شادية الإنسانة... و25 يناير.......

د.عزة عبد القادر اكتب اليوم عن الفنانة شادية ليس لكونها مطربة أو ممثلة ، لكن لكونها إنسانة ، فلم ينسى أحد منا يوماً هذا الصوت العذب الرنان الذي غنى لمصر ، فلقد كانت أغنياتها الوطنية تراثاً وأثراً تتوارثه الأجيال، لكن أكثر ما كانت تتسم به شادية ليس هو جمال صوتها أو إبداعها الفني ، بل تفردها في صدقها وثباتها على مبادئها ، فقد عرف عنها تصوفها وتقربها من الله عز وجل ، لقد صدقت مع الله فصدقها وأحسن خاتمتها . دائما ما كان يأخذنا الفضول لمعرفة ماذا تفعل شادية في الحياة بعد غيابها عن الساحة الفنية ، وقد حاول الكثير من الإعلاميين إستمالتها للظهور ولو في برنامج واحد فقط ، ولكنها أبت الظهور ، وأتذكر جيدا في إحدى الندوات الثقافية عندما قابلنا سيدة تسكن بجوار الفنانة شادية ، لتخبرنا أنها تقطن بالقرب من جامعة القاهرة ، حيث روت لنا كيف أنها تعيش في هدوء وخصوصية شديدة ، فكان يندر أن يقابلونها ، حيث كانت لا تخرج إلا قليلاً لشراء بعض احتياجاتها الشخصية . وكان أكثر ما يلفت الانتباه حقا في حياة شادية هو بغضها الشديد للظهور وللشو الإعلامي ، رغم إنها كانت فنانة كبيرة بلغت حداً من الشهرة ليس له مثيل ، فكيف يمكن ان تترك المجد والرفاهية ، لكننا لا نفهم معنى الإنتقال إلى الحياه النورانية وتذوق حلاوة الذكر والإيمان التي ذاقتها شادية ، كانت تلك الحياة الهادئة الآمنة هي السر الكامن وراء اختفائها وتركها حياة الصخب والأضواء . غابت شادية منذ أواخر الثمانينات ، وتلاشت تماماً عن الأنظار ولم يظهر حتى صوتها إلا مرة واحدة إبان ثورة 25 يناير 2011 عندما أيدت شباب يناير عبر إحدى المكالمات الهاتفية التي تحدثت فيها لإحدى البرامج التليفزيونية ، وقد هنأت ثوار يناير ودعت لهم ، وعبرت عن مدى فرحتها وسعادتها لكونهم يرددون أغنيتها (يا حبيبتي يا مصر). بعد المكالمة الهاتفية النادرة التي تحدثت فيها شادية في ثورة 25 يناير والتي بدت فيها غاية في السعادة والتفاؤل ، عادت لتغيب مرة أخرى ، ليكون هذا الغياب الأخير الذي يسبق الرحيل . لقد أعجبنا جميعا بثبات الفنانة شادية على مبادئها وقوة شخصيتها ووقارها ، لم تتنازل كغيرها ، ولم تخرج عن صمتها لنفاق سلطة أو نظام سياسي ، ولم تدخل في هوجة إعلامية واستعراض وطني كاذب ، لكنها تكلمت فقط عندما رأت سعادة شعب مصر ، خرجت شادية مرة واحدة لأجل مصر ولأجل المصريين . هذا هو الفارق بين الفنان الإنسان والفنان السفيه ، رحم الله الفنانة شادية رحمة واسعة .