“مبدأ” لسورية المستقبل



عمل المبعوث الأممي لسورية، طوال ثلاث سنوات، لوضع “مبادئ لسورية المستقبل”، وشكّل لهذا الغرض لجانًا استشارية ولجانًا داعمة، مؤقتة ودائمة، واستعان بآراء حشد من السوريين وغير السوريين، وجمَع وثائق، ووضع هياكل تنظيمية وتأسيسية، وسعى لوضع مشاريع دساتير، وأسس لسنّ قوانين، للمرحلة الحالية والمقبلة، و”غاص” في شؤون ومفاهيم الجندرة والسيادة والأديان والطوائف، وشرّح تركيبة السوريين وأمزجتهم، وخزّن عشرات الأطنان من الوثائق والشهادات والدراسات، ليتوصل في النهاية إلى ورقة مبادئ، يجب أن تُبنى عليها سورية المستقبل.

جسّد الرجل الأممي خلاصة جهده وعمله، وعصارة أفكاره ورؤاه، في وثيقةٍ قدّمها للمعارضة والنظام، قال إن من شأن الاتفاق عليها التوصل إلى خلاص السوريين من مآسيهم ومحنهم، وأقنع بعض المعارضة بذلك.

تضمنت وثيقته “العصماء” بنودًا، أهمها: وحدة الأراضي السورية، الالتزام بسيادتها واستقلالها، واستعادة مرتفعات الجولان وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، ورفض التدخلات الخارجية، وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو النوع، ودعم تمثيل النساء في مراكز صنع القرار، وحماية حرية المعتقدات، والتزام الدولة بالتنمية الشاملة والمتوازنة، وتحسين أداء المؤسسات الحكومية، ومكافحة الفساد وسوء الإدارة، ومكافحة الفقر، وتوفير الدعم لكبار السن والأيتام، والمحافظة على التراث الوطني والبيئة الطبيعية، والحفاظ على التنوع الثقافي، وإقامة جيش وطني لحماية الحدود، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وبعض البنود القانونية والسياسية الأخرى التي احتلّت الهامش الأقل من وثيقته.

يبدو أن لدى المبعوث الأممي فكرة مغلوطة عن سورية والسوريين؛ إذ إنه يعتقد أنهم شعبٌ خرج لتوّه من الغابات، لا يعرفون معنى الوطن والدولة والسلطة والحكومة، وأنهم شعب متخلف يجب مد يد العون له، لتعليمه ألف باء ما يريد.

وكأن المبعوث الأممي يجهل أن بيت القصيد ليس هنا، وأن السوريين، معارضة وموالاة، متفقون على كل المبادئ سابقة الذكر، فما من سوري عاقل لا يتمسك بوحدة الأراضي السورية، وسيادتها واستقلالها، وباستعادة الجولان، وبرفض التدخلات الخارجية، وغير ذلك من المبادئ التي لم تقم الثورة أساسًا من أجلها.

وكأن المبعوث الأممي لا يعرف أن السوريين -قبل نكبة احتلال حافظ الأسد لسورية- لم يميّزوا بين بعضهم، على أساس الدين أو العرق أو النوع أو القومية، كما لا يعرف أن المرأة السورية حصلت على حق المشاركة في الانتخاب، قبل المرأة الفرنسية والبريطانية، وليست بحاجة إلى “كوتته” التي يستطيع النظام تفريغها من محتواها بأساليبه، ولا يعرف أيضًا أن كل السوريين -عدا رجال النظام- يريدون التنمية الشاملة والمتوازنة، وتحسين أداء المؤسسات الحكومية، ومكافحة الفساد وسوء الإدارة، ومكافحة الفقر، والمحافظة على التراث الوطني والبيئة الطبيعية والتنوع الثقافي.

من الواضح أن الرجل يُناور ويدور في فراغ، ولا يريد أن يُلامس الحقائق والواقع، ويُغيّب السوريين وغيرهم في متاهات عبثية، لا تُسمن ولا تُغني عن جوع.

لم تقم الثورة السورية من أجل أيٍ من المبادئ سابقة الذكر، ولم يُضحّ السوريون بمئات آلاف القتلى، من أجل الحفاظ على البيئة أو مكافحة الفقر، ولا من أجل المحافظة على التراث الوطني أو التنوع الثقافي، ولا من أجل زيادة حصة النساء، وإنقاص حصّة الرجال، ولا من أجل تحسين إدارة الدولة.

لقد ثاروا وضحّوا من أجل أمر واحد فقط، لا ثاني له، أرادوا نظامًا ديمقراطيًا تعدديًا، بدلًا من نظام شمولي طائفي، وهو بند وحيد لازم وكاف لوثيقة مبادئ سورية المستقبل، وبتطبيقه تنتهي مأساة السوريين ومصيبتهم، ودون ذلك دوران في فراغ.


باسل العودات


المصدر
جيرون