حوار وطني وليس بالوكالة



بدأت فكرة الحوار الوطني تكتسب تأييدَ أطراف محلية وإقليمية ودولية متعددة، لكن بمقاربات مختلفة وأهداف متناقضة، يراد منها تحقيق الغلبة بأجندة خاصة وضيقة، كل طرف يعتقد أنها تكسبه -من خلال الحوار- شرعية أكثر أو شرعية وحيدة، على حساب طرف أو أطراف أخرى. وهذا ما يفقد فكرة الحوار مضمونها الأساس، وهو إنتاج توافقات وليس كسر إرادات أو تحقيق غلبة، وفي الوقت ذاته يشوش على الحوار، ويمنع أو يؤخر حصوله.

إن الحوار الوطني، لكي يكون جادًا ومنتجًا يخرج بحل وطني للمحنة السورية، يتطلب:

1- وقف جميع الأعمال القتالية، وتجميد خرائط توزيع القوى على خطوط التماس، والفصل بينها بقوات مراقبة أممية، والتزام الدول الداعمة لأطراف الصراع، بعدم تزويدها بالسلاح والذخائر.

2- بناء جسور الثقة والاستعداد للحوار، من جميع الأطراف الداخلية وداعميها الخارجيين، من خلال فك حصار المناطق، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، والإفراج عن المعتقلين والأسرى، والكشف عن مصير المخطوفين والمغيبين.

3- تنظيم الحوار، بواسطة هيئة وطنية مستقلة للحوار كاملة الصلاحيات، لها حصانة دولية من مجلس الأمن الدولي مجتمعًا، وترأسها شخصية وطنية مستقلة، مشهود لها بالحكمة والنزاهة والمقدرة التنظيمية.

4- هدف الحوار إنتاج توافق وطني، في جميع الملفات المتعلقة بوقف الحرب وبمستقبل سورية، والدولة السورية الإنسانية والسياسية والاقتصادية والقانونية والعسكرية والأمنية وغيرها، والتوافق على الأشخاص الذين سيقودون المرحلة الانتقالية.

5- أن يكون الحوار جامعًا، ويشمل كافة التكوينات المجتمعية والسياسية والمدنية، وقادة الرأي والفكر.

6- تحديد جدول زمني للحوار، وتحديد شكل ومضمون المؤتمر الوطني الذي سينبثق عنه، وآلية عمله.

7- منح القرارات التي يتمخض عنها الحوار الوطني صفة الإلزام لجميع الأطراف السورية المتحاورة، وتأمينها بقرار ملزم من قبل مجلس الأمن الدولي.

8- وضع جدول زمني محدد لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، برعاية وإشراف ورقابة الأمم المتحدة.

9- طي صفحة الحرب، وإجراء مصالحة وطنية شاملة، تؤمن عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم وتحقق العدالة الانتقالية، على قاعدة المساواة والتسامح وجبر الضرر.

وحده الحوار الوطني من يؤمن أوسع مشاركة للشعب السوري وخياراته، في إنتاج حل وطني، يضمن استمرار الدولة السورية الواحدة الموحدة التي تراعي خصوصيات التنوع والتعددية المجتمعية والسياسية، ويتيح فرص إعادة إعمار شفافة ومسؤولة، تحافظ على موارد البلاد البشرية والطبيعية والرأسمالية، في سياق تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية مستدامة. وأما الحديث عن مفاوضات، أو حوار بالوكالة، في ظل تصلب المواقف وارتهانها لأجندات ومصالح خارجية على قاعدة الغالب والمغلوب؛ فإنه لن ينتج سوى مزيد من الصراع، ربما بأشكال أخرى، تقود إلى استنزاف ما تبقى في البلاد من مقدرات، ويضيع معه الأمل بعودة سورية إلى وضعها الطبيعي والجيوسياسي، كدولة مفتاحية في منطقة الشرق الأوسط، ومحورية في العالم العربي والإسلامي.

إن التعنت في المواقف، من كل الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية التي تخسر على الأرض، لا يُفهم منه إلا أنه يصب في مصلحة الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية التي تربح على الأرض. وفي جميع الحالات، الخاسرُ الأكبر هو الشعب السوري، ولوقف خسارته، يجب إعادة الملف كله إليه، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالحوار الوطني النزيه والمسؤول.


مهيب صالحة


المصدر
جيرون