دراسة لـ (حرمون): التنمية البشرية في سورية قبل الثورة خلّبية



توصّلت دراسة اقتصادية صادرة عن (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، بعنوان (مؤشرات التنمية في سورية، قبل الثورة وبعدها)، إلى أن التنمية بشكل عام، في سورية ما قبل الثورة، لم تكن متسقة مع التنمية البشرية؛ ما يعني أنها كانت خلّبية مسيّسة، هدفها الرئيس حماية النظام ومصالحه، ويبرهن ذلك على أن النظام لم يتوانَ عن نسف أي خطٍّ متصاعد يعارض كيانه.

“لا يمكن الجزم بأن سورية لم تحقق معدلات نمو ومؤشرات تنمية، خلال سنوات ما قبل الثورة، -بالحد الأدنى على أقل تقدير- لكنَّ الاعتمادَ على قراءة واقع التنمية واتجاهها، استنادًا إلى الأرقام التعميمية، في ظل غياب أي ممارسة ديمقراطية وغياب مطلق للحرية الفردية وحقوق الإنسان؛ جعل تلك المؤشرات محض (خطاب تنموي)، وُظِّف -داخليًّا وخارجيًّا- لمصلحة السلطة السياسية وأهوائها، إضافة إلى عدم التفكير بعملية (تنمية سياسية) إلا في إطار المساحة الضيقة للحزب الحاكم، ومن يدور في فلكه”.

تطرّقت الدراسة إلى مفهوم التنمية البشرية بشكل عام، لتشتقّ منه لاحقًا مؤشرات لقياس التنمية في سورية، قبل الثورة وبعدها: “تعرّف (الأمم المتحدة) التنمية البشرية بأنها عملية تتضمن توسيع خيارات الناس. ويُحَقق ذلك بتوسيع القدرات البشرية في المستويات كافة. والقدرات الرئيسة الثلاث للتنمية البشرية هي: أن يحيا الناس حياة مديدة وصحية، وأن يحظوا بالمعرفة، وأن يتمتعوا بمستوى لائق من المعيشة”.

تترافق التنمية البشرية وتتكامل مع التنمية المادية بالضرورة، فحاجات الأفراد المختلفة تُلبّى، من خلال الخدمات المتوافرة والمتاحة أمامهم. وتتداخل متغيرات (مؤشرات) التنمية البشرية ومراحلها في ما بينها، بحيث تؤسّس للسلوك المجتمعي والتنموي للفرد مع مراحل حياته: “على الرغم من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، في كثير من البلدان التي عانت طويلًا شحًا في الموارد، وتراجعًا في النمو، فإنّ ذاك النموّ لم يكن له أثر واضح في (مستوى الحياة)، لدى الأفراد في هذه البلدان، ومنها بلداننا بطبيعة الحال. بل شهد عدد من هذه المجتمعات تزايدًا في مشكلات الصحة والتعليم ونقص الموارد المالية.

اعتمدت الدراسة، في قياسها للتنمية البشرية في سورية، على 4 مؤشرات بالاستناد إلى أدبيات التنمية المختلفة، وهي: “أولًا: اكتساب المعرفة والمهارات المكتسبة وإكسابها (مستوى التعليم)؛ ثانيًا: العيش حياة مديدة وصحية (أمد الحياة عند الولادة/ العمر المتوقع)؛ ثالثًا: تحقيق مستوى لائق من المعيشة (الدخل القومي الإجمالي للفرد) رابعًا: التمتع بحقوق الإنسان إلى الحد الأقصى الممكن”.

بالنسبة إلى التعليم، بوصفه المؤشر الأول لقياس التنمية البشرية، أكدت الدراسة أن التطور الملحوظ في التعليم، في سورية ما قبل الثورة، لم يكن شفافًا، وكان كميًا لا كيفيًا: “على الرغم من إصابة التعليم في سورية قبيل الثورة تقدمًا ملحوظًا؛ فإن بقاء بنية النسق التعليمي مربوطًا بالنسق الأمني، كمخرجات بالدرجة الأولى، تذهب بالتطور النسبي لهذا المؤشر قبض الريح. مع انطلاق الثورة واستمرارها وعنف النظام المتزايد الذي أنتج موجة كبيرة من النزوح الداخلي، كان قطاع التعليم واحدًا من أهم القطاعات التي أصابها العطب والضرر”.

أشار تقرير صادر عن منظمة (يونيسف) إلى “أن 2.8 مليون طفل تركوا مدارسهم؛ نتيجة تدميرها أو هربهم من مناطق القتال، أو لتوجههم نحو سوق العمل لإعالة أسرهم، وأشار التقرير إلى أن نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي انخفضت من 98 في المئة عام 2011، إلى 70 في المئة عام 2014، وليصل إلى ما دون 50 في المئة عام 2015، نتيجة تصاعد حدة القتال، وهجرة كثير من الأسر السورية إلى الخارج من جهة ثانية”.

وفقَ الدراسة، فإن تلك الأرقام “تشير إلى أن السياسة التنموية التي كانت معتمدة قبل الثورة لم يكن هدفها الارتقاء بمستوى المواطن السوري، بقدر تصدير مؤشرات خلّبية للمنظمات الدولية، فحين تعارض النسق الأمني مع التعليمي، وبات مهددًا؛ جرت التضحية بالثاني، من دون تفكير أو حسبان، وهذا يعيدنا إلى سطوة القطاع العسكري والأمني على مقدرات الحياة السورية. وعلى الرغم من سياسات التعليم، خلال العقود المنصرمة الهادفة، لتوفير فرص أفضل لوصول التعليم إلى الشرائح كافة، فإن غياب البنية الديمقراطية الداعمة للسياسات التعليمية أفرز مخرجات كمية من دون النوع، واعتماد مؤشرات زائفة تستند إلى الأرقام الضخمة، حول الاستيعاب وجمهور المتعلمين، من دون أن يكون هناك تقدم في مستوى بنية المناهج التعليمية؛ فاستمرت سياسة التعليم التلقينية تؤسس لمخرجات تقليدية في العمل والوظائف والعلاقة مع النظام القائم”.

فصّلت الدراسة باقي المؤشرات المُعتمدة لقياس التنمية البشرية، وخلُصت إلى أن النظام فرّط بكل تقدم وازدهار، في سبيل حفاظه على البقاء، أما المؤشر الأخير المتعلق بحقوق الإنسان الذي لم يتصاعد يومًا في عهده، فإنه تدهور بعد الثورة إلى مستويات قياسية “كشفت الثورة السورية خلّبية الأرقام والمؤشرات وزيفها، فبعد عمليات ممنهجة في إفشال عمليات التنمية في مدى عقود، لا سيما في شمال سورية وشرقها وشمالها الشرقي، جرت التضحية بـ (منجزات) التنمية لحساب بقاء السلطة، وعدم التنازل عن مكاسب سياسية واقتصادية لها. وهو ما نلمسه من انهيار قطاعات الدولة ومؤسساتها، من دون اكتراث من السلطة السياسية والأمنية القمعية القائمة -حتى الآن- في البلاد”.

الجدير ذكره أن الدراسة من إعداد حسام السعد، مدير وحدة الأبحاث الاجتماعية في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) وطلال مصطفى، الباحث في وحدة الأبحاث الاجتماعية في مركز (حرمون)، ونُشرت في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2017، عن وحدة الدراسات الاقتصادية.

رابط الدراسة: https://harmoon.org/archives/7299


آلاء عوض


المصدر
جيرون