المأساة السورية.. القيم أم الخوف على المصالح!



دعا كثيرون من السوريين الثائرين الطيبين ربّهم أن يمدّهم بالعون، بعد أن أدركوا أن “أصدقاءهم”، و”إخوانهم في الدين والعروبة”، قد باعوهم الوهم لا أكثر؛ فمجازر النظام لم تتوقف، ثم اكتشفوا لاحقًا -بتجربتهم- أن المسألة لن تُحلَّ بالدعاء؛ فحملوا السلاح الذي وفره لهم الإخوة الأعداء.

سوريون آخرون، وهم من السياسيين غير الطيبين، دعوا “الأصدقاء الكبار” للتدخل بقواتهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بهدف توفير الحماية للشعب من بطش النظام، وهؤلاء لم يقبضوا سوى الريح.

يُدرك السوريون اليوم حقيقة باتت واضحة، مفادها أن هؤلاء “الإخوة”، وأولئك “الأصدقاء” قرؤوا مبكرًا روح السوري التواقة للتغيير، وفهموا خطرها على أنظمتهم، خصوصًا أن سورية ليست كأي بلد آخر، فموقعها الفريد من جهة، وتحرر شعبها من عقدة الخوف، أرعب الأصدقاء والأعداء؛ فتآمروا عليها.

المتابع لما يدوّنه أنصار الثورة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك ما يكتبه الصحافيون؛ يجد خليطًا من المشاعر المتناقضة، فيها التفاؤل والرغبة في المثابرة، وفيها اليأس واللوم والعتب والردح على الأخ والصديق معًا. ويطغى على غالبيتها تعبير عن المظلومية –وهنا أضم كتابات عددٍ مهم من المفكرين والكتّاب إلى كتابات الفئة السابقة- فهم لا يتوانون في تذكير الآخرين بعدالة قضيتهم، وبظلم النظام وحلفائه من روس وإيرانيين، وبسلمية الثورة السورية، والعتب على من ادّعى الأخوة والصداقة للسوريين، وكأن لسان حالهم يقول: نحن شعب مظلوم، متروك، نواجه أعداء شرسين، ونستحق الحماية.

اليوم، بعد مرور ما يقارب السبع سنوات على انطلاقة الثورة، وصلت القضية السورية إلى الحافة الخطرة، فحلفاء النظام: روسيا وإيران، وكذلك “أشقاء الشعب السوري وأصدقائه”، ومعهم الأمم المتحدة، باتوا متوافقين إلا قليلًا على مسارٍ لحل يستلزم من المعارضة أن تتحلى بالواقعية السياسية، بغية القبول بالممكن: دستور جديد، وانتخابات بإشراف دولي، وحكومة وحدة وطنية… هكذا!

في الحقيقة؛ لم يُعد الأصدقاء والأعداء راغبين ولا قادرين على رؤية يوميات القتل بالغازات أو بالبراميل المتفجرة، ولا على مشاهدة صور الأطفال المحاصرين والجوعى، ولا الاستماع لأخبار الجائعين والميتين والمعتقلين… إلخ.

إن كثافة التراجيديا السورية، وتنوع صورها، وثقل الدم المهدور فيها، أنتجت كابوسًا بات يؤرق الجميع، ويقض مضاجع من باتوا يرون بشاعاتهم وعيوبهم وعجزهم في المرآة السورية، إنهم يرغبون في طي الصفحة السورية، وكسر مرآتها.

ما يُقلق الأوربيين و”أشقاءنا العرب” هو استمرار تدفق السوريين كلاجئين إلى بلادهم، وما يمكن أن يخلفه عليهم من آثار تُضر بمجتمعاتهم أمنيًا وثقافيًا وسياسيًا، إنهم قلقون أكثر من عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم.

نحن… هل نستمر في اجترار روايتنا عن الحقوق، وعن سلمية ثورتنا؟ إلى متى سوف نتابع التعبير عن مظلوميتنا ومرارة يتم ثورتنا؟ ألم نفهم بعد أن مساعينا لإثارة هِمم “الأشقاء والجيران والأصدقاء”، من مدخل تذكيرهم بالأخوة والأخلاق، وبالمبادئ الإنسانية، قد باءت بالفشل؟

أزعم أن حكّامَ العالم ومن يمثلون غير مهتمين بالمبادئ وبالأخلاق، ولا بالعدالة والإنصاف… هي بضاعة يهتم بها الضعفاء والمظلومين، لأنهم بحاجتها. فيما يستخدمها الأقوياء في عمليات الضغط والابتزاز.

الغالبية من البشر -أفرادًا عاديين، ورؤساء حكومات ومؤسسات- يخشون القوي، وغالبًا يحترمونه، ويصغون إلى طلباته. في مقابل ذلك يشيحون بأبصارهم عن الضعيف والمظلوم والمسكين!

نحن لسنا من هؤلاء، لقد خسرنا الكثير، وما زلنا، وآن لنا أن نثير في الآخرين عامل الخوف. وبدل الشفقة، علينا أن نبحث عن عناصر قوتنا، ونُشهِرها، وأعتقد أن أفعَلَ ما نقوم به في هذا الأمر هو أن يفهم هؤلاء -الآخرون- أننا غير متعجلين من أمرنا، في بلوغ حل سياسي يُفرض على ممثلينا، فلقد حررتنا خساراتنا المهولة من خوفنا، وبات الزمن لنا. على خلاف بوتين وآية الله، فهم مستعجلون للحصول على توقيع المفاوض السوري، وهو يُعلن استسلامه.

على أنصار الثورة، وخصوصًا ممثلوهم في المفاوضات، أن يجعلوا العالم يرى “العين الحمراء”، لا أن يرى ضعفهم. عليهم إقناع العالم بأن غالبية السوريين غير مستعدين لقبول حل، كيفما كان، وأن بقاء النظام في دمشق على حاله، وكذلك بقاء القوات الأجنبية في سورية، سوف يجر المنطقة والعالم إلى مزيد من التوتر والاضطراب، وهو ما قد يولّد بيئة ملائمة لعودة الجهادية المقيتة.


ريمون المعلولي


المصدر
جيرون