خريطة سورية للهجوم على “إسرائيل” انتهت باحتلال الجولان



كشف أرشيف الخرائط المحوسبة، في كلية (تل حاي) الإسرائيلية، النقابَ عن حصوله على خريطة عسكرية سورية للهجوم على (إسرائيل)، بعنوان “عملية الانتصار”، وقد خُطط لها بمساعدة الخبراء السوفييت، وهي مؤرخة بتاريخ 8 حزيران/ يونيو 1967، قبل يوم واحد من احتلال الجولان.

خطة عملية الانتصار باجتياز نهر لاردن وجسر بنات النبي يعقوب بتخطيط سوفيتي سوري

وفق الخريطة، كان على القوات السورية اجتياز جسر (بنات النبي يعقوب) بمسافة 20 كم إلى داخل الأراضي “الإسرائيلية”، استجابة إلى طلب القيادة العسكرية المصرية والأردنية، بعد ثلاثة أيام من الهجوم الإسرائيلي على كلتا الجبهتين، صبيحة الخامس من حزيران/ يونيو 1967. وتظهر على الخريطة علامات رُسمت بقلم الرصاص، تشير إلى تحريك القوات السورية باتجاه الشمال، بحسب ما قاله مدير المكتبة في الكلية الأكاديمية (تل حاي) “الون روتشيلد”، لصحيفة (يسرائيل هيوم).

بالعودة إلى الوثائق الإسرائيلية المنشورة، وبروتوكولات ملفات التحقيق مع الجنود والضباط السورين الذين وقعوا في الأسر الإسرائيلي، من الأرشيف العسكري الإسرائيلي؛ فإن القيادة السورية لم تكن تمتلك حتى تاريخ 8-9 حزيران/ يونيو1967 أي خطة هجومية ضد (إسرائيل)، باستثناء القصف المتبادل بالمدفعية والدبابات على خطوط الجبهة، على المستوطنات والمواقع الإسرائيلية الشمالية، وقصف الطائرات السورية لمصافي البترول في حيفا وقاعدة (مجيدو) الجوية الإسرائيلية، في اليوم الأول للحرب، في المقابل دمّر الطيران الحربي الإسرائيلي 32 طائرة مقاتلة من نوع ميغ، و2 اليوشن 28 قاذفة في مطار الضمير ودمشق.

خارطة لمنطقة مستوطنة شمير في الجليل وتحديد حركة الجيش السوري باتجاه زعورة القلع

الخريطة العسكرية السورية التي وُجدت في أحد المقار العسكرية في القنيطرة، واغتنمها أحد الضباط الإسرائيليين، بقيت طي الكتمان حتى وفاته، ووجدت طريقها مؤخرًا إلى أرشيف الخرائط في الكلية الأكاديمية “تل حاي”؛ ففوجئ رجال الكلية، حين شاهدوا الخريطة التي تصف تنظيم القوات السورية، في حزيران/ يونيو 1967.

اجتازت الخريطة طريقًا طويلة، من يوم إخراجها من الموقع السوري في شمال الجولان، حتى وصولها إلى أرشيف الكلية، ويبدو أنه تم جمع الخرائط من قبل عضو في كيبوتس شمير، في الأيام الأولى بعد احتلال الجولان، وبعد وفاته عثر عليها أولاده، ولم يكن لديهم ما يفعلونه بها، فألقوا بها في صندوقٍ بجانب حاوية لطحن الورق في الكيبوتس لإتلافها، وشاهدها شخص من الكيبوتس، يعرف قيمة مواد كهذه، فأحضرها إلى الأرشيف المحوسب في الكلية الأكاديمية.

فسّر الموقع التوثيقي الإسرائيلي “نعموش” الخاص بالجبهة السورية، أسباب فشل خطة الهجوم السورية، وعدم تنفيذها، وأرجعه إلى عدة عوامل، منها أنها رُسمت قبل يوم واحد فقط من احتلال الجولان، وذهول السوريين من الانتصار الساحق الذي حققته القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية والأردنية، وإذاعة البيان العسكري رقم 66 الذي أعلن سقوط مدينة القنيطرة، قبل وصول الإسرائيليين إليها، والفوضى القاتلة التي أحدثها البيان وقرار الانسحاب الكيفي من الجبهة، إضافة إلى سعي مجلس الأمن لإصدار قرار بوقف العمليات الحربية فورًا، على كل الجبهات في حزيران/ يونيو 1967.

يضيف الموقع: تظهر في الصورة علامات مرسومة بقلم رصاص، تشير إلى تحريك القوات السورية نحو الشرق والشمال، وليس نحو الغرب، على الرغم من الحشود العسكرية الإسرائيلية على الجبهة الشمالية، التي لم يقرأها السوريون بشكلها الصحيح، حتى إن القيادة العسكرية -وفقًا لشهادات واعترافات الضباط السوريين الذين وقعوا في الأسر- أمرت بمنع قصف تلك الحشود؛ لكيلا يتذرع الجيش الإسرائيلي بالهجوم على الجولان.

خارطة سورية من العام 1948 تم لاستيلاء عليها بعد احتلال معسكر تل الفخار

حتى التاسع من حزيران/ يونيو، لم يخطر في بال قادة (إسرائيل) أنّ بإمكان جيشهم التوغل أكثر من 15 كم داخل الأراضي السورية، والسيطرة على التلال المطلة على الأراضي الإسرائيلية في الجنوب والوسط والشمال على طول الجبهة السورية، لكن بعد الانتصارات السريعة التي حققها الجيش الإسرائيلي على جبهات القتال، واحتلال سيناء ومدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة؛ قرر قادة (إسرائيل)، بعد جدال مكثف وضغوطات من قبل قادة الاستيطان، التقدم نحو المرتفعات السورية، وطرد الجيش السوري من المرتفعات الاستراتيجية في الجولان، صبيحة التاسع من حزيران/ يونيو 1967، قبل بدء الضغوطات الدولية ومجلس الأمن على (إسرائيل)، لوقف العمليات الحربية، وقد كان انسحاب القوات السورية الغريب والمفاجئ، من مواقع الجبهة ومدينة القنيطرة، العاملَ الحاسم في تقدم الإسرائيليين، وسقوط الجولان بأقل من 31 ساعة، وسط ذهول الجنود والضباط الإسرائيليين الذين تعرضوا لمقاومةٍ، في عدة محاور محدودة، من قبل جنود وضباط سوريين، رفضوا الانسحاب.

الخارطة السورية كما تم نشرها في صحيفة يسرائيل هيوم

دخلت (إسرائيل) الجولان، في ساعات بعد ظهر العاشر من حزيران/ يونيو، وطوقت مدينة القنيطرة التي كانت خالية من العسكر السوري، وعدة الآلاف من المدنيين السوريين فقط، وفي محيط القنيطرة، استسلم لواءان، أحدهما مدرع والآخر آلي، للقوات الإسرائيلية، فيما انسحبت باقي القطع والوحدات السورية نحو دمشق، وفي مقدمتهم قائد الجبهة “أحمد المير” لحماية النظام “البعثي” من السقوط، كما برر قادة البعث فيما بعد، حيث كان الشغل الشاغل “للقيادة الحكيمة” نقل وتأمين الذهب ورصيد المصرف المركزي السوري، بحجة ضمان تمويل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من الشمال السوري، بعد سقوط الجولان، الذي ما يزال بقبضة الدولة الإسرائيلية، حيث سقطت مع احتلاله كل الشعارات والخطابات الاستهلاكية، وسقطت الشرعية الوطنية والأخلاقية التي رفعها الحكم الوطني “التقدمي” في دمشق، على مدار نصف قرن من الزمن.

المصادر:

– صحيفة يسرائيل هيوم

– نعموش “هرما هسوريت”

– موقع الجولان الإلكتروني – الجولان في الأرشيف الإسرائيلي

– من دفاتر هزيمة حزيران/ يونيو – تل العزيزيات


أيمن أبو جبل


المصدر
جيرون