مفاوضات جنيف: غطاء سياسي للنظام أم استحقاق سوري؟



تتواصل ردّات الأفعال الناقدة والرافضة لمسارات التفاوض في جنيف، ورأت بعض الهيئات المدنية الثورية أن وفد التفاوض نسف جوهر العملية التفاوضية، بعد أن حوّل قضية الانتقال السياسي إلى مجرد البحث في إعداد دستور جديد للبلاد، وانتخابات بإشراف أممي، بدلًا عن هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من دون الأسد، وفق ما نصت عليه القرارات الدولية 2118 و2254.

يقول المعارض السوري يحيى العريضي: إن مفهوم تحول المفاوضات إلى عبث “ليس صحيحًا”، وأضاف لـ (جيرون) أن “غياب وفد النظام (في اليوم الأول) ليس لأن الأخير على قناعة بأن المعارضة مستعدة دومًا لتقديم التنازلات. أعتقد أن تصرفات النظام دليل واضح على امتعاضه من التغيرات الأخيرة التي سحبت منه ذرائع تشرذم المعارضة أو الشروط المسبقة. ما يدفعه إلى مثل هذه التصرفات هو الهروب من الاستحقاق الأكبر المتعلق بسلامة سورية وعودتها إلى الحياة، وهو ما لا يستطيع أن يتعايش معه”.

تابع: “نحن لا نتوقع أن نصل إلى إنجاز غير مسبوق في جنيف، وأن تكون مخرجاته رحيل نظام الإجرام والاستبداد، لكن على الأقل، الآن يتضح للعالم مَن الذي يتنصل من استحقاقات الحل السياسي. وتهرب النظام السوري، في هذا الوقت بالذات، هو برسم الأمم المتحدة أولًا، وبرسم داعميه ثانيًا الذين وافقوا على متطلبات العملية السياسية، وعلى الدخول في مفاوضات حقيقية عن الانتقال السياسي”.

من جهة ثانية، قال عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز جسور، لـ (جيرون): “هل تتوقع المعارضة الآن أن تحصل على تنازلات سياسية من النظام؟ لنعد قليلًا إلى الوراء، في جنيف 3 و4، كانت المعارضة في أوج قوتها، وتسيطر على معظم البلاد، ومع ذلك؛ لم يوافق النظام على أي طرح أو نقاش للانتقال السياسي، وتصلّب تجاه المفاوضات، ووافق المبعوث الأممي على رؤية النظام، وسيطر ملف محاربة الإرهاب على النقاشات آنذاك، فكيف يمكن أن يتعاطى النظام بجدية الآن، مع متطلبات أي عملية سياسية تقود إلى مرحلة انتقالية، وهو في ذروة انتصاراته مزهوًا بالدعم الروسي والإيراني”.

وصلت الانتقادات لأداء المعارضة السياسية ومسارات التفاوض إلى حد اعتبار أن الأولى تحولت إلى غطاء سياسي للنظام وحلفائه، في ما يرتكبونه من جرائم بحق الشعب السوري، وباتت مجرد أداة تتحكم بها التوافقات والمصالح الدولية الإقليمية، وليس المصالح السياسية والوطنية لسورية.

رفض العريضي تلك الانتقادات جملةً وتفصيلًا، مشددًا على أنه “لا يوجد أحد يرغب في أن يتحول إلى أداة لأي طرف. المسألة أكبر من ذلك بكثير، ولا أتصور أن أي سوري يحاول، أمام هذه المعاناة، أن يخدم جهةً ما، في النهاية، الدول لها مصالح، لكن ذلك لا يعني أن نتحول إلى مانحي خدمات من أجل تلك الدول ومصالحها”.

أضاف العريضي: “ليس مفيدًا الانزلاق إلى هذا الخطاب المرتكز على الاتهامات والتخوين؛ لأنها ثقافة النظام، والمعركة مع الاستبداد ليست عسكرية فقط، بل سياسية وحقوقية أيضًا في المحافل الدولية، لإنصاف أكثر من نصف مليون معتقل ومئات آلاف الشهداء وملايين المهجرين”.

حول مسألة استمرار التصعيد العسكري على الغوطة الشرقية بريف دمشق، تزامنًا مع حصار خانق، قال العريضي: “قبل أي استحقاق سياسي، يعمد النظام إلى التصعيد العسكري، لصرف الأنظار عن مسارات الحل السياسي، وحصر قضايا التفاوض بمسائل إنسانية، مثل فك الحصار ووقف القصف وإدخال المواد الطبية والغذائية، ونحن نريد المفاوضات؛ لنقنع العالم بأن الحل الأمني العسكري للأسد فشل، ولا حل في سورية سوى بالانتقال السياسي والخلاص من الاستبداد”.

غير أن عاصي اعتبر أن المفاوضات باتت محصورة ضمن مصطلح الواقعية السياسية التي طلب من المعارضة أن تتحلى بها، مضيفًا: “الواقعية السياسية تعني هنا أن روافع وحوامل العملية التفاوضية تتحكم بها مصالح الدول الفاعلة، وتوافقاتها على تقاسم النفوذ، وليس تطلعات المعارضة السياسية والثورية والاجتماعية. من هنا، أعتقد أن الهدف الرئيس أصبح عدم إسقاط النظام، وجعل المعارضة شريكة في هذه العملية، أي بقاء الأسد في بداية الانتقال السياسي على الأقل، وربما رحيله في مرحلة لاحقة”.


مهند شحادة


المصدر
جيرون