الغارة الإسرائيلية والغارات الأسدية



“إن استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي في اعتداءاتها على سورية إنما يمثل انتهاكًا صارخًا لقرار مجلس الأمن رقم 350 لعام 1974 المتعلق بفصل القوات، ويشغل الجيشَ العربي السوري عن مواصلة الإنجازات التي يحققها”.

بهذه العبارات يفتتح النظام السوري بيانه المشتكي من عدوان “إسرائيل” على مواقعه. يشتكي أن تنشغل عصاباته، بمواجهة الاحتلال، عن مهمة قتل السوريين وتدمير حواضرهم، على ما تفصح عنه عقلية وسلوك النظام في دمشق: اتركونا ننفذ مهمتنا، لا تشغلونا، لدينا مهمات عديدة غير مكتملة، في ساحات “الوغى”، في عربين وسقبا وحمورية والغوطة وحماة وكل سورية، قذائفنا مجدية أكثر في حصد الضحايا، أما المحتل وعدوانه فله في سجلاتنا أطنان من الكذب، وللسوريين ملايين من حمم القذائف.

عشرات الغارت والعمليات العسكرية نفذتها “إسرائيل” في العمق السوري، بات إحصاؤها أو تناول ردة فعل النظام السوري عليها، محلَّ تندر واستهزاء، بخاصة مع اندلاع الثورة السورية. مواقع عديدة تعرضت للعدوان الإسرائيلي في سورية، لكن ارتفاع وتيرة الغارات أصبح متتاليًا، ففي أقل من 48 ساعة، ينفذ طيران الاحتلال هجماته على مواقع النظام في الكسوة، وعلى مركز البحوث في جمرايا. تركزت الغارات الإسرائيلية مؤخرًا على محيط وعمق العاصمة السورية، فجمرايا لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قصر الطاغية في دمشق.

لا يذكر أحد من المهتمين بأمر الاعتداءات الاسرائيلية، أن ردة فعل النظام عليها ستكون عنيفة، وأعلى جرمًا في الضحايا البشرية والمادية، فبعد غارة الكسوة؛ ارتكب طيران النظام السوري وحليفه الروسي مجزرةً في غوطة دمشق، بعشرات الصواريخ العنقودية. بعد كل عدوان إسرائيلي؛ يشن النظام أعنف هجماته انتقامًا من السكان المدنيين في سلوك يعكس خسة ووضاعة المجرم، الذي يرسل برقية للأمم المتحدة “يطالب فيها مجلس الأمن بإدانة الهجمات السافرة، والعمل على وقف الهجمات بموجب الميثاق”.

النظام ذاته، الذي فشل المجتمعُ الدولي في وضع حد لجرائمه، يطالب بالتدخل لوقف جريمة أخرى، يمتلك أيضًا النظام ذاته الأدوات المستخدمة من قبل المحتل، لديه دولة عظمى “موسكو”، تحمي عدوانه وغطرسته وتعاليه على المجتمع الدولي، وتستخدم حق النقض، لإحباط القرارات الدولية لحماية السكان والتحقيق بجرائمه. المجتمع الدولي الذي فشل في تحقيق عدالة للسوريين، للنيل من “بطل” السارين، أعجزُ من أن يوقف عدوانًا إسرائيليًا، هو في المحصلة متكامل تمامًا مع عدوان النظام السوري على شعبه.

تكرار الغارات الإسرائيلية يبدو فصلًا ثانويًا مكملًا للجرائم المتواصلة التي تنفذها قوات النظام، غاراته وجرائم قواته وعصاباته لها وقع مدمر على عموم سورية. المضحك في بيان وزارة الخارجية التابعة للنظام في دمشق أن “الغارات من شأنها أن تؤجج الأوضاع، في المنطقة وتفجرها”.

تلك العبارات تفصح عن أن البيئة التفجيرية التي أحدثها النظام منوطة به وحده، لا يريد لأحد أن يشاركه فيها، وأن القتل والتدمير والخراب سياقه طبيعي، لمن يريد الاستثمار في كرسي الحكم، ولا يعلم النظام أن العدوان الإسرائيلي يأتي أيضًا في سياق “طبيعي”، لمن يحتفظ بحق قتل وتدمير كل المجتمع، للاستثمار في السلطة التي تخدم في نهاية المطاف سياقات العدوان والاحتلال.

مما يثير أيضًا، ما حدث قبل ساعات من تنفيذ “إسرائيل” ضرباتها على مواقع النظام في جمرايا، إذ صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية: إيمانويل ناشون، بأن “إسرائيل” لا ترى مبررًا للقلق من الوجود العسكري الروسي في سورية، أي أن بيئة العمليات العسكرية آمنة للروسي مع النظام في تنفيذ الجرائم، وآمنة للإسرائيلي أيضًا، طالما أنها لا تستهدف وظيفة النظام التي عملت بدورها، طوال أربعة عقود، على توفير أسباب الأمن والطمأنينة للاحتلال. وإذا سألنا السوري اليوم: أيهما تحفظ أكثر مواقع الغارات الإسرائيلية أم مواقع الغارات والجرائم الأسدية؟


نزار السهلي


المصدر
جيرون