في يوم حقوق الإنسان: انتهاكات نظام الأسد تتواصل منذ 4 عقود



تحتفل الأمم المتحدة، في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، بـ “اليوم العالمي لحقوق الإنسان”، وذلك إحياءً لذكرى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مناديةً بالمبادئ التي ينص عليها، بوصفها “المستوى المشترك الذي ينبغي أن تصل إليه كافة الشعوب والأمم”.

تعتبر الأمم المتحدة أن إحياء ذكرى هذا اليوم، من كل عام، فرصة لتأكيد تمسكها بالأسس التي استندت إليها البشرية، في كفاحها الطويل من أجل الحقوق والكرامة، والحث على التصدي للتحديات القديمة والجديدة المتمثلة في الفقر واللامساواة والعنف والاستبعاد والتمييز.

في سورية.. عقود من غياب حقوق الإنسان

على الرغم من توقيع سورية على 11 معاهدة من المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان، فإن لها صيتًا سيئًا في هذا المجال، لازمها عقودًا طويلة، منذ تولي حافظ الأسد الحكمَ، بعد انقلاب عسكري عام 1970. وكان هذا الانقلاب بمثابة إعلان عن عهد جديد، من عهود القمع والاستبداد وغياب الحريات وحقوق الإنسان في سورية.

إضافة إلى سيطرة “حزب البعث العربي الاشتراكي” على السلطة في البلد بقيادة الأسد الأب، شاركت قوات الأمن السورية في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، في أواخر السبعينيات، وفي الثمانينيات، في محاولة لقمع المعارضة لنظام حافظ الأسد، بما في ذلك المعارضة المسلحة من قبل شرائح معينة من جماعة “الإخوان المسلمين”.

في 27 حزيران/ يونيو1980، قتلت وحدات من “سرايا الدفاع” تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، في سجن تدمر العسكري، انتقامًا من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد.

بعد أقل من عامين، طوقت وحدات من سرايا الدفاع، ووحدات تابعة للقوات الخاصة، مدينة حماة، من شباط/ فبراير، إلى آذار/ مارس 1982، وخاضت قتالًا ضد الإسلاميين المعارضين للنظام. وارتكبت قوات الأمن السورية انتهاكات حقوق إنسان جسيمة خلال القتال، بما في ذلك قتل آلاف الأشخاص في سلسلة من عمليات الإعدام الجماعية، بالقرب من الملعب البلدي وغيرها من المواقع.

عهد جديد من القمع

بقي التضييق والقمع الممارس على السوريين في جميع مجالات الحياة مستمرًا، إلى أن ورث بشار الأسد حكم سورية، في تموز/ يوليو عام 2000.

استلم بشار الأسد الحكم، ووجد أمامه بلدًا مُحمّلًا بتركة ثقيلة من الانتهاكات. وفي خطاب القسم الرئاسي، تحدث بشار عن الحاجة إلى (التفكير الإبداعي) و(الشفافية والديمقراطية)؛ ما جعل الكثير من الناس يتفاءلون بتحسن أوضاع حقوق الإنسان في سورية، وأعطاهم جرعة أمل بانتهاء كابوس القمع والديكتاتورية الذي عاشوه طوال فترة حكم أبيه.

خطاب بشار شجع العديد من السياسيين وناشطي حقوق الإنسان، لرفع صوتهم والمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية، فشكلوا عام 2000 “ربيع دمشق” لمناقشة الأوضاع السياسية، وتصويب أخطاء الحكومة.

لكن بشار، بعد فترة وجيزة من تبنيه هذه السياسة، تراجع لصالح انتهاج سياسية القمع ومصادرة الحريات، وانتهى مصير “ربيع دمشق” في آب/ أغسطس 2001، باعتقال عدد كبير من السياسيين والصحافيين وسجناء الرأي، حيث بلغ عدد من اعتقلهم بشار حينئذ 92 ناشطًا سياسيًا وحقوقيًا، منهم رياض الترك، وعارف دليلة، ووليد البني، وكمال اللبواني. وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا أحكامًا بسجنهم، تراوح ما بين سنتين وعشر سنوات، بتهم (محاولة تغيير الدستور بوسائل غير مشروعة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية).

يعتمد النظام السوري، في اعتقال وملاحقة الناشطين والسياسيين، على قانون الطوارئ، الذي يعطي الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة للاعتقال، فضلًا عن الأحكام الأمنية (الفضفاضة) الواردة في قانون العقوبات السوري.

كما يعدّ المنع من السفر إحدى الوسائل التي استخدمها النظام، في عقاب الناشطين والمعارضين، وقد ازداد استخدام مثل هذا الحظر بشكل كبير منذ عام 2006، وأصدر (المركز السوري للإعلام وحرية التعبير)، تقريرًا في شباط/ فبراير 2009، يضم قائمة بـ 417 ناشطًا سياسيًا وحقوقيًا ممنوعين من السفر. في بعض الحالات، امتد المنع من السفر لعائلات الناشطين.

لم يقتصر تضييق النظام على السياسيين والحقوقيين فقط، بل كان هناك رقابة صارمة على حرية الرأي والتعبير، سواء على مستوى الأفراد أو وسائل الإعلام. فمنذ وصول “حزب البعث” إلى السلطة عام 1963، قام بحظر جميع الصحف المستقلة. وعلى مدى 40 عامًا، لم يكن يوجد في سورية سوى ثلاث صحف فقط (البعث، تشرين، الثورة)، وجميعها كانت تتبع لحزب البعث.

بعد تولي بشار الأسد السلطة، رفع الحظر التام المفروض على الصحف المستقلة، لكنه أصدر قانون مطبوعات جديد (المرسوم رقم 50/2001) الصادر بتاريخ 22 أيلول/ سبتمبر2001، الذي منح الحكومة وضع ضوابط شاملة على الصحف والمجلات والدوريات الأخرى، عمليًا على كل شيء مطبوع في سورية، من الكتب إلى الكتيبات إلى الملصقات.

حاكم النظام جميع الصحافيين والمدونين الذين تجرؤوا على انتقاد السلطات أو الرئيس، أمام محكمة أمن الدولة العليا، وهي محكمة استثنائية لا توجد فيها ضمانات إجرائية تقريبًا. في عام 2009، صنفت “لجنة حماية الصحافيين” سوريةَ في المرتبة الثالثة، في قائمة أسوأ عشرة بلدان للمدونين، نظرًا إلى الاعتقالات والمضايقات والقيود التي يواجهها الكتاب والصحافيون على الإنترنت في سورية.

تعذيب وانتهاك داخل السجون

على الرغم من قيام بشار الأسد بإغلاق سجن المزة عام 2000، الذي احتوى على العديد من السجناء السياسيين، ونقل ما يقارب من 500 معتقل سياسي سنة 2001 من سجن تدمر سيئ السمعة، في الصحراء الشرقية، إلى سجن صيدنايا شمال دمشق، الذي يتوفر فيه مرافق أفضل، لكن ذلك لم يُنهي الممارسات القمعية بحق السجناء.

لم يفعل بشار الأسد شيئًا للتخلص من ممارسات الاعتقال، وإساءة المعاملة، والتعذيب أثناء التحقيق، والتي ما تزال شائعة حتى الآن في مراكز الاعتقال في سورية، على الرغم من توقيعه على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وعادة ما تقوم أجهزة الأمن باحتجاز المعتقلين، من دون أي اتصال مع الأسرة أو المحامي، عدة أيام أو شهور، وفي بعض الحالات عدة سنوات.

“في سنة 2008 قامت سلطات سجن صيدنايا، بإطلاق الرصاص الحي على السجناء لإخماد أعمال شغب، ما أدى إلى وفاة 25 سجينًا”، بحسب إفادات حصلت عليها (هيومن رايتس ووتش)، من سجناء سابقين كانوا موجودين في السجن وقتها. فرض النظام تعتيمًا كاملًا على الأحداث، ولم يعطِ أي معلومات عن العمل الذي اقترفته قواته ضد السجناء، كما أنه لم يقم باجراء أي تحقيق حول العنف في السجن.

تجلت أبشع صور القمع وانتهاك حقوق الإنسان من قِبل النظام، عندما انطلقت الثورة السورية عام 2011، حيث استخدم النظام كافة خبراته في القمع ضد الثوار السلميين، وغرقت شوارع سورية بدماء آلاف الشهداء، ممن استهدفتهم قوات الأمن بالرصاص الحي خلال التظاهرات، كما امتلأت سجونه بالمعتقلين من مدنيين وناشطين سياسيين. ويقدّر عدد من استشهدوا خلال سنوات الثورة بنصف مليون مدني، بحسب تقديرات منظمات حقوقية. فضلًا عن وجود أكثر من 100 ألف معتقل ومختف قسريًا، مع ترجيح العديد من المؤسسات الحقوقية أن يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

قال المحامي ميشال شماس لـ (جيرون): “على الرغم من مرور 69 عامًا على إقرار وثيقة حقوق الإنسان، ما زال السوريون يعانون من القمع والطغيان والاستلاب السياسي والديني”، وأضاف: “كل الدماء التي سُفكت لم تكن كافية لتحقيق الهدف النهائي بإنهاء الاستبداد”. ورأى أن “حقوق الإنسان في سورية هُدرت على يد نظام الوحدة في سورية ومصر، ثم ازداد الوضع سوءًا مع وصول حزب البعث إلى الحكم وانفراده بالسلطة”.

لكي يتبلور مفهوم حقوق الإنسان في سورية، ويأخذ مجراه العملي “لا بدّ أن يتضمّن دستور سورية الجديد نصوصًا تحترم الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يُعمل بها، وتطبّق بشكل عملي، وتكون محمية ببنود جزائية، فضلًا عن ضرورة حظر إنشاء محاكم استثنائية وإلغاء وتعديل كافة النصوص القانونية التي تنتقص من حرية الإنسان وحقوقه”. وفقَ شماس.

وأضاف: “ينبغي أن تترافق هذه الإجراءات مع حملات وطنية، هدفها نشر مفاهيم حقوق الإنسان، لتكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذي محتوى إنساني لدى الناس جميعًا بدءًا من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل، ويأتي هنا في المقام الأول تخصيص حصص دراسية في مناهج المدارس والجامعات للتعريف بحقوق الإنسان، والقيام بحملة إعلامية مدروسة في وسائل الإعلام كافة تركّز على قضايا حقوق الإنسان. ولن يكون هناك أي قيمة لنصوص القوانين؛ إذا خمدت روح الحرية واحترام حقوق الإنسان في قلوب الناس”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون