إسرائيل لن تسلم بالتواجد الإيراني في سورية



احيانا يجب معرفة كيفية الاصغاء لـ “بي.بي.سي”. قبل حوالي ثلاثة اسابيع كشفت شبكة التلفاز البريطانية صورا للأقمار الصناعية لموقع عسكري إيراني قيد البناء قرب دمشق. واستندت الشبكة إلى من سمتهم “جهات استخبارية” في الغرب. في هذا اليوم (السبت) وقبل ساعات الصباح تم قصف الموقع الإيراني بهجوم جوي. وهذا الهجوم نسبته وسائل الاعلام في سورية لإسرائيل.
كما هو معروف، ولأن اعمال انشاء الموقع لم تتم بعد، لم يكن هناك اشخاص كثيرون في ساعات المساء، ولهذا يبدو أنه حتى لو أصيبوا بسبب الهجوم، فإن عددهم كان سيكون قليلا نسبيا. القصف بالتوقيت الحالي يمكن تفسيره كإشارة من القدس لإيران ومن يستضيفها في سورية، نظام الأسد، وأيضا اشارة للدول العظمى.
في الهجوم الاخير لم يخف رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الأمن ليبرمان معارضتهما لترسيخ التواجد العسكري الإيراني في سورية.
حسب بيانات طهران، وتحليلات الجهات الاستخبارية في إسرائيل، يبدو أن الإيرانيين يريدون تنفيذ عدد من العمليات في سورية، في محاولة للحصول على جزء كبير من الغنائم بعد نجاح النظام في البقاء بعد الحرب الاهلية. وضمن امور اخرى، بدأوا بإنشاء مواقع عسكرية ونشر مليشيات شيعية بتمويلهم وحسب تعليماتهم وأجروا اتصالات بشأن اعطاء الموافقة على اقامة قاعدة جوية وميناء بحري.
ردا على كل هذه التطورات لم نسمع أي رد حقيقي من المجتمع الدولي، رغم احتجاجات إسرائيل. اضافة إلى ذلك، في الاتفاق على تقليص مناطق الاحتكاك في جنوب سورية والذي وقع في الشهر الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن تم تحديد مسافة قصيرة فقط للقوات الإيرانية والمليشيات التي تحت سيطرتها عن الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. المعنى العملية هو أن رجال حرس الثورة ومقاتلي المليشيات الشيعية (الشيعة من العراق وباكستان وافغانستان، إلى جانب رجال حزب الله) سيبقون على بعد قصير بين 5 – 20 كم من الحدود. من ناحية إسرائيل هذه ليست مسافة مناسبة. رئيس الاركان أيزينكوت قال في مقابلة قبل اسبوعين في موقع الانترنت السعودي “ايلاف” إن إسرائيل تطلب ابعاد الإيرانيين إلى ما بعد شرق شارع دمشق – السويداء، أي إلى بعد 50 – 60 كم من الحدود معها.
يبدو أن القصف المنسوب لإسرائيل جاء ليبين بأنها تعني حقا التهديدات التي نشرتها وأن استمرار تموضع إيران في سورية سيواجه بمعارضة عسكرية نشطة من جانب إسرائيل. الموقع الذي هوجم قائم في جنوب دمشق داخل المدى الأدنى الذي رسمه أيزينكوت في تلك المقابلة. سورية الآن في فترة الغسق. إن بقاء نظام الأسد تم ضمانه (على الاقل في حالة تعرض الرئيس لمحاولة اغتيال) بفضل دعم روسيا وإيران وحزب الله. هذا هو الوقت الذي يضعون فيه قواعد اللعب الجديدة. إسرائيل في عمليات سابقة نسبت لها بدت وكأنها تتدخل بالقوة في الاماكن التي تتجاهل فيها الدول العظمى التحذيرات التي نقلتها عبر القنوات الدبلوماسية ووسائل الاعلام.
حسب وسائل الاعلام السورية ردت بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات السورية على طائرات سلاح الجو. هذا رد سوري ثابت في الفترة الاخيرة، لكن يبدو أن دمشق حتى الآن لم تعلن عن أي نجاح في محاولة اصابة الطائرات.
السؤال الاهم هو كيف ستتصرف إيران على المدى البعيد – هل ستزيد جهود تموضعها وهل ستحاول المبادرة إلى فتح جبهة جديدة، بواسطة تفعيل خلايا ارهابية على طول الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان؟ لدى طهران هدف استراتيجي واضح – تفعيل “ممر بري” يربط بين إيران والعراق وسورية وحزب الله في لبنان. ربما أن تصعيدا عسكريا سابقا لأوانه مع إسرائيل لن يخدم الهدف. ولكن من الواضح الآن أن الطرفين يستمران في المراهنة حتى النهاية – الإيرانيون من خلال تموضعهم العسكري وإسرائيل من خلال الهجمات المنسوبة اليها.
السؤال الثاني الحاسم يتعلق بروسيا. رغم أن روسيا وإيران تعاونتا في الحرب في صالح الأسد، فإن العلاقات بينهما الآن أكثر تعقيدا. الجنرال احتياط جون الين، الذي قاد المعركة ضد داعش في سورية والعراق، الذي تم تعيينه مؤخرا رئيسا لمعهد بروكنغيز، قال أمس في مؤتمر منتدى سبان في واشنطن إن مصالح طهران وموسكو لم تعد متطابقة، منذ اللحظة التي بدأت فيها شدة الحرب تخفت. وهذا هو الانطباع في إسرائيل أيضا.
روسيا حتى الآن لم تحرك ساكنا من اجل احباط الهجمات المنسوبة لإسرائيل ضد قوافل السلاح لحزب الله والمنشآت الإيرانية في سورية، رغم أنها نشرت بطاريات صواريخ مضادة للطائرات متقدمة في غرب سورية. ويمكن الافتراض أنها تستطيع تشخيص أي حركة للطائرات الإسرائيلية في المنطقة. اذا كان التصعيد الحالي حقا يقلق موسكو فهي تستطيع محاولة تسوية قواعد اللعب الجديدة في جنوب سورية، لكن حتى الآن لم يحدث ذلك.

(*) كاتب “إسرائيلي”


الغد


المصدر
جيرون