مواجهة إيران تبدأ من سورية



بسبب سياسة التلاعب التي تمارسها الإدارة الأميركية في تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» ضد إيران، فإن المواجهة الحقيقية للعدوان الإيراني على دول المنطقة بدأت تفقد فعاليتها. ويقول تقرير جديد يتعلق بأسباب فشل تلك الخطة إن من الأمور الأكثر استعجالاً، التي تعزز عزم الإدارة الأميركية على التصدي للسلوك الشرير لإيران في المنطقة، أن تسارع إلى وضع عقبات ومصاعب حقيقية أمام سعي طهران لتحقيق نصر كامل مع نظام الأسد في سوريا. وقد أصبح عامل الوقت حاسماً في هذه القضية بعد أن تمكنت القوات المدعومة من إيران من السيطرة على كل الأراضي السورية، فيما عدا تلك التي تم تحريرها من قبضة «داعش» عن طريق التحالف الدولي المدعوم من قبل الولايات المتحدة. ويمكن لمثل هذه المكاسب التي تحققها إيران أن تهدد بتقوية مركزها في سوريا ما بعد الحرب، وأن تفرض سيطرتها على «الخط البري» الذي يصل إيران مباشرة مع لبنان و«حزب الله».
وجاء في التقرير أيضاً أن الولايات المتحدة تحتاج لوضع استراتيجية متماسكة وحضور عسكري يمكنه أن يتطلع إلى ما وراء السقوط النهائي الوشيك لتنظيم «داعش»، وأن تقف في وجه الأهداف التخريبية التي تسعى طهران إلى تحقيقها في سوريا، واستعادة مناطق النفوذ التي سيطرت عليها إيران. ومن شأن انتصار يحققه الأسد، بدعم من روسيا وإيران، أن يقوض مصداقية الولايات المتحدة ومدى انخراطها في المنطقة، ويعزز من وضع طهران كقوة مؤثرة في الشرق الأوسط. وبسبب هذا الوضع، أصبحت نتائج النفوذ الإيراني المتزايد عبئاً على المنطقة، وقد أعلن رئيس وزراء لبنان أن تدخل إيران في شؤونه هو السبب الحقيقي لاستقالته. ووصل هذا النفوذ إلى اليمن، وارتكب أحدث جرائمه عندما أقدم فريق من إرهابيي جماعة الحوثي على إطلاق هجوم صاروخي على المملكة العربية السعودية مؤخراً.
ويعتبر غياب أي خطة دبلوماسية أو استراتيجية إقليمية دليلاً على افتقاد وزير الخارجية ريكس تيلرسون للمكانة والنفوذ في إدارة ترامب، فضلاً عن كون هذه الإدارة تواصل تهميش وزارته وإضعافها. وخلافاً لما كان عليه حال كل وزراء الخارجية الذين سبقوه، يبدو تيلرسون وكأنه قد أذعن لعمليات تفتيت وتهميش وزارته، وتسبب في إضعاف الروح المعنوية لموظفيه عندما أطلق حملة لإحالة كبار موظفيه إلى التقاعد، وهو الإجراء الذي أدى إلى تراجع النفوذ الأميركي في العالم. وفي الظرف الراهن، نشهد الآن النصر العسكري المؤزر الذي يتحقق ضد تنظيم «داعش».
ويكمن خطأ ما جرى في سلوك إدارتي أوباما وترامب. وذلك لأنه لم يصدر عن فريق أوباما أي تعهد على الإطلاق يقضي بتقديم دعم للثوار غير المتطرفين. وكان مما أضرّ بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة أيضاً فشل إدارة أوباما في فرض احترام الخط الأحمر ضد استخدام الأسلحة الكيماوية الذي فرضه على نظام بشار الأسد في عام 2013، بعد أن أعلنت إيران أنها ستنسحب من المحادثات النووية التي كانت قد انطلقت لتوّها إن بادرت الولايات المتحدة بتنفيذ تهديدها ضد الأسد. ثم جاء ترامب ليزيد من سرعة تراجع ما تبقى من النفوذ الأميركي في المنطقة عندما اعترف هو أيضاً بقوة النفوذ الروسي والإيراني في سوريا.
ويقول التقرير إن نجاح وحدات العمل في التصدي للنفوذ الإيراني يتطلب تحقيق هدف يتألف من ثلاثة أجزاء. ويقضي الأول بأن على الولايات المتحدة وشركائها أن يعززوا وجودهم العسكري على الأرض (حيث يوجد الآن نحو 2000 جندي أميركي) وفي أجواء سوريا من أجل ضمان الأمن في مرحلة إعادة البناء، والتصدي لأي محاولة مقبلة من تنظيم «داعش» أو قوات الأسد لاستعادة السيطرة على سوريا كلها. وبشرط أن تتمكن هذه القوات من الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم قد تتعرض له. ثانياً، على الولايات المتحدة أن تساعد «قوات سوريا الديمقراطية» على الاستقرار والدفاع عن المناطق التي تنجح في تحريرها من تنظيم «داعش» من أجل منع الأسد والتنظيم الإرهابي من إعادة السيطرة عليها. وسيساعد ذلك على تعزيز سلطة «قوات سوريا الديمقراطية» وعلى تشكيل صورة واضحة للموقف السياسي بعد انتهاء الحرب. ثالثاً، يجب أن تتعاون الولايات المتحدة مع حلفائنا التقليديين على منع نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا، وأن تعمل على تطوير سياسة أكثر صرامة لقطع الطرق البرية بين العراق وسوريا من أجل الحد من قدرة إيران على تعزيز وجودها العسكري في سوريا ومنعها من تزويد عملائها بالسلاح. ويدعو التقرير الإدارة الأميركية للعمل مع الحلفاء على تعزيز الإمكانيات الدفاعية ضد سعي إيران لنشر صواريخها في المنطقة. ومما يزيد القلق أكثر من أن تواصل إيران جهودها لإرسال صواريخ متطورة إلى «حزب الله» أو تؤسس لبناء تلك الصواريخ في سوريا ولبنان.

(*) كاتبة أميركية


الاتحاد


المصدر
جيرون