نزيه الشؤم أبو تعفيش
11 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
قال اصطيف لصديقه آرام: أمَا سَمعتَ بشاعرٍ يصطاد العصافيرَ، ليضعها في توابيت قصائده!
أجابه آرام: بلى.. وبشعراء مدحوا الطغاة.
ضحك اصطيف: تقصد الجواهريّ.. حين مدح حافظ الأسد؛ فأنشده:
“يا حافظ الوحش يا طَلَّاع أوديةٍ
تناهبت حَوَافر العزّ.. مستبقا…”.
فقاطعه آرام: لم أسمع هذه النسخةَ بصوت ميادة حناوي!
ضحك اصطيف: هذه النسخة بصوت علي الديك؛ تجدها في كراجات الهوب الهوب.
– لم تقل من هو الشاعر “صيَّاد العصافير”؟
– ماذا يهمّك من اسمه؛ هو نموذجٌ واحدٌ فحسب.. لسقوط الشعراء؛ فقد قال نزيه أبو عفش، بعد أمسيته الشعرية في بيروت عام 2014: “ما يحدث اليومَ فرصةٌ ليتصالح النظام مع شعبه؛ وما وعدنَا به من تغييرٍ وإصلاحات كان ينبغي أن يحدث منذ عام ألفين؛ هم يسعون اليومَ لمنع المؤسسة السورية من تحقيق هذه الإصلاحات، وهذه جريمةٌ أخرى، فهم لن يمهلوا النظام السوري للقيام بالإصلاحات”!.
قال اصطيف: للّه دَرّ صيّاد العصافير الدوريَّة.. ما يزال يراهن على إصلاح النظام من داخله!.. مثل أحزاب الجبهة التقدميّة الأسديّة.. جمعاء!
قال آرام: ومثلهم، يضع اللومَ على أميركا شيكا بيكا: “لو جاء الوقت الذي تتدخّل فيه أميركا والغرب الرأسمالي عمومًا لنصرة كارل ماركس ويسوع المسيح وأمي، ساعتها.. سأقف إلى جانب الشيطان، وأكفر بالماركسية والحق والعدالة.. وبأمّي”.
قهقه اصطيف: وقد وقف في صَفّ الشيطان فعلًا؛ ثَكَلَته أمّه من بين الشعراء.
فتابع آرام: وقال صَيَّاد العصافير أيضًا: “النظام السوريّ لم يخِفني، ظلمني في عملي.. أجل، ومنعني -أحيانًا- من الكتابة، لكنه لم يخفني كما هذه الثورة؛ وبينَ كلّ مَن عاشرت، طوال عقود حياتي الماضية.. أكثر مَن خفت منهم هو صنف المثقفين، لا تدر ظهرَكَ لهم، وإذا ما واجهتهم.. أَوح لهم دومًا بأنّ معكَ.. سلاحًا”!
علّق اصطيف: يليق به لقب: الشاعر المسلَّح، فلطالما تباهى بقتل الطيور الوديعة ببندقية صيده “الكَسريَّة” ذات السبطانتَين، ثمّ ينتف ريشَ طيوره، ويسلخها، ليشويها قبلَ كلّ قصيدةٍ بائسةٍ له، حزينةٍ، كأنها المراثي، حتى التهمَه يأسه وتشاؤمه.
تابع آرام: ثم إنّ شاعر التعفيش قد قال: “إذا كانت ثورتكم ستنزَع مكاسبَ الفلاحين التي حصلوا عليها من أيام العظيم عبد الناصر إلى اليوم؛ فسأقول لكم: لا، وإذا كانت هذه الثورة، بصفتها ديمقراطية وحرَّةً، ستمنع التلاميذ حقهم في التعليم المجاني؛ فسأقول: لا، وأريد أن أعرف إذا كانت هناك بعد هذه الثورة عودة إلى الإقطاع؟ فمنذ تسعة أشهر لا تقولون لنا سوى: اركعوا للديمقراطية. “طز.. بالديمقراطية”، قل لي ماذا سنفعل بهذه الديمقراطية! في حياتي لم أكتب نصًا أمتدح فيه الديمقراطية، لطالما قلت: أنا أكره الديمقراطيةَ وأميركا”!
صَفَّق اصطيف بكلتَا يديه وجوانحه: واو.. برافو أبو عفش.. وا تَعفيشَاه.
فأردفَ آرام: وقرأت لسعدي يوسف بن سعديّة، وهو يشتم.. قائلًا: “الدجاج وَحدَه.. سيقول: ربيعٌ عربي؛ أيّ ربيعٍ عربيّ هذا، والفيس بوك يقود الثورة في بلدانٍ، لا يملك الناس فيها أن يشتروا خبزَهم اليومي!”.
ضحك اصطيف.. معلّقًا: وقرأت لشويعرةٍ.. شعرورة؛ اسمهَا: رغدة نعناع.. كتبت عن المدعو أبو فريوَه: “كيف لعينيكَ.. كل هذي الكستناء”، بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة مباشرةً!
علّق آرام: ثمَّة شعراء وكتّابٌ بعد الربيع العربيّ.. انتكسوا نحو عشائرهم؛ أو.. طوائفهم؛ ونحو المذاهب الأربعة والإثنَي عشرية.
قال اصطيف: إلا أدونيس.. فقد سبقهم أجمعين؛ حين امتدح الخميني!
فسأله آرام: أما زلتَ تذكر تلك القصيدةَ الملهمة.. المَلغومَة؟!
قال اصطيف: ومن ينسى.. قوله:
“أفقٌ، ثورةٌ، والطغاة شَتات
كيفَ أروي لإيرانَ حبّي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي
تعجز عن قوله الكلمات.
سأغنّي لقمٍّ
لكي تتحوّلَ في صبواتي
نارَ عَصفٍ، تطوف حولَ الخليج
وأقول المدى والنشيج.
شعب إيرانَ
يكتب للشرق فاتحةَ الممكنات
شعب إيرانَ يكتب للغرب
وجهك يا غرب.. مات”.
علّق آرام: الشعر.. حريَّة؛ ومن لم تحرّر قصيدةٌ روحَه؛ فسيبقى ظلًا لطاغيتين: أحدهما في داخله: صغيرٌ، قَميءٌ، ضئيلٌ.. لا يكاد يرَى، ويخاف الضوءَ؛ فلا يظهر سوى في الليل.. ينعق بما يشبه الشعرَ كبومة الخراب.
نجم الدين سمان
[sociallocker]
جيرون