أتلانتيك كاونسل: سورية تغيرت كثيرًا؛ استراتيجية “حزب الله”: الاحتلال، التوطيد، التحضير للمعارك



أعلام “حزب الله” والحكومة السورية ترفرف على عربة مدرعة، في غرب منطقة القلمون، سورية 28 آب/ أغسطس 2017. الصورة عبر الأسوشييتد برس، عمر صناديقي.

لقد تغيّر الكثير منذ أن اجتمع الطرفان المتحاربان، في آخر جولة من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، الصيف الماضي؛ إذ انهزم “تنظيم الدولة الإسلامية”، في جميع معاقله الرئيسة، وضعف الثوار الذين سعوا إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد بشكل كبير، وانخرطت روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، في محادثات دبلوماسية على مستوى عال، أدت إلى تجميد خطوط الصراع، بشكل كبير.

الأهم من ذلك، تتجاهل الأمم المتحدة، في الوقت الراهن، القضية الخلافية المتعلقة بمستقبل الأسد في مرحلة ما بعد الحرب في سورية، وهي مسألة حالت دون وضع حد للحرب المدمرة في البلاد، في المحاولات السابقة.

في ضوء ذلك، يأمل الدبلوماسيون أن تكون الأطراف في سورية مستعدة أخيرًا، لإحراز تقدم في المحادثات التي بدأت رسميًا مع وصول وفد الحكومة يوم الأربعاء. وليس ثمة تفاؤل كبير بأن تحرز الجولة الحالية من المحادثات أي تقدم ملحوظ. مع ذلك، تختلف هذه الجولة عن المحادثات السبع السابقة.

التوقعات الواقعية

تلوح مسألة مستقبل الأسد في أفق سورية، لكنها دائمًا ما كانت تعرقل المحادثات في جنيف. وفي هذه المرة، يحاول المبعوث الأممي الخاص: ستيفان دي ميستورا، تجاهُل هذه القضية، والطلب من الطرفين أن يركزا على الإصلاحات الدستورية والانتخابات، بدلًا منها.

بالنظر إلى الإخفاقات السابقة في سجل جنيف؛ فإن حوارًا حقيقيًا بين الطرفين في هذه الأمور قد يمثل “خطوة مهمة إلى الأمام”، وفقًا لما قاله دبلوماسي أوروبي قريب من المفاوضات. قال الدبلوماسي الذي لم يكن مخولًا بالتحدث بشكل رسمي عن المفاوضات: “من الواضح أنها طريق بعيدة عن أي ضمان على رحيل الأسد، لكن أظن أن علينا اتخاذ خطوات صغيرة”.

في الواقع، إن الهدف المتواضع في موافقة الطرفين على الجلوس، على طاولة الحوار ومناقشة هذه القضايا، يمكن أن يسهم في دفع العملية الدبلوماسية، وفقًا لما ذكره وسيط سوري مقرب من المعارضة. ويمكن أن يؤخذ جدول أعمال لمناقشات لاحقة إلى مدينة سوتشي الروسية، حيث يقول الرئيس فلاديمير بوتين إنه يرغب في إقامة “مؤتمر للشعب السوري”؛ لمناقشة عملية سلام في سورية. وقالت وزارة الخارجية الروسية إنها ستعقد مؤتمرًا، في كانون الثاني/ يناير، أو شباط/ فبراير المقبلين.

تفضّل حكومة الأسد خوض المفاوضات في مدينة سوتشي، بما أن دعم روسيا العسكري والدبلوماسي للأسد بقي قويًا، مدة سبع سنوات من الحرب. وتقول المعارضة إنها لا ترى فائدة من بدء محادثات في مدينة سوتشي، عندما ترعى الأمم المتحدة محادثات في جنيف.

معارضة شاملة

تم توسيع وفد المعارضة، الأسبوع الفائت، برعاية من المملكة العربية السعودية، لتشمل فصائل تعدّها دمشق وداعموها مقبولة بشكل أكبر في المفاوضات، بما في ذلك “جماعة موسكو” التي قاومت المطالبات برحيل الأسد؛ ما يجعل المعارضة المجزأة والمشتتة تحضر المحادثات، كوفد موحد، لأول مرة.

قال رئيس وفد المعارضة نصر الحريري: إن إعادة هيكلة وفد المعارضة قد أزالت أي عذر من الحكومة السورية وداعمها الدبلوماسي الرئيس: روسيا، على الانسحاب من محادثات الأمم المتحدة. دعا وفد المعارضة الجديد إلى محادثات مباشرة مع وفد الحكومة، قائلًا إنه مستعد لخوض محادثات “غير مشروطة”، لكنه قال أيضًا إن هدفهم ما يزال دفع الأسد إلى التنحي عن السلطة. قد وُصفت جميع المحادثات السابقة تقريبًا بما يدعى بمحادثات بالوكالة، مع انتقال مبعوث الأمم المتحدة جيئة وذهابًا بين وفدي الحكومة والمعارضة.

قال أحمد رمضان، وهو عضو في وفد المعارضة السورية، عندما كانت المعارضة تضع الملاحظات الأخيرة وتراجعها من أجل تقديم وجهات نظر موحدة، فيما يتعلق بآليات صياغة الدستور، وإعلان دستوري للحكم في الفترة الانتقالية وآليات الانتخاب، قال: إن الحكومة تماطل لأنها تريد “إضاعة الوقت”. وتابع: إن دي ميستورا يقترح أن تستمر المحادثات حتى 15 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري. وأضاف: “كان هناك فجوات زمنية طويلة في المفاوضات، وعلينا أن ندخل في مفاوضات جادة، ونبدأ بها”.

خطوط النزاع المجمدة

شهد هذا العام مفاوضات مكثفة بين روسيا وإيران، الداعمَين الأساسيين للأسد، من جهة، وبين تركيا والولايات المتحدة والأردن، الدول التي دعمت المعارضة، من جهة أخرى. وقد جمدت المحادثات، على نحو فعال، خطوطَ المواجهة بين الحكومة والثوار؛ ما سمح للمعارضة الضعيفة بالسيطرة على بعض الأراضي في البلاد.

قد يكون للاتفاقات التي حددت أربع “مناطق لتخفيف حدة الصراع” في سورية، والتي عكست أيضًا الركائز الخارجية في الحرب، تأثيرٌ معتدل على القتال عبر موازنة القوى. ففي جنوب سورية، طالبت الأردن والولايات المتحدة و”إسرائيل”، بشكل غير مباشر، إيران، وهي أحد داعمي الأسد عسكريًا، بإبقاء الميليشيات التابعة لها وقواتها الخاصة بعيدًا من الحدود الإسرائيلية. وتقوم تركيا بتوسيع مؤسساتها العسكرية والسياسية والاجتماعية، داخل شمال سورية، وتؤسس ركائزها في البلاد.

لكن ما يزال الثوار يسيطرون على جيوب داخل مدينة حمص، ثالث أكبر مدينة سورية، وتُعد العاصمة دمشق نقطة حساسة للحكومة، حيث استولى الثوار على منشأة عسكرية، منذ أسبوعين، وقتلوا العشرات من المقاتلين المؤيدين للحكومة، بمن فيهم جنرال واحد على الأقل، في معركة في ضواحي العاصمة. وتؤدي قذائف الهاون التي تسقط على العاصمة إلى إضعاف رواية الحكومة بأن الوضع تحت سيطرتها. وقد كشفت المعركة عن عجز الحكومة في دفاعها عن نفسها، من دون الدعم القوي التي تقدمه كل من روسيا وإيران، وستبقى تشكل نقطة ضغط على دمشق طيلة فترة المحادثات.

هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية”

مع اقتراب هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” في سورية، يقول فلاديمير بوتين: “لم يعد هناك أي عذر، ويمكن للأطراف الآن التوجه نحو السلام”. وقال، الأسبوع الفائت، في مؤتمر قمة ثلاثي عُقد في مدينة سوتشي مع رئيس تركيا أردوغان، ورئيس إيران روحاني: “لقد تلقّى المتطرفون في سورية ضربة حاسمة، وهناك فرصة حقيقية لإنهاء الحرب الأهلية التي احتدمت طوال سنوات عدة”. وأضاف: “لن تكون عملية الإصلاحات سهلة، وستتطلب تنازلات وتسويات من جميع المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية”.

لكن المحللين يقولون إن الأسد غير مستعد لتقديم تنازلات، وبخاصة في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة. قال يزيد صايغ، زميل قديم في مركز (كارنيجي) للشرق الأوسط في بيروت: إن محادثات ترعاها روسيا قد تكون “تنازلًا لصالح النظام”.

قد تعني نهاية “تنظيم الدولة الإسلامية” بداية لمعركة جديدة، بين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، وهم الذين حاربوا تنظيم (داعش)، وبين الحكومة المركزية، ويجب معالجة هذا الأمر في المحادثات. لكن هذا الأمر تم إغفاله في الوقت الحالي، ولم يُدعَ الحزب الكردي المسيطر إلى المحادثات.

اسم المقال الأصلي Much has changed in Syria, Hezbollah’s Strategy: Capture, Consolidate, and Combat Preparation الكاتب Mona Al Alami منى العلمي مكان النشر وتاريخه Atlantic council

1 / كانون الأول 2017 رابط المقالة http://www.atlanticcouncil.org/blogs/syriasource/mona-alami/ ترجمة مروان زكريا


مروان زكريا


المصدر
جيرون