هل أصابت المعارضة السورية بقبولها التفاوض غير المشروط أم أخطأت؟



السورية نت - مراد الشامي

وافقت المعارضة السورية في مؤتمر الرياض 2 على الدخول في مفاوضات مباشرة مع نظام بشار الأسد دون شروط مسبقة، واختلفت الآراء حول إيجابيات وسلبيات هذه الخطوة، لا سيما وأن التفاوض غير المشروط، مطلب روسي أصرت عليه موسكو منذ الجولات الأولى للمفاوضات.

وفيما رأى معارضون سوريون، أن قبول المعارضة للتفاوض بهذه الطريقة يعني خفضها للسقف التفاوضي، وأنه يفقدها أوراقها في ملفات عدة، أبرزها المعتقلين، واستمرار النظام في حصار مئات آلاف المدنيين وتجويعهم، ومنع المساعدات الغذائية والطبية عنهم، واستمرار عمليات القتل والتشريد والتهجير، فإن آخرين بالإضافة إلى وفد المعارضة رأوا في تخلي الوفد عن شروط مسبقة للتفاوض خطوة من شأنها إحراج النظام أمام العالم، وقال إنه في مؤتمر الرياض 2 نزعت المعارضة ذريعتي النظام، الأولى عدم وجود وفد موحد للمعارضة، والثانية التفاوض المباشر غير المشروط.

وقال الرئيس الجديد لوفد المعارضة السورية، نصر الحريري، قبل ساعات من بدء جولة جنيف 8، أن "هدف المعارضة من المشاركة في هذه المفاوضات، هو رحيل بشار الأسد عن السلطة مع بداية المرحلة الانتقالية". وأكد أن وفد المعارضة "يعتزم الدخول في مفاوضات جادة ومباشرة". وأضاف: "نحن هنا من أجل مئات الآلاف من المحاصرين الذين هم في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية ومن أجل مئات الآلاف من المعتقلين الذين هم على شفا الموت".

رئيس الائتلاف الوطني السابق، خالد خوجة، اعتبر في تصريحات لـ"السورية نت" أن "هنالك خلط بين المبدأ التفاوضي والموقف التفاوضي للمعارضة". وأوضح أن المبدأ التفاوضي بني على أساس جنيف والقرار 2118، والذي نص على أن يجتمع الطرفان بدون شروط للتفاوض لتأسيس هيئة حاكمة بكافة الصلاحيات، "ولكن الخلط هنا أن المبدأ التفاوضي بالقرار الدولي، اعتبر كموقف تفاوضي للهيئة العليا".

وأشار إلى أن الموقف التفاوضي الذي تبناه الروس والنظام هو أن "القرار 2118 لا ينص على تنحي بشار الأسد، وأن الأسد باقٍ وأن الطريق الوحيد لخروجه صندوق الانتخابات، أما المعارضة فموقفها التفاوضي كان (حتى جنيف 7) أن رحيل الأسد خارج إطار التفاوض، بل ليس رحيله فقط وإنما محاسبته مع مجرمين الحرب"، مضيفاً أنه "عندما تتبنى المعارضة المبدأ التفاوضي الحيادي كموقف تفاوضي، فذلك يعني أنها خفضت السقف التفاوضي".

من جانبه، قال الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج أن المعارضة لم يعد لديها سوى القرارات الدولية، بعد قبولها بالتفاوض غير المشروط، وأشار في تصريح لـ"السورية نت" إلى أن المشكلة تكمن في أن هذه القرارات لاتزال تحتمل التأويلات، وأنها تصارع المعارضة لفرض تأويلها الخاص في مجتمع دولي يمارس الضغوط. ووصف الحاج دخول المعارضة في مفاوضات غير مشروطة أنه "بمثابة إلقاء المقاتل أهم سلاح لديه في معركة حياة أو موت. بحيث كل التنازلات والاحتمالات ممكنة".

وفي إجابته على سؤال لـ"السورية نت" عما تملكه المعارضة من خيارات بعد موقفها الأخير، قال الباحث في المركز العربي للدراسات، حمزة المصطفى: "في الحقيقة لم يعد للمعارضة أي أوراق تمتلكها، باستثناء حاجة بعض الدول لها لتكون شاهد على حل تجميلي يضمها إلى جانب النظام"، على حد تعبيره.

ولفت إلى أن المعارضة كان لديها مرجعية بيان جنيف 1، وهي مرجعية وافقت عليها روسيا وإن كانت غامضة قليلًا بشأن مصير الأسد، ولديها كذلك قراري مجلس الأمن، 2118، و2254، "أما القول بعبارة مفاوضات غير مشروط يعني استسلام حقيقي للرؤية الروسية للحل، وإقرار سياسي بالهزيمة، ومساعدة تقدمها المعارضة للعالم لإعادة تأهيل النظام"، حسب رأيه.

واعتبر أنه "رغم هزيمة المعارضة عسكرياً"، إلا أنه كان لديها العديد من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها"، وقال: "دائماً في الحروب ما تكون هناك تسويات عادلة حتى عندما تكون مهزوم عسكرياً".

ويؤكد أعضاء في وفد المعارضة على أن سقفهم التفاوضي هو خروج الأسد من السلطة وأنهم لا يقبلون دون ذلك، وقالت العضو في الوفد، بسمة قضماني، في تصريحات صحفية إن "سقفنا التفاوضي هو أن يغادر النظام ورأسه بشار الأسد عند بدء المرحلة الانتقالية، لكن أؤكد أن هذا ليس شرطاً مسبقاً. نذهب إلى جنيف من دون شروط مسبقة. رؤيتنا أن الانتقال السياسي يحتاج إلى بيئة آمنة تجعل الانتقال السياسي الحقيقي والجذري ممكناً، ونرى أن هذا ليس ممكناً في وجود رأس النظام".

وتتفق معها عضو الوفد المفاوض أليس مفرج، رأي آخر، إذ أشارت إلى ما اعتبرته إيجابية في قبول التفاوض غير المشروط، وقالت إن "الوفد المنبثق عن الهيئة العليا يملك استراتيجية صلبة بتكتيكات مرنة بحيث تجعلنا ندخل في عمق العملية التفاوضية ونحن جاهزون لأي تجاوب بشرط أن ندخل بمفاوضات مباشرة مع النظام لان انجاز هذا الشرط هو إنجاز التسوية السياسية بنسبة 50 في المئة".

هل حققت روسيا هدفها؟

من أبرز مخرجات مؤتمر الرياض 2 انضمام شخصيات من منصتي القاهرة وموسكو إلى وفد المعارضة الموحد للتفاوض، وهو ما أثار مخاوف معارضين سوريين، من تأثير تلك الشخصيات التي تتبنى موقفاً محابياً للأسد وروسيا على المفاوضات، خصوصاً منصة موسكو التي ترفض صراحة رحيل الأسد عن السلطة.

وفي هذا السياق قال خوجة، أننا نواجه الآن إشكاليتين، الأولى في الموقف التفاوضي للمعارضة، والثانية في تركيبة الوفد نفسه، مشيراً إلى مخاطر وجود شخصيات من منصتي القاهرة وموسكو، وقال "إنهما في الأصل يرفضان رحيل الأسد عن السلطة، ويصران على بقائه، وهما اليوم جزء من تركيبة الهيئة!".

وأضاف الخوجة أن المعارضة وقعت بالفعل في فخ روسيا، واعتبر أن "مؤتمر الرياض عُقد للخروج بوفد موحد للمنصات المعارضة، والتأكيد على محاربة الإرهاب وإحلال السلام، بينما كانت الدعوة (لمؤتمر الرياض الأول) انتقال السلطة"، وشدد على ضرورة قراءة ما جرى في "مؤتمر الرياض ضمن سلسلة من التغيرات بدأت بالسلال الأربعة (التي قدمها دي ميستورا) والتركيز على مسألتي الدستور والانتخابات".

وبحسب رأيه فإن "مؤتمر الرياض جاء ضمن سلسلة المتغيرات هذه، وكمحطة تمهد لإعادة تأطير الموقف التفاوضي للمعارضة وخفض سقفها وتغيير بنيتها".

ويتفق الحاج مع رأي خوجة، ويرى أن المعارضة وقعت في نهاية المطاف في الفخ الروسي، الذي "نُصب لها في القرار 2254 في عام 2015"، وقال إنه خلال السنوات الماضية تم إضعاف المعارضة تدريجياً وبشكل ممنهج، واستفاد الروس من التناقضات المتزايدة في مصالح الدول الإقليمية وتبدلها لتجييرها ضد المعارضة ومزيد من إضعافها عبر الضغط الإقليمي والدولي عليها لتلائم التغييرات.

وشدد على أنه في النهاية تمكنت روسيا من "تفخيخ المعارضة بمخبرين وعملاء لها باسم منصة موسكو"،

وأشار أعضاء في وفد المعارضة للتفاوض، إلى وجود تباين بينهم وبين منصة موسكو خلال مؤتمر الرياض 2، لا سيما وأن المنصة أطلقت على نفسها اسم الجزء المعطل، ولوحت بتعطيل القرارات التي قد يتخذها وفد المعارضة.

وفي هذا السياق، قال العريضي: إن "قدري جميل استمد هذا المسمى الجزء المعطل من الحكومة اللبنانية وأعجبه الاسم، ثم أطلقه على منصته ليعطل الحل السياسي في سوريا"، مضيفاً: "هناك بيان قد وقعت عليه منصة موسكو وعند خروجها عنه سيكون هناك حل من نوع آخر".

الانتخابات والدستور

ووسط هذه التطورات، أصبحت جهود المبعوث الأممي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، منصبة على مسألتي الانتخابات والدستور، متماشياً في ذلك مع المسعى الروسي لاختصار العملية السياسية بهاتين النقطتين، وفي ذات الوقت، فإن الاجتماع الذي جرى بين الرئيسين فلاديمير بوتين، والأمريكي دونالد ترامب في الفيتنام، ركز على هاذين الملفين، دون الإشارة لمصير الأسد في السلطة.

فهل ستضع الانتخابات والتعديلات على الدستور نهاية لمصير الأسد؟

يقول الباحث المصطفى إن موضوع الانتخابات "خيار طرحه الأمريكيون بعد قدوم جون كيري إلى الخارجية بداية عام 2013، وحاولوا ترويجه على المعارضة، ثم مع زيادة عدد اللاجئين صار يطرح بقوة على اعتبار أن الأعداد الكبيرة للاجئين سوف تمنع التزوير وسوف يسقط بشار الأسد".

وأشار إلى أن هنالك قصور عام في فهم سوريا والنظام، وأوضح ذلك بقوله: "إذا كان النظام استخدم كل هذه الأسلحة، واستجلب كل القوى للتدخل من أجل أن يبقى، فهل سوف يقبل بانتخابات تخرجه من السلطة. هذا عدا عن أنه من المستحيل تنظيم انتخابات كونية يوضع الصندوق في كل قرية ومكان ينتشر فيه اللاجئ السوري من أجل أن يصوت".

وأضاف أن الانتخابات غالبًا تكون علامة على الاستقرار، أو مخرجًا لأزمة حادة قادمة، وليست وصفة لإنهاء حرب طاحنة. فضلاً عن أن الانتخابات تكون بعد الانتقال السياسي والذي من شأنه أن يمهد الطريق لعودة اللاجئين على الأقل في دول الجوار بما يمكنهم من ممارسة حقوقهم.

وشدد المصطفى على أن "أي انتخابات سيفوز بها بشار الأسد، لأن المعارضة القائمة عجزت عن التوافق على شخصية قيادية، وضحت بكل الشخصيات الجامعة التي حظيت بتأييد أو ثقة السوريين ابتداء من برهان غليون وصولًا إلى رياض حجاب".

وفي ذات الاتجاه، يعتقد الحاج أن أخطر ما في الأمر هو إعادة تفسير الانتقال السياسي، واختصاره بتعديل دستوري، وانتخابات يشارك فيها بشار الأسد ويعيد إنتاج شرعيته"، واعتبر أن "بقاء الأسد في الحكم أصبح ممكناً على هذا الأساس، ليس في المرحلة الانتقالية فحسب، بل أيضا بعدها، بالإضافة إلى بقاء الأجهزة الأمنية القمعية".

واتفق خوجة مع الرأيين السابقين، واعتبر أنه مجرد النقاش في إمكانية وجود ضمانات من عدم تجيير الانتخابات والتعديل الدستوري لصالح الأسد، هو وقوع في الفخ، وقال إن مجرد نقاش ذلك يعني الاعتراف بشرعية النظام، "فعندما نتحدث عن تعديل دستور، فذلك مقصود به دستور 2012 الذي وضعه نظام الأسد، وهذا يعني أن مجرد القبول به أو نقاشه فهذا قبول بشرعية الدستور، وبالتالي شرعية النظام الذي وضعه".

جنيف أم سوتشي؟

تشير تحركات روسيا الأخيرة على الصعيد السياسي للملف السوري، إلى عزمها إضعاف مرجعية الأمم المتحدة للحل السياسي في سوريا، والاستعاضة عنها بحل مرسوم من الكرملين يضمن بقاء الأسد في السلطة، عبر اختصار الحل بانتخابات تكرس بقاء الأسد، وفي أحسن الأحوال تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، تحت إدارته، يمنح فيها شخصيات من المعارضة سلطة شكلية.

ويرى خوجة أنه لم يعد هنالك فرق بين جنيف، وسوتشي، ومؤتمر الرياض، "طالما أن ما تسمى بالشرعية الدولية تتبنى الطرح الروسي".

أما الباحث المصطفى فيرى أنه "روسيا تحاول أن يكون مسار سوتشي هو من يحدد مخرجات المفاوضات في جنيف، لكن الولايات المتحدة التي أضحت فاعل مؤثر لم يسلم بالمطلق بهذا الأمر، ولا أعتقد أنهم بعد سيطرتهم على المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية سوف يسلمون للروس بذلك".

وختم المصطفى تصريحاته لـ"السورية نت" بأن فشل المفاوضات السابقة لم يكن أبداً بسبب الشروط التي كانت تطالب بها المعارضة قبل جولات المفاوضات، وقال إن "جميع مسارات المفاوضات أكانت في جنيف أو أستانا، أو فيينا، أو هامبورغ، أو فيتنام، لم تتطرق إلى الحل السياسي، والجميع يعرف أن التفاوض عطل على مدار أكثر من عام بسبب اختلاف ترتيب الأولويات ما بين النظام الذي كان يصل على البدء بمكافحة الإرهاب، والمعارضة التي كانت تصر على الانتقال السياسي. لكن لما تعددت المسارات ضاعت القضية وصار الانشغال بتشكيل الوفود والتمثيل يقدم على ما غيره".

اقرأ أيضا: نظام الأسد يطلب من بكين إرسال قوات صينية إلى سوريا




المصدر