المخدارت بين الشباب السوري.. وهم الخلاص
1 ديسمبر، 2017
الإدمان على المخدرات ظاهرةٌ اجتماعية جديدة، تفشت في المجتمع السوري الذي يعاني من التمزق وويلات الحرب والصراع السياسي والأهلي.
لا يبدو غريبًا اليوم، في ظل هذه الظروف الاستثنائية، الحديث عن سهرات السمر بين الشباب، والقصد طبعًا السهرات الجماعية التي يقومون فيها بتناول المخدرات. وتتوارد إلى مسامع الجميع قصص مدمني المخدرات و”تضحياتهم” في سبيل الحصول على نشوة المخدر، التي يظنون أنها تعوضهم عما يعانونه من مصاعب وآلام.
يشير مختصون في علم النفس والاجتماع إلى أن الشباب هم الأكثر عرضةً للوقوع في فخ الإدمان، إلا أن المواد المخدرة تعد خطرًا على جميع الفئات الاجتماعية وجميع الأعمار، ويرون أن السبب الأساس هو التمزق الاجتماعي الناتج عن الحرب، ويعتبرون بعض البيئات حاضنًا مثاليًا للإدمان.
لكن من المجحف أن نرجع هذه الظاهرة إلى طبيعة المجتمع وحسب؛ إذ يعتبر سلوك الإدمان أحد أخطر آفات العصر، ويصيب الدول المتقدمة والنامية والفقيرة، على حد سواء. حتى إن بعض المراهقين يندفعون إلى التجربة ظنًا منهم أن تعاطي المخدر هو (موضة الشباب العصريين).
في هذ الموضوع، أكد الطبيب أيهم السلوم أن ارتفاع حالات الإدمان أمرٌ يمكن وصفه بالطارئ، بسبب الحرب التي مزقت البلاد، وأضاف لـ (جيرون): “الأخطر من ذلك أن عدد المدمنين سيزداد في حالة انتهت الحرب، والسبب هو الأثر الطويل لهذا الصراع والضغوط النفسية التي يتعرض لها كل مواطن، من جراء فقدانه ما لا يمكن تعويضه، سواء أكان أشخاصًا مقربين منه، أو أشياء أثيرة لديه”.
بحسب السلوم، “غذّى انتشارَ هذه الظاهرة الفلتانُ الأمني والاجتماعي والقيمي الذي تعيشه سورية، وانعدامُ الرقابة بخاصة على الصيادلة الذين ساهموا في بيع مثل هذه المواد، وصرفها من دون وصفة طبية، وساعد في ذلك أيضًا أن الكثير من القائمين على الصيدليات غير حاصلين على شهادة تخصص بالصيدلة، أو أنهم استأجروها من أصحابها الصيادلة، وهؤلاء لا يهتمون بخطورة الأمر وتأثيراته، إذ إن هاجسهم الأول جني المال”.
في الموضوع ذاته، قالت نورا حسن، وهي مشرفة فريق رعاية صحة مجتمعية: “إن معظم الذين اهتم الفريق برعايتهم، خلال السنوات السابقة، هم من غير المتعلمين والأميين، كما أن معظمهم كان من الطبقة الفقيرة. أما اليوم فيوجد ازديادٌ ملحوظٌ في عدد المدمنين من الطبقات المثقفة والمتعلمة. لست مع الاعتقاد الاجتماعي السائد بانتشار المواد المخدرة في الجامعات والمعاهد السورية، لكن الإدمان -بحسب ما رأيت- يصيب اليوم المتعلمين وغير المتعلمين، على حد سواء”.
أضافت: “يسعى الأشخاص المتعلمون، ولا سيّما الطموحين منهم، إلى تحقيق ذاتهم، إبّان سنوات شبابهم، وعندما لا تساعدهم ظروفهم المحيطة، ويشعرون بانسداد الأفق؛ يلجؤون إلى الإدمان، لأن قساوة الحال تسبب لهم ضغطًا نفسيًا أكثر من غيرهم، على عكس غير المتعلمين والبسطاء في المجتمع، الذين يلجؤون إلى المخدر كوسيلةٍ للتسلية لا أكثر”. وأكدت أن “تعاطي الحشيش والعقاقير المخدرة بات شائعًا في الأوساط الشبابية المثقفة في سورية، باعتباره رمزًا للتمرد والانفصال عن القيم التقليدية للمجتمع، إذ بات الحشيش –مع الأسف- طقسًا “ثقافيًا وثوريًا، في تلك الأوساط”.
شدد مختصون نفسيون على أن الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون اليوم زادت عدد حالات الاكتئاب، ويندفع الكثير من مرضى الاكتئاب إلى تناول المخدرات، ومعظمهم يقدمون على هذه الخطوة، في مراحل تسبق تشخيصهم أو معرفتهم بإصابتهم بالاكتئاب، في هذا الجانب، علق السلوم: “يتحول البعض من مرضى اكتئابٍ، تسهل مساعدتهم، إلى مدمنين على حافة الهاوية”.
يحدثنا الشاب (حسام) من حماة، عن أول سهرةٍ جرّب فيها المخدرات بالقول: “كنت مكتئبًا بشدةٍ، عندما زرت أحد الأصدقاء بهدف الترويح عن النفس، وجلسنا نتسامر ونشرب الشاي، وفجأةً بدأت أعيش لحظاتٍ من الشرود والفرح، وشعرت بالنشوة خلال نصف ساعةٍ فقط، لم أكن أعرف أن صديقي دسّ لي مادةً مخدرةً، كنوعٍ من المزاح”.
تابع: “أعجبني الشعور؛ وبت أتردد إلى بيته بملء إرادتي، تناولت حبة (يا مسهرني)، وهو الاسم الشائع لعقار (كبتاغون) بين المدمنين. وانتقلت بعدها إلى تجربة حبة (الشبح)، وهي تمنح شعورًا بالسعادة وعدم النعاس؛ ثم جربت عقاراتٍ أخرى لم أعرف تركيبها. بدأت العلاج منذ ثلاثة أشهرٍ، عندما اكتشف والدي الحالة المزرية التي وصلت إليها، ولمّا أشفَ تمامًا حتى الآن”.
ترتفع معدلات تعاطي المخدرات بين المقاتلين، من طرفَي النزاع في سورية، مع استمرار الحرب السورية منذ أكثر من 6 سنوات، إذ بات تعاطي العقاقير المخدرة وتدخين الحشيش أمرًا مألوفًا، حتى في معسكرات الجيش النظامي، وفي صفوف بعض الجماعات الإسلامية المحاربة!
في هذا الجانب، قال الصيدلاني (أحمد): “ينتشر تعاطي المخدرات بكثرةٍ، بين المسلحين في سورية؛ لأنه يمنح المقاتلين بعض النشوة في ظروف الحرب القاسية، كما أنه يساعدهم في تخفيف التوتر والخوف في أثناء الاشتباكات والقصف. وكثيرًا ما ينفذ متعاطو المخدرات أصعب العمليات وأكثرها خطورةً، من دون أن يطرف لهم جفن، وغالبًا ما يرمون بأنفسهم إلى الموت بلا وجل”.
أضاف: “بعض مرتكبي المجازر والأعمال الوحشية قاموا بأفعالهم تحت تأثير المخدرات، وعادةً ما يستغل القادة العسكريون انتشار المخدرات، بين صفوف جنودهم، للسيطرة عليهم بشكلٍ تام، وضمان طاعتهم لكل الأوامر؛ مهما كانت صعبةً أو وحشية”. مؤكدًا أن القوى المتصارعة “أسهمت في انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع، بل إنها كثيرًا ما تعمل على الاتجار بها، وتهريبها عبر الحدود، لزيادة عائداتها المالية، أو لتحقيق مكاسب شخصيةٍ لبعض الجنود والضباط. وبعد أن كنا نهرّب الحشيش من تركيا، صرنا نصدره إليها بكمياتٍ كبيرة”.
يعدّ توافر المواد المخدرة في السوق، على اختلاف كمياتها وأنواعها، أساس المشكلة، إذ لا يصعب اليوم على المدمنين، أو من يهمون بالتجربة، الحصول عليها، وقد نشّط انتعاش التهريب هذه الأيام حركةَ تهريب المخدرات، فمن المهربين من يبيع بضاعته داخل سورية، ومنهم من يمرر بضاعته عبر البلاد، ليوصلها فيما بعد إلى دولٍ مجاورة. ويعد كل من “كبتاغون” و”أوبرفال” و”بالتان” أكثر هذه المواد انتشارًا. وهي من المستحضرات الدوائية المصنعة محليًا، والتي يعمل المدمنون بطرقهم الخاصة على الحصول عليها، من دون وصفاتٍ طبية، أو يتم تهريب كمياتٍ منها من دولٍ أخرى، وهذا النوع الأخير أشد خطرًا من العقاقير المصنعة محليًا، لعدم الثقة بطبيعة المواد التي تدخل في تركيبه.
تعد الأدوية التي تستخدم لأغراض المعالجة النفسية أخطر من الحشيش، ومن الكوكائين؛ وذلك لتأثيرها الأكبر وسهولة إخفائها ورخص ثمنها، فهي في متناول الجميع، ولذلك تنتشر في الآونة الأخيرة حتى بين بعض النساء، وهي حبوبٌ تدعى (حب الوش)، كـ “ترامادول” و”بروكسيمول” (ديكستروبوكسيفين) و”البالتان” (بنزهكسول). ويؤدي استخدامها بطريقةٍ خاطئةٍ إلى الإدمان، وتخريب الدماغ، وقد تؤدي الجرعات الزائدة منها إلى الموت.
في هذا السياق، قال الصيدلاني (أحمد): “الأكثر انتشارًا بين الحبوب هو (ترامادول)، هندي المنشأ، وهناك ظاهرةٌ جديدةٌ هي التصنيع المحلي غير القانوني لـ (ترامادول)، ولا توجد معلوماتٌ دقيقةٌ عن فعاليته أو أمانه أو مكان تصنيعه، ويأتي (برازولام) في المرتبة الثانية، لكن البعض يتجنبه ﻷثره المنوم. في حين يأتي (الكوديين) ثالثًا، ثم (الديازيبام، وديكستروبروكسيفين، وبسودوايفدرين)”.
الصيدليات ومستودعات الأدوية تعد المصدر الأهم للحصول على هذه المواد التي تصنع في معامل الأدوية السورية، وتنقل إلى المناطق المحررة عن طريق تجارٍ في مناطق النظام. كما يتم استيرادها من الدول المجاورة، وخصوصًا مادة (ترامادول) التي تأتي من الهند عبر الحدود التركية، و(بالتان) الذي يأتي من تركيا، على شكل مشد (كيس يربط بحبل) يحوي ألف حبة.
يعزو الصيدلي (أحمد) كثرة تعاطي هذه الحبوب إلى “اﻹحباط والخوف والفقر، وكثرة اﻹصابات الجسدية نتيجة الحرب، وعدم القدرة على تحمل اﻷلم الذي لا تنفع معه المسكنات المركزية، فيلجأ الأطباء إلى هذه الأدوية للتسكين، ومع استمرار استخدامها يتحول المصاب إلى مدمن، إضافةً إلى أن هذه الأدوية رخيصةٌ جدًا، إذ لا يتجاوز سعرها دولارًا واحدًا للعبوة ذات 20 حبةً من أي صنفٍ دوائي، وأحيانًا لا تتجاوز 20 سنتًا للعبوة الواحدة”.
أما المحامي (عبد المنعم) فقال: “يجب أن تكون هناك قوانين رادعة تطبق على الجميع، وتشديد العقوبات على المروجين، وضبط الحدود. كما يجب أن تشكل مديرية الصحة لجنةً لملاحقة الأطباء والصيادلة الذين يتاجرون بهذه المواد، فضلًا عن ضرورة توعية الشباب، ومحاولة الوقوف إلى جانبهم بدلًا من لومهم وأخذ دور الموجه والآمر”.
فادي إبراهيم
[sociallocker]
جيرون