مواقف “حماس” الأخيرة مناورة أم انتهازية سياسية؟



شكلت المواقف الأخيرة لـحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مدخلًا جديدًا، لقراءة طبيعة المواقف السياسية للفصائل الفلسطينية، والقواعد الحاكمة لبناء تحالفاتها في المنطقة، في ظل الأوضاع المتفجرة، لا سيما تلك المواقف المتعلقة بالصراع السوري، ومن أبرزها إعادة ترتيب الحركة لأوراق تحالفها مع طهران، وإعرابها عن الاستعداد لتصحيح علاقاتها مع النظام السوري، وأخيرًا رفض القرار العربي بتصنيف (حزب الله) كجماعة إرهابية.

 براغماتية أم انتهازية سياسية

انقسمت وجهات النظر الفلسطينية، حيال مواقف (حماس)، بين من يرى أن الحركة تتبنى براغماتية مبررة، نظرًا إلى أوضاعها الصعبة والمعادلات السياسية المتقلبة في المنطقة، وفق التحالفات المرتبطة بالصراع المتواصل في أكثر من بلد عربي، وارتباطاته الإقليمية والدولية، وأخرى ترى أن ما تفعله (حماس)، وغيرها من الفصائل الفلسطينية، مؤشر واضح على انتهازية سياسية، يدفع ثمنها أولًا أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية.

يقول الناشط باسل أبو عمر من مخيم اليرموك، لـ (جيرون): “عن أي براغماتية نتحدث؟ هل تقتضي البراغماتية الانحياز إلى جانب القتلة؟ ما المنفعة التي عادت على القضية الوطنية الفلسطينية نتيجة مواقف الفصائل؟ ربما كان من الممكن فهم هذه التكتيكات على أنها براغماتية مبررة، لو أنها لم تلتصق بمواقف محورٍ يمارس كل أنواع الإجرام بحق الشعب السوري، لم يكن مطلوبًا من الفصائل الفلسطينية تبني الأهداف السياسية للثورة السورية، لكن بالتأكيد من المعيب أن تدافع عن خيار أنظمة الاستبداد والقمع”.

أضاف: “كان من الممكن أن نعدّ نهج (حماس)، وغيرها من الفصائل الفلسطينية، براغماتية سياسية؛ لو أنها وقفت ضد تدمير المخيمات في سورية، وقتل وحصار وتجويع وتهجير أبنائها، لو أنها استغلت علاقاتها الإقليمية والدولية لوقف المقتلة، لكنّها لم تفعل، بالتالي هذه المواقف هي تعبير عن انتهازية سياسية مبالغ فيها، للحفاظ على مكتسبات سلطة وهمية في الضفة والقطاع، وهي تؤشر بشكل واضح إلى مدى التهتك الذي أصاب الوطنية الفلسطينية، والوعي الجمعي الذي تشكل أساسًا من أفكار الحرية والدفاع عن الكرامة والتمسك بالأرض، وفق صورة رسمتها رمزية الفدائي الفلسطيني، على مدى عقود”.

من جانب آخر، قال عصام البيطاري القيادي في (تجمع أبناء اليرموك) سابقًا، لـ (جيرون): “أعتقد بأن كل ذلك تفصيلٌ صغير في جملة أحداث مصيرية، كشفت بأننا -على مدار أكثر من 100 عام- لم نستطع بلورة أي مشروع وطني، وانحسرت الإنجازات في تغول أنظمة حكم فتتت الدولة القطرية، وأنهَت أي إمكانية للعب أدوار مؤثرة في الساحة الإقليمية والدولية، هذه الأنظمة هي التي مهدت الطريق أمام إيران و(حزب الله)، لحمل شعار المقاومة والمتاجرة بالشعب العربي وآلامه وآماله، أما الأدوات التي التحقت بتلك الحقيقة، فهي مجرد تفاصيل، كانت أساسًا من صنع أنظمة لا وطنية”.

أوضح البيطاري أن “موقف (حماس) الأخير من القرار العربي، حول اعتبار (حزب الله) جماعة إرهابية، هو ردة فعل على واقع هشّ، إذ لا أهمية لقرار الجامعة العربية بل لا أهمية للجامعة نفسها، لأنها نتاج أنظمة فاسدة مستبدة، لم تستطع يومًا أن تتصدى بشكل حقيقي للمخاطر المحدقة بالشعب العربي، وجعلت جلّ اهتمامها الحفاظ على عروشها، ومواجهة شعوبها بالنار والحديد، وأفقرتهم وأغرقتهم بالجهل والعوز، هذه الأنظمة تركت العراق وسورية واليمن ولبنان، لإيران وأعوانها، ومن قبل ذلك، تركت فلسطين تواجه مصيرها وحدها، هذه الأنظمة حولت ربيع الشعوب العربية إلى جحيم أسود”.

“حماس” تتصرف وفق خصوصية الوضع الفلسطيني

تذهب بعض الآراء الفلسطينية إلى أن مواقف حركة (حماس) وغيرها من الفصائل، تنبع من تعقيدات الوضع الفلسطيني، وهو ما يتطلب قراءتها بقليل من الإنصاف، وعدم أخذها بردات فعل متطرفة، لا تراعي المظلومية للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل استرداد أرضه وإقامة دولته المستقلة.

في هذا الصدد، قال مصدر فلسطيني -فضل عدم الكشف عن اسمه- لـ (جيرون): “ليس من الإنصاف ظلم (حماس) بناء على موقفها الأخير الذي له مبررات عديدة، قد نتفق أو نختلف معها، والحركة -بالمجمل- لم تتبنّ مواقف أضرت بالشعب السوري وأهدافه التحررية”، مشيرًا إلى أن “(حماس) وغيرها من الفصائل تعيش ظروفًا سياسية خاصة شديدة التعقيد، ومواقفها مبنية أساسًا على حل الدولتين، محل الإجماع الوطني الفلسطيني والدولي، وذلك يتطلب من (حماس) مناورات سياسية وصياغة تحالفات، تتبدل وتتغير وفق تلك الظروف ومقتضياتها”.

أضاف المصدر: “هذا لا يعني أنه ليس لدينا العديد من الانتقادات لسياسة وتكتيكات (حماس) وغيرها من الفصائل، ولكن من غير المبرر أيضًا أن يتخذ البعض من الموقف الأخير ذريعةً للحط والتقزيم من تضحيات الفلسطينيين، وذريعة لمهاجمة فلسطين”.

اختلف أبو عمر مع الرأي السابق، مشيرًا إلى أن مثل هذا الكلام ينطبق عليه توصيف “محامون فاشلون لقضية ناجحة وعادلة، هل يعتقد البعض أن ذاكرتنا مثقوبة!”. وأشار إلى أنه “في بدايات الحراك الثوري السوري عام 2011، بدأت المتاجرة بالقضية الفلسطينية من فصائل دمشق، لتبرير إجرام النظام السوري، وحشدت تلك الفصائل المئات من أبناء مخيمات سورية، وذهبت بهم إلى الجولان المحتل، وعند تشييع الشهداء؛ هاجم المشيعون الغاضبون مقر الخالصة التابع لـ (القيادة العامة) في مخيم اليرموك، وأحرقوه بالكامل، بعد إطلاق النار عليهم من عناصر الأخيرة، في اليوم التالي، عندما خرج أحمد جبريل على الإعلام السوري، يتهم أبناء المخيم بالعمالة لـ (إسرائيل) والتيار الدحلاني، على حد تعبيره، كان موسى أبو مرزوق (حماس) على يمينه، ورمضان شلح (جهاد إسلامي) على يساره”.

تابع أبو عمر: “كفانا تعمية على الوقائع.. هذا لن يفيد، نحن بحاجة إلى مواجهة الحقائق، وإعادة ترتيب أوراقنا من جديد، بعد أن تحولت حركة التحرر الوطني الفلسطيني إلى جزء من النظام الرسمي العربي، بكل موبقاته، وأصبحنا مجرد أدوات أمنية لهذه الجهة أو تلك. في النهاية، شباب المخيمات في سورية التحقوا بالثورة السورية لقناعتهم بعدالتها، ولأنهم جزء أصيل من النسيج الاجتماعي والوضع السياسي والثقافي والاقتصادي في سورية”. وختم بقوله: “ردّدناها سابقًا، ونكررها الآن: إن كان تحرير فلسطين يتطلب مذابح بحق الشعب السوري وتدمير بلاده ومستقبله؛ فإننا لا نريد هذا التحرير، لأن الموقف من الثورة السورية هو موقف أخلاقي في المقام الأول، وليس سياسيًا”.


مهند شحادة


المصدر
جيرون