أولويات حكومة الأسد.. جيش النظام لا الشعب
30 نوفمبر، 2017
“سورية بخير”، هكذا تدعي حكومة الأسد: “لدينا خطط لتحسين أربعة قطاعات: الاستثمار، والإنتاج والتصدير، والتجارة الخارجية، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة”. لكن في المقابل، تفتقر برامج “الحكومة” إلى خطط واضحة، من شأنها أن تُحسّن واقع شريحة كبيرة من السكان. وفي هذا الصدد، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين: إن 85 بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر العالمي، وإن شخصين من 3 أشخاص يعيشون في فقر مدقع.
تُعدّ استراتيجية التدمير الشامل، التي اتبعها الأسد، نموذجًا للحرب القذرة التي شملت، إلى جانب دمار قطاعات الإنتاج والخدمات العامة والبنية التحتية، دمارَ الحياة، باستهدافها العنصر البشري؛ إذ حولت نصف سكان البلاد إلى مهجرين ولاجئين خارج وطنهم، والنصف الآخر إلى جائعين، لا يسدّ مدخولهم الشهري 15 بالمئة من احتياجاتهم الأساسية.
تزداد حاجة الناس إلى مصادر دخل جديدة، أو إلى رفع سقف أجورها؛ كي توفق بين واقعَين، تفصل بينهما هوة كبيرة؛ حيث أوجدت الحرب فجوة مالية، بين دخول الطبقة العاملة ونفقاتها، على غرار شرائح اجتماعية أخرى، تقف للعام السابع على التوالي، عاجزة عن تأمين جزء بسيط مما تحتاج إليه بشكل أساسي؛ فأبقت على لائحة متواضعة تتعلق بالغذاء، تعرضت هي الأخرى لاختصارات، يعترف الجميع أنها شملت اللحوم الحمراء، وبعض أنواع الفاكهة، وجميع أنواع الحلويات الشرقية؛ بسبب ارتفاع أسعارها.
تبدو سلطة النظام غير معنية بالبؤس الذي يعيشه الناس، وليس من قبيل المصادفة أن يتجاهل وزير مالية الأسد هذا الواقع، وأن يركّز، عبر رسالة مزدوجة توجّه بها إلى “بواسل الجيش العربي السوري” وإلى “كلّ مهتم”، في أعقاب انتهاء مجلس الشعب من مناقشة الموازنة العامة للسنة المالية 2018، على أن “الاقتصاد السوري قوي، والدولة السورية قوية”.
لنفترض -جدلًا- أن الاقتصادَ السوري الذي فقد معظم أصوله، بحسب تقارير حكومية رسمية، ويعاني من عجزٍ أدى إلى “ارتفاع الدين العام الإجمالي إلى أكثر من 150 بالمئة، وخفض الصادرات بنسبة لا تقل عن 92 بالمئة، وتراجع إيرادات الموازنة العامة إلى 3 بالمئة، من إجمالي الناتج المحلي”، بحسب تقارير البنك الدولي، هو اقتصادٌ قوي، مثلما يدّعي، فلماذا تجد الحكومة نفسها عاجزةً عن زيادة رواتب وأجور العاملين في الدولة، مع أن الفرق بين متوسط الراتب واحتياجات الأسرة شهريًا -كما يشير آخر استبيان للاتحاد العام لنقابات العمال، وهو منظمة شعبية من منظمات حزب البعث الحاكم- يصل إلى خمسة أضعاف، على أقل تقدير؟
تتضارب الإجابات في واقع الأمر؛ فوزير المالية الذي رأى ذات مرة أن تحسين الحياة المعيشية للمواطن يمثل إحدى أهم أولويات العمل الحكومي، هو نفسه الذي قال: “زيادة الرواتب ليست وحدها الحل لتحسين هذا الواقع، لأن لها آثارًا مختلفة”. ثم ما لبث أن نفى لاحقًا وجود أي زيادة مرتقبة، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع “بحاجة إلى دراسة معمقة، وأن للحكومة سلم أولويات، يبدأ من عوامل ومتطلبات تأمين صمود الجيش، إلى الغذاء، فالدواء”. أما وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، فتقول: هناك عدة سيناريوهات بهذا الخصوص، ونحن تمهلنا في إضافة أي أعباء جديدة، حتى نصل إلى نظرة نهائية في دعم الجعالة العسكرية.
يقتصر البرنامج التنفيذي لحكومة الأسد -بحسب التصريحات الآنفة- على أولويات ثلاث، دون غيرها، هي على التوالي: استثمار ما تبقى من واردات الموازنة، لدعم “الجيش” الذي يدمر الحواضن المدنية، بقذائف وذخيرة غبية قتلت آلاف السكان. تأمين الغذاء “بأسعار تتجاوز متوسط الدخل الشهري أضعاف عديدة. تأمين الدواء، بمواصفات غير مطابقة “نسبة المادة الفعالة قليلة للغاية”، وفق أغلب التقارير.
إن الإصرار على وضع موارد الاقتصاد في خدمة الحرب، أي بخدمة حكم عائلة الأسد وطموحها السلطوي، ثم منح الأمر أولية يتم التأكيد عليها علنًا، ينفي -بحسب الخبير المالي محمد ياغي- وجودَ أي دور إيجابي، تعمل الحكومة من خلاله على رعاية مصالح الناس وحمايتهم، في فترة الأزمات والصراع الداخلي، كما يفترض، وهي الآن تمثل نظامًا ديكتاتوريًا فاشيًا أكثر مما تمثل شعبها. وقال لـ (جيرون): من الواضح أن الدور السلبي هذا قد أسهم في تجفيف موارد الاقتصاد، نتيجة زيادة الإنفاق على تمويل الحرب وعقد صفقات التسلح. كما أفقد الاقتصاد، بحسب قياس مختلف المؤشرات، أكثر من 60 بالمئة من قيمته الحقيقية، ومعظم التقارير الدولية تشير إلى أن حجم الإنفاق العسكري لنظام الأسد وصل إلى ما يقارب نصف حجم اقتصادات بعض دول الشرق الأوسط؛ ما يشكل خسارة مروعة لاقتصاد بلد يعيش سكانه جحيمَ الحرب ومرارة العيش معًا.
تمثل الفئة المعنيّة بزيادة الرواتب والأجور، العصبَ الرئيس لديمومة عمل الحكومة. فهناك نحو 2.5 مليون عامل في القطاع الرسمي، يؤدون دورًا مزدوجًا “استمرارية حركة المجتمع، واستمرار نشاط دوائر ومؤسسات الدولة”، يخدم في المحصلة نظام الأسد، ولو بصورة غير مباشرة.
تقول الدكتورة يسرى المصري: نحن نتحدث هنا عن شريحة مهمة وأساسية، كان لها دورها في استمرار مؤسسات الدولة، خلال أصعب الأوقات. وتعترف “المصري” التي تعمل باحثة اقتصادية في إحدى المؤسسات الإعلامية التابعة للنظام، بأن “الراتب يكاد يكون ثمن قطعة لباس واحدة ولا نبالغ، والكل يعض على جرحه، يعمل في عملَين أو أكثر، ويستدين ويستلف، لكن الأحوال من سيئ إلى أسوأ، ومن لا يجد له قريبًا مسافرًا يساعده، لا يستطيع أن يعيش بكرامة”.
بشكل تقليدي، ترتبط الموازنة العامة للدولة بخطط ومشروعات تمتد إلى سنوات، منها خطط التنمية البشرية. لكن منذ أربعة عقود، لم تركز الحكومات المتعاقبة في إعدادها للموازنات العامة، على هذا الجانب. بل اهتمت بزيادة الإيرادات وخفض النفقات، مستهدفة في هذا الخفض، بالدرجة الأولى، تجميد الرواتب والأجور. وكان من شأن هذا النهج أن يختطف موارد الاقتصاد، ويؤسس لبيروقراطية إدارية، وفساد حكومي، وديكتاتورية عسكرية، أوصلت البلادَ إلى ما هي عليه الآن.
علاء كيلاني
[sociallocker]
جيرون