محللون: قرار (ترامب) يتزامن مع وجود أنظمة فرّطت بسيادة أوطانها



قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخاص بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، سيترك آثاره السلبية على الوضع الفلسطيني برمته، أمدًا بعيدًا، في ظل حالة بؤس وتراجع وهلهلة للسياسات العربية عمومًا، وعجز هذه السياسات عن القيام بأي عمل حقيقي وفاعل في مواجهة ذلك، وفق ما رأى محللون.

الكاتبة السورية سميرة البهو لا تعوّل “على أي تحرك شعبي يدفع إليه الحكام العرب، من محمود عباس إلى عبد الفتاح السيسي إلى زعماء دول الخليج”، موضحة في حديث لـ (جيرون) أن الحكام “وقعوا على هذا القرار، منذ زيارة ترامب الأولى إلى المنطقة، مقابل دعمهم في الحفاظ على عروشهم، والتغاضي عن كل ما يرتكبونه بحق شعوبهم، وكل هذا التحريض للناس ضد هذا القرار، إنما لذرّ الرماد في العيون والتغطية على جرائمهم”.

من جانب آخر، قال أيمن أبو هاشم، الكاتب الفلسطيني والمنسق العام لتجمع (مصير): إن “التعويل على القيادات والحكومات العربية، لمواجهة قرار ترامب بنقل مقر السفارة الأميركية إلى القدس، لن يكون أكثر من بث أوهام وذر رماد في العيون، لأن أصل المشكلة التي شجعت ترامب على التمادي في التغطية على تهويد الأرض الفلسطينية، جريًا على خطى الإدارات الأميركية التي سبقته، هو العجز والتواطؤ من قبل تلك القيادات، وتبعيتها المخزية للسياسات الأميركية”.

أضاف لـ (جيرون) أن القيادات العربية هي “مَن تخلى عن القدس، وكل الأراضي العربية المحتلة، حين دخلت في اتفاقات وعلاقات علنية وسرية مع الكيان الصهيوني، بل منعت الشعوب العربية من مقاومة قوى العدوان والاغتصاب، وما فعله النظام السوري طيلة العقود الماضية من حماية حدود الكيان الصهيوني، ثم قيامه بارتكاب المجازر الوحشية بحق الشعب السوري، لهو أوضح دليل على طبيعة هذه الأنظمة، ودورها الوظيفي في خدمة أعداء الأمة”.

ذهب أبو هاشم أبعد من ذلك، حيث قال: “لا يمكن أيضًا التعويل على المجتمع الدولي الذي ساهم في شرعنة قيام دولة الاحتلال، منذ صدور قرار التقسيم عام 1947، خلافًا للوقائع التاريخية، ولحقوق أصحاب الأرض الفلسطينيين، واليوم نحن نشهد حلقات التآمر المترابطة لتصفية القضية الفلسطينية”.

تابع: “يأتي قرار ترامب المخزي، في ظل واقع عربي ضعيف ومفكك، لتكريس لغة القوة والعربدة، وضرب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، وهو ما يضع الشعوب العربية أمام مسؤوليات تاريخية، في الدفاع عن الهوية العربية للقدس، وتصعيد الحراك الشعبي في مواجهة السياسات الأميركية الصهيونية، وأعتقد أن ثورات الربيع العربي -على الرغم من شراسة الثورات المضادة التي تستهدف النيل منها- تبقى الأمل الوحيد للأمة في إعادة استنهاض القوى الحية، والدفاع عن قضايانا العادلة في فلسطين والقدس، وفي سورية والعراق، وكافة الدول العربية التي تواجه المشروع الإيراني”.

أكد أبو هاشم: “شعبنا في فلسطين يشكل رأس حربة هذه المواجهة، ويمتلك من الإيمان بقضيّته، وتشبثه بحقوقه الوطنية، ومعه كل أحرار العالمين العربي والإسلامي، الضمانة الحقيقية لسقوط مشاريع الاستيطان والتهويد والاحتلال”.

الباحث الفلسطيني محمد مشارقة قال لـ (جيرون): باعتراف ترامب بالقدس الموحدة عاصمة لـ (إسرائيل)، ونقل السفارة إليها؛ يكون “مسلسل (الفوضى الخلاقة)، لتغيير خارطة المنطقة العربية قد وصل إلى ذروته؛ لأن آخر ورقة توت تغطي سَوءة النظام العربي المتهالك هي التمسك برفض التطبيع مع دولة الاحتلال، قبل حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية”.

أشار إلى أن “العجز عن المواجهة يعني أن دولتين، لهما تأثير حاسم في المنطقة -هما تركيا وإيران- ستقتسمان المنطقة، باسم رفض وجود (إسرائيل) ومقاطعتها دبلوماسيًا؛ كما ستعيد التنظيمات الراديكالية المتطرفة، بكل تلاوينها، إنتاج ذاتها تنظيميًا وفكريًا وسياسيًا، من بوابة القدس بكل محملاتها القومية والدينية، ورفض الوجود الإسرائيلي في قلب المنطقة”.

تابع: “هي وصفة للخراب العميم، يدركه العقل الصهيوني العميق في واشنطن، والموقف الأميركي ليس تعبيرًا عن رئيس أرعن أو قليل الخبرة، بل هي سياسة أميركية ثابتة ومستمرة منذ 2003 واحتلال العراق، وبشّرَ (ليون بانيتا) وزير الدفاع الأميركي الأسبق، في تشرين أول /أكتوبر 2014 بأن الحرب على الإرهاب ستستمر ثلاثين عامًا. وإهداء القدس للدولة اليهودية هو مدماك جديد، في مسلسل تدمير المنطقة وإعادة تركيبها، باسم الحرب على الإرهاب”.

رئيس هيئة اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة السورية المؤقتة أكرم عطوة رأى أن “الوضع العربي عمومًا، والوضع الفلسطيني خصوصًا، في حالة تردٍّ وتهتك، والإدارة الأميركية تعلم أن إقدامها على خطوة كهذي لن يترتب عليه أي فعل من الأنظمة العربية، يؤثر على مصالح الولايات المتحدة الأميركية، والشعوب العربية لا تمتلك حريتها ولا إرادتها لتقوم بما يتوجب عليها، كأن تُجبر سفراء الولايات المتحدة مغادرة العواصم العربية”.

نبه عطوة من خطورة هذا القرار قائلًا: “هذا القرار خطير، خصوصًا أنه يترافق مع عملية تهويد القدس (الشرقية) التي يقوم بها العدو الصهيوني منذ سنوات طويلة، وما زالت مستمرة. الإجراء الفلسطيني المطلوب هو حل السلطة الفلسطينية، وإعلان الفشل النهائي لمشروع السلام على أساس حل الدولتين، وإعادة ترتيب أوضاع المقاومة الفلسطينية للنضال من أجل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية، تمهيدًا لحل الدولة الواحدة”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون