جنيف بين عبث دي ميستورا والبهلوان الروسي

1 ديسمبر، 2017

ربما لا يعلم الوفد المفاوض السوري بوجود عشرات الشخصيات السورية، في جنيف، في مكانٍ غير بعيد من مقر إقامة الوفد أو مقر الأمم المتحدة، ومهمة هذه الشخصيات مناقشة الدستور ومؤتمر الحوار الوطني.

هذا العبث الأممي الذي يُمارسه المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، ينقله من موظف سامي في الأمم المتحدة إلى مجرد “سمسار”، يعمل لمصلحة الحكومة الروسية. والعمل على محاور متعددة، في الوقت ذاته وللهدف ذاته، ما هو إلا محاولات مستميتة من أجل المماطلة والتسويف؛ ليُنهي أي أثر للثورة السورية بالمطلق، لصالح المحتل الروسي، وسبق لدي ميستورا أن جمع، العام الماضي، جمعًا غفيرًا لمناقشة الدستور، ثم عاد ليجمعه هذا العام، كما سبق له أن أجرى مقابلات مع أزيد من أربعمئة شخصية سورية، وشكّل مجالس استشارية رجالية ونسائية، من مختلف أطياف الشعب السوري ومذاهبه وقومياته، ولم يستثن أحدًا حتى اللحظة عدا مثليي الجنس، ولو أراد هؤلاء وضغطوا قليلًا؛ لربما وجدنا مجلسًا استشاريًا يُمثلهم في مبنى الأمم المتحدة، إلى جانب مكتب دي ميستورا.

على مدار العام، يفاوض دي ميستورا، ويجتمع مع مختلف الفعاليات السورية أكثر من اجتماعه مع الوفد المفاوض الذي لا يجتمع معه إلا من أجل الضغط عليه، وتقديم بعض النصائح المضللة التي تؤدي إلى مزيد من الشرذمة والخراب، وأخذ المزيد من التنازلات، بحجة تسهيل المفاوضات، وعلى سبيل المثال، ورقة (اللاورقة) التي تم بحثها في جولات سابقة -بعد أن تعهد دي ميستورا للوفد المفاوض بأن لا يعدّها ورقة رسمية- سارع الرجل إلى تضمينها لقرار الإحاطة المُقدّم لمجلس الأمن، كإنجاز ساهم في التمديد له والبقاء في منصبه، قبل عام من اليوم.

ينادي الجميع بتطبيق قرارات مجلس الأمن، ولكن الجميع يريد تطبيقها على نحو خاص، ويخدم أهدافه، من خلال اللعب والعبث بتسلسل تنفيذ خطوات هذه القرارات؛ لأن كل تنفيذ قرار سينجم عنه تحوّل جديد في بنية الصراع وهدفه.

الروس والنظام مستعدون لفعل أي شيء، من أجل تقديم النقاش في الدستور والانتخابات، على مناقشة هيئة الحكم الانتقالية. ولأن الكثير من السوريين لا يعرفون تفصيل وماهية هذه الهيئة، أقول: هي كيان سياسي مؤلف من 40 بالمئة من المعارضة، و40 بالمئة من النظام، و20 بالمئة من المستقلين أو المحايدين.

يريد الحلف الروسي الذهاب إلى الدستور فورًا، وهو في عجلة من أمره في هذا الشأن؛ لأن في ذلك المزيد من الوقت الذي سيُعطي موسكو فرصةَ فرض دستورٍ، يُلبّي طموحها ورؤيتها لسورية القادمة، التي ستشبه إلى حد بعيد الشيشان، في تبعيتها لموسكو التي أدى رئيسها القَسم باللغة الروسية. وبعد إقرار الدستور؛ سيذهب الروس إلى الانتخابات التي من حق بشار الأسد خوضها، حسب وجهة النظر الروسية، وهذا يعني أن سورية القادمة -بعد هذه الثورة العظيمة وبعد كل هذه التضحيات- لن تكون أكثر من شيشان ثانية بقديروف آخر، وبمعنى آخر: ستكون أسوأ بكثير من “سورية الأسد”، ولن يكون هناك هيئة حكم انتقالي، ولا انتقال سياسي، ولا الحرية التي خرج من أجلها ملايين السوريون، وستتحول البلاد إلى مجرد حديقة خلفية للكرملين، وهذا ما لن تُعارضه (إسرائيل)، وستوافق عليه الولايات المتحدة الأميركية.

على الجانب الآخر، ترى المعارضة أن الأولوية هي لهيئة الحكم الانتقالي التي من مهماتها أن تضع مسودة الدستور، وأن تنظّم انتخابات عامة في سورية، ولا ترى مانعًا من استخدام دستور عام 1952 مؤقتًا، إلى حين إقرار دستور جديد للبلاد، لن يكون بعيدًا عن المؤقت الذي تم في ما مضى بتوافق السوريين؛ كونه يُلبّي طموح وحاجات الشعب السوري والبيئة الاجتماعية، على عكس المقترح الروسي الذي يقترح دستورًا عجيبًا، لا يشبه سورية ولا السوريين.

على المفاوض السوري اليوم التوجه إلى مفاوضة الأمم المتحدة أولًا، بدلًا من عرضه التفاوض مع النظام من دون شروط مسبقة، والتفاوض مع الأمم المتحدة يكون على جدول أعمال المفاوضات مع النظام، وأن يتم التفاوض كذلك على المهل الزمنية، لكل بند تفاوضي، وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبغير ذلك؛ يمكن للنظام أن يذهب إلى مفاوضات تمتد عشرات السنين، فالنظام خبير متمرس باللعب على عامل الزمن، والروس ليسوا في عجالة من أمرهم، طالما زال الخطر الحقيقي عن النظام، والحقيقة الثابتة هي أنه لا يوجد عاقل في العالم يفاوض على زول نفسه، طالما أنه قادر على البقاء.

الخلاصة، إنّ ابتكارات روسيا وابتكارات دي ميستورا تخلق قنوات جديدة، مثل أستانا وسوتشي، ومفاوضات جانبية مع وفود استشارية، كل ذلك من أجل إنهاء أي أمل للشعب السوري في نيل حريته، وعكس عناوين هذه القنوات والمفاوضات الجانبية التي من الأخلاق عدم المشاركة فيها، وحصر التفاوض بالوفد المفاوض الذي نتفق معه حينًا ونختلف حينًا آخر، ولكن لا نقبل بالالتفاف عليه أو المساهمة في تفريغ الملف الذي يحمله وتجزئته.

مشعل العدوي
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون

1 ديسمبر، 2017