودتين على الإطلاق. وكانت الإمبراطورية العثمانية أقوى من أي دولةٍ أوروبية، وكانت أجزاءٌ كبيرة من أوروبا تحت سيطرتها. في القرن الأخير، أصاب الدولتين الضعف، ولم تكن الصين في حالةٍ جيدة أيضًا. غير أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن أوراسيا، مع التشديد على الجزء الآسيوي، وستكون إيران وتركيا موجودتين، سواء استولى المهاجرون المسلمون على أوروبا الحالية أو سيطر عليها المخنثون العقيمون.

أواخر تشرين الثاني، عقد أول لقاء ثلاثي، قبل 74 عامًا، اجتمعت للمرة الأولى “ترويكا كبيرة”: ستالين، روزفلت، تشرشل. والآن، يمكن وصف لقاء سوتشي الحالي بلقاء “الترويكا الكبيرة”، ومع أن الحرب الحالية ليست عالمية، وإنما سورية لا غير، ونطاقها شرق أوسطي فقط، فإن التأثير الكامن للاتفاق الثلاثي عظيمٌ بالفعل.

اسم المقالة الأصلية Рождение «Большой тройки» станет историческим событием كاتب المقالة بيتر أكوبوف مكان وتاريخ النشر فزغلياد. 22 تشرين الثاني 2017 رابط المقالة https://vz.ru/politics/2017/11/22/895774.html ترجمة سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون