‘مجلة Slate الإلكترونية: الجنون القاتل للنظام السوري ضد الغوطة الشرقية’
29 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
حصد الهجوم، ضد آخر المعاقل الثائرة في ضواحي دمشق، ما يزيد عن 500 قتيل وجريح، في غضون عشرة أيام، لم يتم توفير أصحاب القبعات البيضاء خلالها.
رجلان يبكيان طفلًا داخل عيادة في دوما، الغوطة الشرقية. 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. حمزة العجوة/ أ.ف.ب.
في الوقت الذي افتُتحت فيه أبواب قمة سوتشي، يوم الأربعاء 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، لمناقشة المستقبل السياسي لسورية، وللتحضير لاستئناف مفاوضات السلام المزمع عقدها، في جنيف بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ يستمر سلاح الجو السوري بتدمير عدة مناطق من البلاد، ومنها الغوطة الشرقية الواقعة في ضواحي مدينة دمشق، التي تتعرض لطوفان غير مسبوق من ضربات جوية وقذائف مدفعية، ليتم إحصاء ما يقارب 500 قتيل وجريح، خلال عشرة أيام.
إن كان صحيحًا أن وقع الضربات قد خف منذ البارحة (24 تشرين الثاني/ نوفمبر)، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فهذا يعني أن 300 غارة جوية و1.100 قذيفة وصاروخ أرض-أرض كانت قد أطلِقت على تك المنطقة الثائرة والواقعة على أطراف العاصمة، مخلفةً 104 قتلى مدنيين، من بينهم 26 قاصرًا، و4 منقذين من أصحاب القبعات البيضاء، وذلك خلال الفترة الممتدة من تاريخ بدء العملية 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، حتى يوم 24 منه، كما نجم أيضًا عن العملية، مع الأسف، 410 جرحى “حالة العديد منهم في خطر”، وفقًا لمدير المرصد رامي عبد الرحمن.
تأتي تلك العملية ذات الكثافة غير المسبوقة، في إطار الهجمات المهمة الأخيرة التي أطلقها النظام منذ بداية العام، بهدف استعادة السيطرة على أكبر عدد من المدن والمحافظات، استعدادًا لجولة المحادثات القادمة، والهدف منها هو زيادة المكاسب على الأرض، لتوسيع هامش المناورة الدبلوماسية. ففي دير الزور -على سبيل المثال- باتت القوات الموالية تسيطر على 52 في المئة من المحافظة، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، مقارنة بـ 2 في المئة منها، قبل انطلاق العملية، في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، الهادفة إلى طرد “تنظيم الدولة الإسلامية”، من آخر معاقلها في سورية. ينطبق ذلك المثال على حال البادية السورية، كما غيرها من محافظات حماة وحمص وحلب، التي تم “تنظيفها” من آخر الجيوب الثورية. في شهر حزيران/ يونيو الماضي، وضع الجيش السوري يده على آخر الأحياء الثائرة، داخل دمشق، التي كانت تسيطر عليها مجموعات ثورية منذ عام 2012.
لم يعد النظام يميز بين مدنيين ومقاتلين
وجدت الغوطة الشرقية نفسها –وكانت أقل تعرضًا للضرر نسبيًا، وسمّيت بمنطقة خفض تصعيد في شهر أيار/ مايو السابق، بموجب اتفاق بين القوى الخارجية الأساسية- مؤخرًا، في قلب ذلك الهجوم الديناميكي، خلال العشرة الأيام الأخيرة، إذ لم يتردد بشار الأسد وحلفاؤه، ومن بينهم “حزب الله” اللبناني، في استخدام أسلحة غير قانونية، وفقًا لشهادات قادمة من الغوطة نفسها. وعن هذا يقول سراج محمد، وهو مسؤول في الدفاع المدني في منطقة ريف دمشق: “تم إلقاء قنابل حارقة على مدن وبلدات دوما وكفر بطنا، بينما تم استخدام قنابل عنقودية في حرستا”. وأضاف: “يلجأ النظام إلى كل ما يملك، من رمي البراميل المتفجرة إلى إطلاق صواريخ غراد، ولا يوفّر استهداف أي قطاع، على العكس من الفترة الماضية، إذ كانت الضربات تستهدف مناطق محددة”. يقول أحمد، وهو أحد سكان المنطقة الذي تم التواصل معهم: “تستهدف عمليات القصف أحياء سكنية بشكل متزايد، لم يعد النظام يميّز بين مدنيين ومقاتلين، أو بين أطفال ومسعفين، في وقتٍ يغلق فيه المجتمع الدولي عينه، عما يجري تحت تسمية محاربة المجموعات المتطرفة”، مشيرًا -بحسرة- إلى “جيش الإسلام”، و”تحرير الشام”، وهما اثنان من أصل ثلاثة تنظيمات موجودة هناك على الأرض. ثم قال الشاب مجددًا: “لكن تلك الجماعتين ليستا بأكثر تطرفًا من هذا النظام الدموي الذي يقتل شعبه منذ عام 2011، في حين توجد أيضًا فصائل أخرى كـ “فيلق الرحمن” المنتمي إلى الجيش السوري الحر”.
375.000 مدني مهددون بالمجاعة
لا يتوقف الوضع، على الصعيد الإنساني، عن التدهور بأي حال. ما تزال الغوطة، الواقعة على بعد 15 كيلومترًا من دمشق، ومساحتها نحو 30 كيلو مترًا مربعًا، تأوي حوالي 375.000 ساكنًا، كما تخضع لحصار منذ عام 2013. يعتبر الحصار إحدى أسلحة الحرب التي استخدمها النظام، في مناطق وأوقات مختلفة خلال سنوات الصراع الستة ونصف، ويهدف إلى الحصول على تنازلات عبر تضييق الخناق على السكان المدنيين، ليصل ذلك -أحيانًا- إلى حدود المجاعة؛ الأمر الذي حصل في مضايا في بداية العام 2016. وهنا يشير مجد خلف، مسؤول آخر في هيئة الدفاع المدني، أصحاب القبعات البيضاء: “اشتد الحصار منذ إغلاق النظام، منذ ثلاثة أشهر، معبرَ مخيم الوافدين، آخر نقطة دخول باتجاه المنطقة […]. يحوم الموت حول أطفال يعانون من سوء التغذية، وحول مسنين يعاني بعضهم من فشل كلوي، ويحتاج إلى علاج إسعافي”.
كدليل على “الوضع الإنساني الكارثي”، وفقًا لرائد، أحد سكان حمورية الذين تم التواصل معهم، قام عشرات من المواطنين الجائعين في تلك البلدة، بمهاجمة مخزنين، بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كانا يحتويان على 1.5 طن من المواد الأساسية، و80 طنًا من السكر. ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، بات ما يقارب من 300 شخصًا في حاجة إلى مساعدة عاجلة، بسبب نقص الغذاء أو أمراض مزمنة. يقول مجد، بخصوص ذلك: “لقد أطلقنا عدة نداءات من أجل إيصال عاجل لمواد غذائية ودوائية، ونعمل كلَّ ما بوسعنا لتحريك المجتمع الدولي”، ولكن منظمة الأمم المتحدة، التي انتُقدت لسلبيتها، لا بل لتواطئها مع النظام، لم تجب حتى الآن على تلك النداءات.
استطاعت قافلتان إنسانيتان، بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي قبل الهجوم بيومين، الوصولَ إلى مدينة دوما، وتوزيع الخضار والسكر والأرز والزيت فيها. لكن -يقول سراج متحسرًا- “لم يتم توزيع إلا 4.300 سلة غذائية، مع العلم بوجود 25.000 عائلة في دوما، هذا عدا سكان الغوطة الآخرين”. وإضافة إلى ما سبق، تعرض، بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، مستودع يحتوي على ثلث تلك المساعدات، لقصف عنيف من القوى الموالية للنظام.
تعرض أصحاب القبعات البيضاء للخطر في داخل الزوبعة
لمواجهة ذلك العوز؛ حاول أصحاب القبعات البيضاء تقديم دعمهم، “على الرغم من إمكاناتهم المحدودة جدًا”، حيث تم، منذ بداية الشهر، تنفيذ 400 عملية مساعدة اجتماعية –من بينها توزيع الأغذية- إضافة إلى 44 عملية إنقاذ، و1.109 خدمة إسعاف. يشرح مجد خلف قائلًا بحسرة: “لقد أضحت عمليات إخراج الجرحى أو الموتى، من تحت الأنقاض، شبه مستحيلة، وفي كل الأحوال، فيها مخاطرة كبيرة، بسبب الهجمات المزدوجة التي يشنها النظام؛ ففي كل مرة يسرع فيها فريق إلى مكان الحدث، يتم توجيه ضربة ثانية في المكان نفسه، بعدها بعشر دقائق. أما بالنسبة إلى العائق الثاني، فيتمثل في نقص الوقود الضروري لعمل سيارات الإطفاء والجرارات والثقابات الثقيلة لرفع أو إزاحة الأنقاب”. ويروي لنا سراج محمد متأثرًا: “نعمل في ظروف شديدة؛ مات أربعة من مسعفينا، منذ بداية الهجوم، من بينهم ثلاثة سقطوا، يوم الجمعة الماضي، بعد غارة استهدفت مركز الدفاع المدني في دوما، وثمة مسعف قُتل في حمورية، تحت تأثير قنبلة عنقودية، بينما كان يحاول إنقاذ طفلين”. وبذلك يرتفع عدد “ضحايا” أصحاب القبعات البيضاء إلى 209، منذ بداية الصراع.
العنوان الأصلي
La folie meurtrière du régime syrien contre la Ghouta orientale
الكاتب
بشير الخوري Bachir El Khoury
المصدر والتاريخ
مجلة Slate الإلكترونية – 25 تشرين الثاني 2017
الرابط
http://www.slate.fr/story/154319/folie-meurtriere-syrie-ghouta
ترجمة
أنس عيسى
أنس عيسى
[sociallocker]
جيرون