هل ينجح وفد المعارضة السورية في جنيف؟



فرق كبير في الخبرة الدبلوماسية والقدرة على التفاوض، بين رئيس وفد المعارضة السوري نصر الحريري، ورئيس وفد النظام بشار الجعفري لصالح الثاني، وهو يشبه الفرق بينهما في الانتماء إلى حق الشعب السوري في الحرية والعدالة والكرامة لصالح الأول.

لكن مفاوضات جنيف، بين كل منهما ومبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا من جهة، والمفاوضات المباشرة المؤجلة بين الوفدَين من جهة أخرى، هي المعوّل عليها، وهي التي احتاجت -وستحتاج في المستقبل- إلى خبراء بارعين في إدارة تلك المفاوضات والفوز بتحقيق أكثر ما يمكن من مكاسب، ولا بدّ في حال كهذه من قراءة السيرة المهنية والفكرية والمعيار الأخلاقي لكلٍ من قائدي التفاوض: الحريري والجعفري، وأيضًا دي ميستورا المنسق العام تقنيًا ولوجستيًا وسياسيًا.

وُلد نصر موسى الحريري، في مدينة درعا عام 1977، وتخرج في كلية الطب، وحصل على الماجستير في الأمراض الباطنية والقلبية، تنقل في عدة مواقع وظيفية، فكان رئيس الأطباء في مشفى الأسد الجامعي بدمشق، ورئيس الأطباء في مشفى درعا الوطني، ومحاضرًا في شركة (السعد) للصناعات الدوائية، طبيب القثطرة القلبية في مستشفى الشفاء، وعدد من المشافي الخاصة في دمشق، وشغل سابقًا منصب المدير الطبي للعيادات السعودية في مخيم الزعتري، وكان مدير المكتب الإقليمي للهيئة الطبية السورية. تعرض الحريري للكثير من ملاحقة الأمن له، منذ 2003 وحتى 2009، بتهمة بث أفكارٍ تضعف الشعور القومي، وشارك في الحراك الثوري السلمي منذ انطلاقة الثورة السورية؛ إذ ساهم في تنظيم أول اعتصام نقابي، وألقى بيانًا ينص على أن قوات الأمن مجرمة، وهي من ارتكب المجازر، وأن الإعلام السوري كاذب ويسعى إلى الفتنة، ويجب محاسبته، وقدم هو والمعتصمون استقالات جماعية من حزب البعث، واستمر في دعم النشاط الثوري بعدما تحوّل إلى العمل المسلح دفاعًا عن النفس، كذلك أسس نقابة الأطباء الأحرار في درعا عام 2011،  وأعلن عن عملها رسميًا في الأردن عام 2013، وهو عضو مؤسس في المنتدى الوطني للحوار الديمقراطي في الأردن، وعضو مؤسس في اللجنة الطبية السورية في الأردن، وعضو مؤسس في اللجان المحلية في مدينة درعا، ونقيب الأطباء والصيادلة الأحرار. اعتُقل الحريري أكثر من 20 مرة بتهم التمويل، إضعاف الشعور القومي، و3 مرات بتهمة تصوير الشهيد حمزة الخطيب، وبث الصور على القنوات الفضائية المعادية، وبتهمة تفجير الجسور، والتعامل مع مخابرات خارجية، والتحريض والتأجيج، ومعالجة الإرهابيين، والحريري يُتقن اللغة الإنكليزية تحدثًا وكتابة.

أما رئيس وفد النظام إلى مفاوضات جنيف بشار الجعفري، فقد بدأ عمله في وزارة الخارجية عام 1980، ثم عُيّن السكرتير الثالث في السفارة السورية في باريس ما بين 1983-1988، وخدم مرة أخرى في السفارة السورية في فرنسا، على مستوى وزير مستشار في الفترة 1997-1998، ومن عام 1998 وحتى 2002، وكان الجعفري قد عُين الوزير المفوض والقائم بالأعمال في السفارة السورية في إندونيسيا عام 2002، بعد ذلك تم تعيينه مديرًا لإدارة المنظمات الدولية في وزارة الشؤون الخارجية في دمشق، وظلَّ يشغل المنصب حتى عام 2004. ثم احتل منصب سفير فوق العادة والمفوض والممثل الدائم لسورية، في مكتب الأمم المتحدة في جنيف عام 2006، وتولى فيما بعد منصب سفير فوق العادة، والمفوض والممثل الدائم لسورية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، والجعفري من مواليد 1956 دمشق، ويتحدث اللغة الفرنسية والفارسية والإنكليزية بطلاقة.

أما ستيفان دي ميستورا، فله تاريخ قديم في السياسة والدبلوماسية، وهو من مواليد 1947 ستوكهولم السويد، وحاصل على الجنسية الإيطالية، وهو عضو سابق في الحكومة الإيطالية، وبعد مسيرة 40 سنة في مختلف وكالات الأمم المتحدة؛ تم تعيينه وكيل وزارة الخارجية للشؤون الخارجية في الحكومة الإيطالية برئاسة ماريو بونتي، وقد اختارته الأمم المتحدة ليكون مبعوثها الخاص بشأن القضية السورية خليفةً للأخضر الإبراهيمي. ودي ميستورا يكتب ويتحدث باللغات العربية والإسبانية والسويدية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية.

واضح أن هناك فرقًا شاسعًا في الخبرة السياسية والدبلوماسية، بين دي ميستورا والجعفري من جهة، وبين دي ميستورا والجعفري في مقابل الحريري، فيما هناك فرق شاسع في القيم الوطنية والأخلاقية، بين الحريري الذي تصدى بجرأة للنظام منحازًا لثورة شعبه، مُعرّضًا حياته للخطر، وبين الجعفري الذي تنكّر لشعبه وانحاز للنظام القاتل، ووضع خبرته الدبلوماسية لدعم الأسد مستخدمًا تلفيق الأكاذيب، حول أسباب ثورة الشعب وأدواتها السلمية في بداياتها متهمًا إياها بأنها نتيجة مؤامرة كونية مدعومة من دول الخليج وتركيا على نظام الأسد الممانع والمتصدي لإسرائيل والدول الغربية.

وبالعودة إلى مفاوضات جنيف، فإن التفاوض في العادة يتم بين طرفين، وفي الحال السورية اتسع نطاقه ليشمل أكثر من طرفين؛ نظرًا إلى تشابك المصالح وتعارضها بين الأطراف الخارجية المؤثرة والضاغطة على المتفاوضين، ومن هنا؛ فإن أطراف التفاوض في جنيف يمكن تقسيمها إلى أطراف مباشرة، وهي الأطراف التي تجلس فعلًا إلى مائدة المفاوضات وتقوم بعملية التفاوض، ولو بشكل غير مباشر من خلال دي ميستورا، وإلى أطراف غير مباشرة، وهي الأطراف التي تُشكّل قوى ضاغطة لاعتبارات تخدم مصلحتها، ومنها الدول الإقليمية والدولتين الأقوى في العالم: أميركا وروسيا، ومن هنا؛ فإن استيعاب وفهم نقاط القوة والضعف، عند الطرفين المتفاوضين من جهة، وعند الأطراف الخارجية المؤثرة على كل منهما، يتيح لهما في المجال إدارة المفاوضات بنجاح أو يضعها أمام طريق مسدودة.

إن إدارة مثل هذه المفاوضات تستلزم كفاءة عالية في فن التفاوض، وأيضًا في فن الإعلام، عبر وسائل الإعلام العالمية، ما يُشكّل ضغطًا إضافيًا على أحد طرفي التفاوض سلبًا، ويجلب للطرف الآخر دعمًا أمميًا إيجابيًا، وغنيّ عن القول أن البراغماتية السياسية التي تتكئ على مرجعية القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن تكون أكثر قبولًا في أروقة مؤسسات الأمم المتحدة من الخطابات الرنانة التي تُطالب برفع الظلم عن الشعب السوري، ووقف المجازر التي تطالُ الأطفال والنساء والشيوخ، دون أن تعتمد على تلك المرجعية والقرارات.

ومن أهم أسس المفاوضات أيضًا، وضوح هدف المفاوض وامتلاكه خطة واقعية لتحقيقه، وخططًا بديلة في حال ووجهت خطته بالرفض الكامل، كما أن عليه أن يستفيد إلى أقصى حد ممكن من نقاط قوته على الأرض ومن قوة الدول الداعمة له، وكذلك فإن تماسك أعضاء الوفد المفاوض واعتماده خطابًا واحدًا، بحيث لا يخترق عن طريق بعض أعضائه من الخارج، يُشكّل عاملًا حاسمًا في نجاحه.

يبقى أن نقول: على الرغم من الفوارق في الكفاءة والخبرة الدبلوماسية والسياسية، بين فريق المعارضة الموحد وفريق النظام؛ فإن اعتماد أكاديميين دبلوماسيين سوريين أو أجانب من أصدقاء الشعب السوري، كمستشارين في كل مراحل المفاوضات، ربما يُقلّص ذلك الفارق إلى الصفر.


توفيق الحلاق


المصدر
جيرون