حفريات إسرائيلية في “تل المخافي” شمال الجولان المحتل
2 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
في صيف عام 2016، أعلن عالِم الآثار المسؤول عن لواء الجليل والجولان، في سلطة الآثار الإسرائيلية، “د. أليعزر شتيرن” اكتشاف عشرات المواقع الأثرية الجديدة في الجولان المحتل، وقد عُثر عليها خلال أعمال توسيع المستوطنات الإسرائيلية، أو أعمال بناء مختلفة تجري في الجولان المحتل. من ضمن تلك المواقع، موقع في قرية (بقعاثا) المحتلة، اكتُشف خلال أعمال بناء مدرسة ثانوية، وموقع آخر على خط وقف إطلاق النار في (مجدل شمس)، عُثر عليه خلال عمليات بناء الجدار الفاصل، على خط وقف إطلاق النار شرقي بلدة مجدل شمس المحتلة، وموقع في قرية (عين قنية) المحتلة، وآخر في (تل المخافي)، وموقع في قرية (باب الهوى) المُدمرة.
تعود كل تلك المواقع إلى فترة “المملكة الإيطورية” التي بسطت نفوذها على دمشق وريفها وحوران والجولان وشمال الأردن والجليل الفلسطيني، في القرن الرابع قبل الميلاد. وما تزال سلطة الآثار الإسرائيلية، وسلطة حماية الطبيعة “والكيرن كيمت” الصندوق القومي اليهودي، يسعون إلى الاستيلاء على الأراضي المملوكة لسكان القرى السورية، في الجولان المحتل، وتقليص المساحات الخضراء، والسيطرة على المشاعات في حرش مسعدة، وضمها إلى المحمية الطبيعة، في مستوطنة “أودم” المقامة عام 1976 في تل الأحمر.
قبل أيام، أنهت سلطة الآثار الإسرائيلية الحفريات التي تُجريها في موقع “تل المخافي”، بإشراف عالمة الآثار “أنيا كليينر”، من مستوطنة “مروم غولان”، وتم العثور على بقايا مبنى وأرضيتين تعودان إلى مرحلتين تاريخيتين: الأولى تعود إلى الفترة العباسية، والثانية تعود إلى فترة المملكة الإيطورية، وقد عثر على آثار وبقايا شبيهة بها، في قرية (باب الهوى).
يُنسب الإيطوريون -تاريخيًا- إلى “إيطور” أحد أبناء إسماعيل، وهم من القبائل العربية التي استوطنت فلسطين، واتصلت بغيرها من القبائل العربية (الإسماعيلية) الموجودة من قبل. وقد حاربوا العبرانيين، أيام الملك شاؤول، ثم اجتاحوا -أواخر القرن الأول قبل الميلاد- مدن السواحل الفينيقية، وأسسوا مملكة في البقاع، واستقروا في شمالي الجليل بفلسطين والجولان وحوران ولبنان، ولا تزال آثار مملكتهم باقية في خربة قرية (رعبنا) إلى غرب جنوب قرية مسعدة المحتلة، وتخضع إلى حماية سلطة الآثار الإسرائيلية، وقد فقدت المملكة الإيطورية سيطرتها على مناطق الجليل والجولان، عام 104 قبل الميلاد، بحسب القائد والمؤرخ اليهودي “يوسف بن متتياهو هكوهين” (يوسفوس فلابيوس)، من قبل اليهود، وأُجبر من تبقى من رعاياها على التهود.
ما يجعل الروايات الإسرائيلية -في مجال علم الآثار- مُشكوكًا بها، وغير منطقية، أنها تعتمد تفسيرات توراتية محضة، في تأكيد وإثبات روايتها، دون تقديم تفسير للمعطيات التاريخية والأثرية، بمنهج بحثي علمي تاريخي، فإعادة بناء الماضي بكل وقائعه يجب أن تكون كما كان عليه زمانه ومكانه، من دون تزييف أو تهميش أو تحريف، أو تأويل.. وللتاريخ السوري القديم في الجولان، حكايا وقصص ونصوص حضارية عديدة مدفونة في باطن هذه الأرض التي أضاءت تاريخ حضارت وكيانات ودول وممالك وقبائل، ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية، قبل أكثر من سبعة آلاف عام، التي تحاول (إسرائيل) طمسها ومحوها وإعادة كتابتها وصياغتها من جديد.
تسعى (إسرائيل) أيضًا إلى تدعيم شرعية احتلالها للجولان المحتل، بروايات وكتابات توراتية، إذ تتعمد الآلة الإعلامية الإسرائيلية تحريف وتشويه الحقائق التي شهدتها أرض الجولان المحتل، من أحداث سياسية وعسكرية في التاريخ الحديث، كالأساطير التي صنعتها في مجريات أحداث حرب تشرين عام 1973، والمعارك الطاحنة التي خاضها الضباط والجنود السوريين، في معركة تل المخافي، حيث استطاع جنود وضباط الجيش السوري، في غضون ساعات معدودة، استعادتها والتقدم في عمق الجولان، وصولًا إلى مشارف بحيرة طبريا.
شهد تل المخافي أو تل المخفي (1055) بالقرب من الحفريات الإسرائيلية، معركة شرسة، طوال أربعة أيام، بين 6 و9 تشرين الأول/ أكتوبر، في منطقة تل شيخة (بالعبرية جبل حرمونيت) والحافة الجنوبية التي تُعرف باسم “تل المخفي” أو “خربة القطراني” و”ظهرة إبراهيم”، وشاركت فيها (الفرقة السابعة-مشاة) السورية، بقيادة اللواء عمر الأبرش، ولواءين مدرعين إسرائيليين: اللواء السابع، واللواء 188. وتعدّ معركة “تل المخفي” و”ظهرة إبراهيم” من أشهر معارك الدبابات في العالم، وسمّيت بمعركة “وادي الدموع”، لكثرة الدبابات التي شاركت فيها، ولكثرة أعداد المصابين من كلا الطرفين، وكان قائد كتيبة الدبابات السورية عمر الأبرش، والجنرال “أفيغدور كهلاني” قائد كتيبة الدبابات الإسرائيلية التي استطاعت استعادة تل المخافي، بعد أوامر الانسحاب التي فتحت الباب أمام الإسرائيليين للسيطرة الكاملة مرة أخرى على التل، وعلى إعادة احتلال الجولان وأراضي سورية جديدة، حتى الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1973، ونتج عن تلك المعركة إصابة 80 دبابة إسرائيلية، و300 دبابة سورية و500 عربة سورية.
الصورة: خريطة الموقع الذي حصلت فيه معركة تل المخفي، ويشير السهم إلى مكان المعركة، وهو إلى الشمال الغربي من مدينة القنيطرة.
(*) المصادر العسكرية:
مدافع أمام نيران سورية في حرب الغفران “اريه مزراحي” (ملف عسكري، 1973 جيش وأمن، أرشيف سلاح الدبابات في الجيش الإسرائيلي.
مقابلة العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم: “بعض خفايا حرب تشرين” على العربية، بمناسبة الذكرى الـ 38 لحرب تشرين/ أكتوبر 1973.
عمر الأبرش.. بطل حرب تحرير الجولان “بروفايل” الكاتبة: مروة محمد.
منتدى الجيش العربي Arab Army Forum: الأقســـام العسكريـــة – التاريخ العسكري – Military History – الشرق الأوسط – حرب أكتوبر.
أنفاق أرضية سورية في الجولان، (موقع الجولان الإلكتروني)، أيمن أبو جبل.
صور فوتوغرافية من موقع المرشد السياحي عوزي طابور (עוזי טאובר).
أيمن أبو جبل
[sociallocker]
جيرون