‘مركز كارنيغي موسكو: “تنظيم الدولة الإسلامية” ينتقل، فهل ستصبح سيناء قاعدة جديدة للإرهاب العالمي’
5 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
المحتوى
خلاصة موجزة ………………………………..1
مقدمة………………………………………..2
الصراع على المناطق…………………………..3
البدو والفراعنة…………………………………4
خلاصة موجزة
أظهر العمل الإرهابي الأخير والأكبر، في تاريخ مصر، أن سيناء الآن واحدة من أكثر مناطق العالم جاذبيةً للإرهابيين. لدى “القاعدة” و”تنظيم الدولة الإسلامية” خطط كبيرة بالنسبة إلى هذه المنطقة، قليلة السكان والتي لها سواحل طويلة مفتوحة. وإذا لم يقم الجيش المصري بالإصلاحاتٍ الضرورية؛ فإن شبه جزيرة سيناء ستغدو بديلًا مشابهًا للموصل والرقة، ينشر عدم الاستقرار في أرجاء الشرق الأوسط.
مقدمة
في حين يتم في سورية احتساب الأيام الأخيرة لإلحاق الهزيمة النهائية بـ “تنظيم الدولة الإسلامية”، يثبت الإرهاب العالمي أنه لا ينوي الاختفاء. فبعد الانتهاء من صلاة الجمعة في مسجد الروضة في مدينة بير العبدا، كانت سيارات الجيب لاندروفر تجوب الشوارع بالأعلام السوداء، وبعد ثوان قليلة سمع صوت انفجار قوي، أعقبه آخر، ثم انفجاران متزامنان، وآخر في النهاية. أعقب الانفجارات إطلاق نار كثيف من الرشاشات، اختلط بصراخ الرجال وبكاء الأطفال.
كانت حصيلة العملية مقتل 305 ضحية، وجرح أكثر من 150 آخرين. ودخلت البلدة المغمورة التاريخَ، بصفتها المكان الذي ارتُكب فيه أبشع عمل إرهابي في تاريخ مصر. نفى “تنظيم الدولة الإسلاميّة” علاقته بالهجوم، لكنّ كل شيء، حتى الآن، يشير إلى أن هذا التنظيم قد يكون وراء هذه الجريمة.
الحرب للسيطرة على سيناء تدور منذ سنوات، ولم تتوقف يومًا واحدًا. على الرغم من جميع تصريحات العسكريين المصريين، التي تؤكد أن الوضع في سيناء يتحسن، والتي يحصون قتلى الإرهابيين، ويتحدثون عن تدمير قواعد الإرهابيين؛ فإن وسائل الإعلام العالمية تذكر الأحداث الكبيرة فقط. في حين تجري عمليات ضد مراكز الشرطة، وتشن هجمات على قواعد الجيش والمؤسسات الحكومية بشكل يومي.
على الرغم من ذلك، لم تحدث تغيرات جوهرية في مقاربة السلطات المصرية، في ما يتعلق بحماية المراكز التي يتجمع فيها مئات بل آلاف المواطنين. فعلى سبيل المثال، لم يحظ مسجد الروضة بأي حماية، ولم تستطع الحواجز الكثيرة التي يعبر منها البدو المحليين بصعوبة كبيرة، اكتشافَ المجموعة الإرهابية التي تجاوز تعدادها العشرات من المسلحين، على متن عدة سيارات.
الصراع على المناطق
كان الهجوم الإرهابي في (بير العبدا) الأوسع، ولكنه لم يكن الأول في سيناء. فمنذ عام ونصف تقريبًا، وجدت مدينة (الشيخ زويد) جثثًا مقطوعة الرأس، بتوقيع (داعش). كما سبق للإرهابيين أن هاجموا كنائس ومستشفيات ومجموعات سياحية ومحطات مترو…
فور وقوع الحادث، قال الخبراء إن مسجد الروضة كان مسجدًا صوفيًا. ولكن المصلين لم يكونوا صوفيين فقط، بل مسلمين عاديين، لا يمتون بصلة إلى الصوفية. بحسب وجهة نظر “تنظيم الدولة”، فإن الصوفيين ليسوا بمسلمين. ويعتبرون مع الشيعة مرتدين عن العقيدة، ولا يجب الرأفة بهم. ومع ذلك، لم يسبق أن تعرض أي مسجد من مساجد الصوفيين في مصر للهجوم، (خلافا لليبيا).
كان الكثيرون من بين المصلين -الصوفيين وغيرهم- من قبيلة “السفاركا” الأكثر قوة وعددًا، في سيناء، وهي المعروفة بتعاونها مع “القاعدة” في البداية، ثمّ مع فرع “تنظيم الدولة” المحلي. وفقًا لمعلومات وسائل الإعلام المصرية، استطاعت قوات الأمن المصرية، في الفترة الأخيرة، استمالة بعض زعماء القبيلة إلى جانبهم، وحرمان الإرهابيين من دعم السكان المحليين.
يستحيل التأكد -عمليًا- أكان الأمر هكذا أم لا، فشمال سيناء منطقة مغلقة منذ عدة سنوات، في وجه الصحفيين والمراقبين الدوليين. وإذا ما صدقت رواية تغيير القبيلة ولاءها؛ أمكَننا القول بثقة إن العمل الإرهابي، هو انتقام من الخيانة. فلا أحد يخرج من تحت نفوذ “تنظيم الدولة الإسلامية” بلا عقاب.
إلى جانب الحرب على الإرهاب، تدور في سيناء حرب أُخرى، بين مجموعتين إرهابيتين: “تنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة”. على الرغم من الهزيمة التي لحقت بها في العراق وسورية، لم توقف القاعدة نشاطها، ولم تقبل الخضوع لـ “تنظيم الدولة الإسلامية”، متذرعة بتباين المواقف الأيديولوجية. وقد ساعدت الحدود البرية والبحرية لسيناء التي لا تخضع لرقابة جيدة، في تدفق الأسلحة الحديثة من ليبيا إلى سيناء، وكذلك وصول الرجال من كافة مناطق الشرق الأوسط، من غزة إلى العراق.
فهل كان هذا العمل الإرهابي مرحلة جديدة، في الصراع بين الوحشين، أحدهما أصبح قويًا على حساب الآخر، بعد توارد جهاديين جدد من بين أنقاض الموصل والرقة؟ وهي يمكن أن تتحول شبه جزيرة سيناء، حيث لم يتمكن الجيش المصري، خلال أعوام، من وضع نهاية لنشاط الإرهابيين، إلى نسخة جديدة من الخلافة الزائفة؟ من الواضح أن الجهاديين الذين لم يقضَ عليهم تمامًا في سورية والعراق، يجدون ملاذًا آمنًا في شبه الجزيرة المترامية الأطراف، ولكن لن يكون بمقدورهم هنا (خلافًا لسورية والعراق) الاستيلاء على المدن والموارد، ثم تكرار نموذج “تنظيم الدولة الإسلامية” على الأرض المصرية.
من الممكن جدًا، أن إرهابيي “تنظيم الدولة” الذين لن يتمكنوا من السيطرة على مناطق ومدن وعلى السكان، سيجربون في سيناء الصيغةَ القديمة والمجربة في أفغانستان: الأرض ليست مهمة، بقدر العملية نفسها. أي أنّهم سيقومون بأعمال إرهابية ضد “الكفرة”، وعلى رأسهم تأتي الأنظمة العربية، بحسب أيديولوجيا “تنظيم الدولة الإسلامية”.
في شهر تموز/ يوليو عام 2015، انتهت محاولة السيطرة على بلدة (شيخ زويد) بمجزرة دموية، وأصبح واضحًا، بعد مرور يوم واحد، أن الإسلاميين لن يتمكنوا من الاحتفاظ بالبلدة تحت سيطرتهم، ومن يومها لم يكرروا المحاولة. وعلى ما يبدو تمّ شطب هذا التكتيك من أولويات الإرهابيين في سيناء. إلا أن تغيير التكتيك لا يعني أن “تنظيم الدولة الإسلامية” لن يتمكن من الرسوخ في سيناء، وجعلها مركز عملياته في الشرق الأوسط. الأمر يرتبط بقدرة الجيش المصري على عزل الإرهابيين، والحيلولة دون تغلغلهم بين السكان المحليين.
البدو والفراعنة
قبل “الربيع العربي” بوقت طويل، عندما كان ملايين سكان الشرق الأوسط يحتجون ضد الأنظمة الفاسدة في بلدانهم، كانت تدور حروب المخدرات في مناطق شمال سيناء، بين تجار المخدرات، المهربين والجيش المصري. وطوال هذه المدة، لم تتمكن السلطات المصرية المركزية في القاهرة من إيجاد لغة مشتركة مع بدو سيناء.
تعدّ القاهرةُ سيناءَ، وخصوصًا الجزء الشمالي منها، مصدرًا استثنائيًا للمشكلات. ولم تخصص السلطات المصرية الموارد الكافية لتطوير وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات، كما لم تصل حمّى الساحة إلى تلك المناطق. وكان سكان سيناء المحليون يطلقون على المصريين، في الجانب الغربي من قناة السويس، تسمية” الفراعنة”، عادّين إياهم غرباء. أما في القاهرة، فكانوا ينظرون بازدراءٍ إلى البدو الذين تمسكوا بحياة الرعي والتنقل. في أعوام الألفين، عندما رفع الإسلام المتطرف رأسه، وصلت موجته إلى سيناء أيضًا. وفي عام 2004-2005، تبين بوضوح أنّ بعض القبائل تتعاون مع “القاعدة”، وتقدم لعناصرها المأوى والملجأ. بالطبع ليس من دون مقابل.
بعد بداية “الربيع العربي”، عندما عمّت الفوضى مصر؛ ظهر في سيناء أسياد جدد. تمثل السادة الجدد بالتنظيمات الإرهابية المسماة “أنصار بيت المقدس”، التي راحت تهاجم القواعد العسكرية ومراكز الشرطة، ومن ثمّ أنابيب الغاز الممتدة بين مصر و”إسرائيل”.
وعندما برز على الساحة السياسيّة المصرية الجنرال القوي عبد الفتاح السيسي، كرئيس هيئة الأركان في البداية، وكوزيرٍ للدفاع فيما بعد؛ صار السيسي يسافر إلى سيناء شخصيًا ليلتقي بالجنود، وليعلن لاحقًا عن بدء عملية “النسر” للقضاء على الإرهابيين، في عام 2012.
بعد الحصول على إذنٍ “إسرائيل” (نصّ اتفاق كامب ديفيد على تواجد أعدادٍ محددة)، أدخل الجيش المصري وحدات عسكرية إضافيةً، ثم آلياتٍ ثقيلة، إلى شمال سيناء. أعلنت الحرب على حركة (حماس) الفلسطينية، وتمّ تنظيف الشريط الحدودي بين قطاع غزة وسيناء، وأزيلت عشرات المنازل على الجانب المصري من رفح.
يتعرض الإرهابيون لقصفٍ جويٍّ، ومن الأسلحة الثقيلة بشكلٍ منتظم، ويتمّ اصطيادهم في الصحاري، ولكن الأوضاع لم تصبح أكثر هدوءًا. على العكس من ذلك، يقوم “تنظيم الدولة الإسلامية”، بين الحين والآخر، بقصف منتجع إيلات الإسرائيلي، في إشارةٍ إلى أنّ الأمر سيتصاعد أكثر مستقبلًا، مع أنّ “إسرائيل” ليست الآن على أولويات الجهاديين. فالصواريخ عمومًا، تواجه بـ “القبة الحديدية”، ومع ذلك الخطر على سيناء يصبح حقيقةً، بالنسبة إلى كلٍّ من مصر و”إسرائيل”. وتقدّم “إسرائيل” لمصر المساعدة العسكرية، وتزودها بالمعلومات الاستخباراتية، وترد بالإيجاب على طلبات مصر لزيادة قواتها في شمال سيناء.
غير أنَّ حلّ مشكلة سيناء، يتم بتطهيرها من الإرهابيين، وبتحسين وضع السكان المحليين. في حين ترّحب قوات الأمن المصرية باستخدام القوة ضد الإرهابيين أنفسهم، وضدّ من يخفيهم، ولكنّ القاهرة تبدو غير مستعجلة في بذل الجهود لتطوير واقع المنطقة الاجتماعي والاقتصادي.
تخصص واشنطن مساعداتٍ عسكرية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار سنويًا، وتتساءل اليوم: لماذا تذهب هذه الأموال إلى تطوير أنظمة جمع المعلومات وأجهزة الاستخبارات، وليس لشراء طائرات حديثة وغواصات. فحتى الآن، لم تساهم هذه المعونات لا في تحسين الأمن في سيناء وعلى الحدود مع ليبيا، ولا في مناطق مصر العليا. أمّا روسيا، فلم تفتح سماءها لرحلات الطيران إلى مصر، وإذا ما استطاع “تنظيم الدولة الإسلاميّة” التمركز بشكلٍ ثابتٍ في مثلث (العريش- رفح- شيخ زويد)؛ فإنّ الحديث عن السياحة سيتم نسيانه فترة طويلة.
سيناء -اليوم- واحدة من أكثر مناطق العالم جاذبيّةً للإرهابيين. لدى “القاعدة” و”تنظيم الدولة الإسلاميّة”، خطط كبيرة بالنسبة إلى هذه المنطقة، قليلة السكان والتي لها سواحل طويلة مفتوحة. وإذا لم يقم الجيش المصري بالإصلاحاتٍ الضرورية؛ فإنّ شبه جزيرة سيناء ستغدو بديلًا مشابها للموصل والرقّة، لتنشر عدم الاستقرار في أرجاء الشرق الأوسط. علاوةً على ذلك، يقدّم قطاع غزّة الفلسطيني المجاور كلّ الإمكانات في هذا الاتجاه.
اسم المقالة الأصلية
ИГИЛ переезжает. Станет ли Синай новой базой международного терроризма
كاتب المقالة
كسينيا سفيتلوفا
مكان وتاريخ النشر
مركز كارنيغي موسكو/ 28 تشرين ثان 2017
رابط المقالة
http://carnegie.ru/commentary/74835
ترجمة
سمير رمان
سمير رمان
[sociallocker]
جيرون