صحف عبرية: إعلان ترامب يتوج موت “العملية السلمية”



في عالم عربي، يسوده الاحتلال والثورات المضادّة والانتفاضات، يأتي الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لـ (إسرائيل)، ليبقى فقط الأمل بأن تقوم الولايات المتحدة والعالم بالاعتراف بأن “(إسرائيل) هي دولة القومية اليهودية”. هكذا تلخص الصحافة العبرية الصادرة في (إسرائيل)، في اليومين الماضيين، الحدث الترامبي (ترامب) الذي أثار غضب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فيما أفرح الإسرائيليين واليهود في أرجاء العالم، على الرغم من المخاوف الإسرائيلية من قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، توحّد الشعب الفلسطيني، داخل الخط الأخضر وفي القدس والضفة الغربية وغزة والشتات، بحسب ما أفاد محللون إسرائيليون، رصدْنا هنا أراءهم المتباينة.

يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي في صحيفة (هآرتس) تسفي برئيل، أن “معنى الاعتراف بالقدس هو تحطيم رسمي للوهم الذي يقول: إذا تم الاتفاق مع الفلسطينيين على حل المسائل الأساسية، ومنها حق العودة وترسيم الحدود ومكانة المستوطنات وتقسيم القدس؛ فسينتهي الصراع”. لافتًا إلى أنه “يجب الاعتراف أن ترامب لم يقتل بالأمس العملية السلمية. هو وقف على قبرها، أبرزَها، وتفاخر بأنه هو فقط الذي تجرأ على الإعلان عن موتها، أي الاعتراف بالقدس في الوقت الذي تسلى فيه أسلافه بالقيام بمناورات أحياء. ولكن على الأقل بالنسبة إلينا توجد الآن عاصمة لنا، ولا توجد عاصمة للفلسطينيين”.

فيما رأى الصحافي بـ (يديعوت) ناحوم برنياع، أن “رفض العالم منذ 70 سنة الاعتراف رسميًا بالقدس كعاصمة (إسرائيل) كان خطأ غبيًا، نتيجة جبن دبلوماسي وإهمال من جانب حكومات (إسرائيل)”. مشيرًا إلى أنه “حان الوقت لإصلاح الخطأ. فما بالك أنه لا يبدو أي اتفاق في الأفق. أمّا الادعاء بأن الخطاب يمس المسيرة السلمية فمردود؛ إذ لا توجد مسيرة سلمية”. وأضاف: “المطلوب الآن هو إدخال الخطاب في التوازن. فهو ليس نكبة فلسطينية ثالثة، وليس 29 تشرين الثاني/ أكتوبر (تاريخ صدور قرار تقسيم فلسطين) ثانيًا لـ (إسرائيل). ومثلما قال ترامب في خطابه، فقد صور الواقع: ما كان، بحكم الأمر الواقع، اعترافًا عمليًا؛ يصبح، بحكم القانون، اعترافًا رسميًا أيضًا”.

من جهة ثانية، رأى السياسي والصحافي الاسرائيلي في الإذاعة الإسرائيلية: أوري أڤنيري، أن قرار ترامب هو عمليًا إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، وعلى ملايين العرب. لأن الرئيس الأميركي “لا يفقه ماذا تعني القدس للعرب.. ولا يفهم أن الأقصى هو أحد أهم ثلاثة أمكنة مقدسة لدى المسلمين. وهي مقدّسة عندهم، كما هي مقدّسة لشعبنا. وقوله إن هذا لا ينفي أن الحل النهائي سيعود إلى المفاوضات والتفاهمات النهائية، بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ما هو إلا تلاعب ألفاظ”. وأضاف أڤنيري: أن “القرار الأميركي هو عصا في عجلة أي تفاهمات سلامية. والولايات المتحدة لم تعد تشكل طرفًا في أي مفاوضات سلام. فهي بقرارها هذا أعلنت أنها تتلقى الأوامر من (إسرائيل). أمّا الحكومة الإسرائيلية فهي -واقعًا- ترفض إعادة أي دونم من الأراضي التي استولت عليها.. قادة (إسرائيل) -واحدًا تلو الآخر- لم يقدّموا أي شيء يمكن للفلسطينيين أن يتصالحوا معه”. وبينّ أوري أڤنيري أن “السلام لا يُصنع هكذا. القرار الأميركي هزيمة لعملية أي سلام ممكنة.. وعملية قتل لآمال السلام”. وهو لن يؤدي إلا إلى سفك المزيد من الدماء”.

احتمالات التحرك الفلسطيني..

في قراءة لردات الأفعال الفلسطينية على أرض الواقع، بعد إعلان ترامب، الذي يصفه الفلسطينيون بـالوعد الثاني المشؤوم (الأول وعد بلفور 1917)، يرى المحلل السياسي في (يديعوت): أليكس فيشمان، أنه “في المواجهة الحالية، حول إمكانية أن ينقل الأميركيون السفارة إلى القدس أو يعترفوا بها عاصمة لـ (إسرائيل)، يوجد لـ (إسرائيل) تفوق صغير. فاضطرابات البوابات الإلكترونية، في تمّوز/ يوليو من هذا العام، كشفت أمام محافل الأمن عن القوى المحركة للاضطرابات في القدس، التي تقف هذه المرة أيضًا في مركز المواجهة. يدور الحديث عن القيادة الدينية في المدينة، تلك التي تقود الشارع، والتي أخضعت (إسرائيل) في قضية البوابات الإلكترونية، وحلت عمليًا محل القيادة السياسية التي لا توجد في القدس، بسبب القيود التي تفرضها عليها (إسرائيل). هذه المرة أيضًا لا شك أن القيادة الدينية ستقف على الرأس، إذ إن الأزمة السياسية تلقت منذ الآن وجهًا دينيًا، ويوم الجمعة الماضي في المساجد حيث أطلق الدعاة الشعار القتالي: القدس إسلامية هي البداية، وهي النهاية في كل تسوية”.

مخاوف إسرائيلية من (حماس) والسلطان التركي..

أمّا (حماس) التي تثير الخواطر هذه الأيام على خلفية احتفالات الثلاثين لتأسيسها، وكذا أبو مازن الذي يعيش أزمة عميقة حيال الإدارة الأميركية، فإنهما -بحسب فيشمان- يحاولان قيادة المواجهة الوطنية إلى المستوى الديني وإلى المس بالحرم. فالأقصى هو كلمة السر التي توحد الصفوف في المجتمع الفلسطيني، وتذهب به إلى انتفاضة ثالثة. من ناحيتهم فإن السفارة الأميركية في القدس ليست قرارًا سياسيًا، بل هذه سيطرة صليبية على الأقصى. وأوضح المحلل السياسي أن إدارة ترامب “جلدت (أبو مازن) مرتين في الأيام الأخيرة: مرة حين مددت إذن الإقامة للممثلية الفلسطينية في واشنطن ثلاثة أشهر فقط، وليس ستة أشهر، وفي المرة الثانية، حين طرحت الخطة الأميركية للاعتراف بالقدس عاصمة (إسرائيل). أمّا مهمة الجنرال (ماجد فرج) رئيس المخابرات الفلسطينية إلى واشنطن هذا الأسبوع، فقد فشلت بحيث إنه لم يتبق لـ (أبو مازن) غير السماح للشارع بالحديث. فضلًا عن ذلك، منذ الآن يتحدثون في السلطة الفلسطينية عن تلطيف حدة المواقف مع (حماس) في مواضيع الأمن التي هي من ناحية (إسرائيل) خط أحمر”. وأكد أليكس فيشمان أن المواجهة العنيفة من ناحية (حماس) فيمكنها أن تنسي من قَلب الجمهور الغزِّي المحبط فشل محادثات المصالحة مع (فتح)”.

في سياق الحديث عن المواجهة العنيفة المحتملة، ذكرت الصحافة العبرية في القدس، الجمعة، أنه يوجد أيضًا عامل مثير، يصب كميات كبيرة من المال على اللهب، ألا وهي الممثليات التركية في (إسرائيل). فالرئيس أردوغان، بحسب (يديعوت)، لا يواصل فقط الاستضافة في إسطنبول بقيادة (حماس) العسكرية في الضفة، بل يهدد أيضًا بقطع العلاقات مع (إسرائيل)؛ إذا ما اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لها. وبالتوازي، ومن دون أن يتشوش، فإنه يحتفظ في القدس بمؤسسات، كل غايتها هو تعزيز دور (الإخوان المسلمين) في المدينة. فتحت غطاء منظمات خيرية خاصة تعمل في شرق القدس عدة منظمات تركية، أبرزها (القنديل) المتماثلة مع منظمة (IHH) التي ذكرت في سفينة مرمرة ومنظمة (ميرسيسيس) التي تعرض نفسها منظمة خاصة، لكنها ممولة حكوميًا. فـ (القنديل) مثلًا تدعم بالمال منظمة (المرابطين) التي أخرجت عن القانون في (إسرائيل). أمّا (ميرسيسيس) فترتبط ضمن أمور أخرى بنشاط الحركة الإسلامية الشمالية في (إسرائيل)، و(إسرائيل) لا تريد كثيرًا التورط مع السلطان التركي، بحيث إنها لا تتجرأ على لمس هاتين الحركتين”.

بدوره يؤكد عميره هاس، المحلل السياسي في صحيفة (هآرتس)، أن خطر الانفجار الشعبي والرسمي الفلسطيني يزداد اليوم، بعد إعلان ترامب، وهذا يعزز في تل أبيب منطق الحفاظ على حكم الرئيس محمود عباس كما هو. ذلك أن دعوة (فتح) إلى ثلاثة أيام غضب من أجل القدس، من دون تغيير في النظام الداخلي، هي مراهنة خطيرة؛ فهي تعرض للخطر حياة وسلامة آلاف الشباب، وتكشفهم للاعتقال الجماعي، عبثًا. ولكن في الأساس من شأنها أن تظهر أن الجمهور الفلسطيني لا يلتزم بدعوات حركة فتح والسلطة الفلسطينية، لأنه لا يثق بهما. وهو سيعمل في الوقت والصورة المناسبة له.

جملة المخاوف الإسرائيلية التي تطرحها الصحافة العبرية، منذ الإعلان الترامبي، لم تقتصر على الوضع في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة فحسب، وإنما تشمل الداخل الإسرائيلي، بخاصة بعد أن دعَت “لجنة متابعة قضايا الجماهير العربية – لجنة العمل الشعبي”، الجماهيرَ الفلسطينية في داخل الخط الأخضر إلى تظاهرات ووقفات واعتصامات، تحت الشعارات: “القدس – عاصمة فلسطين”، “إعلان من لا يملك لمن لا يستحق”. تنظمها اللجان الشعبية المحلية والحركات الطلابية، بدءًا من الجمعة حتى يوم الأحد.


أوس يعقوب


المصدر
جيرون