خرافة الحل السوري-السوري



ما زال الروس يتشدقون بأن الحل في الكارثة السورية هو حل سوري-سوري، ويتشدق من خلفهم من بقية جوقة النفاق، مُردّدين الأكاذيب ذاتها، ويطلبون من العالَم تصديقهم.

الحل سوري-سوري، وروسيا تشن حرب إبادة على الغوطة الشرقية.

الحل سوري-سوري، وروسيا تمتلك أكثر من خمس قواعد عسكرية، على التراب السوري.

الحل سوري-سوري، وإيران لها ثلاث قواعد على التراب السوري، وقادتها يقولون إنهم لن يخرجوا من سورية.

الحل سوري-سوري، بوجود قاعدة ألمانية في التنف، وأخرى بريطانية، وثالثة فرنسية.

الحل سوري-سوري، وبات لأميركا خمس قواعد على التراب السوري.

الحل سوري-سوري، ولـ (حزب الله) ثلاث قواعد ثابتة في سورية؛ حاصر الزبداني ودمرها وقتَل من قتَل من أهلها وشرّد البقية، وحاصر مضايا وجوّع أهلها، ودمّر داريا وقتل وشرد أهلها عن بكرة أبيهم، وما زال الروس يتشدقون بالحل السوري-السوري.

لم تترك روسيا مجالًا أو فرصةً لتقويض القرارات الأممية وإفراغها من مضمونها إلا اتّبعتها، حيث استدعت -من خلال ضغطها على تركيا- بعض قادة الفصائل المسلحة إلى أستانا، لتُحدث شرخًا بين المعارضة السياسية والمعارضة العسكرية، لتعود وتفرض وجود ممثلين للفصائل المسلحة، في الهيئتين المفاوضتين: (الرياض 1) و(الرياض 2)، وقامت بفرض قدري جميل، كفصيل معارض يقيم في موسكو، وضغطت على الجميع من أجل إقصاء بعض الوجوه المعارضة، وفرض آخرين كمعارضين، كل هذا وروسيا ما زالت مستمرة بترديد العبارة نفسها: الحل سوري-سوري.

طرحت روسيا مشروع دستور سوري على السوريين في أستانا، وتبنته، وما زالت تُحاول منذ شهور عقد مؤتمر في سوتشي، تناقش فيه مع المدعوين الدستور والانتخابات، على الرغم من أن الموضوعين مطروحان للنقاش في جنيف. كيف سيناقش المفاوضون في جنيف هذين الموضوعين ثم تعود روسيا لتناقش الموضوعين ذاتهما في سوتشي؟ ثم تعود لتقول: إن الحل سوري-سوري!

كيف يمكن للسوريين أن يجتمعوا ويناقشوا قضاياهم، في ظل وجود كل هذه القوى المتنافرة على الأرض السورية؟ وكيف للسوريين إيجاد حل لصراع دولي جاد وحاد على أرضهم؟

بدأت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، بهيئة تفاوضية جديدة ووفد تفاوضي جديد من طرف المعارضة، وتغيّب عنها وفد النظام في يومها الأول مُحتجًا على شرط رحيل رأس السلطة، علمًا أن الشرط ذاته كان موجودًا، بصيغةٍ أقوى في أدبيات الهيئة العليا السابقة، وقد فاوض وفد النظام، طوال سبع جولات، بوجود هذا الشرط، فلماذا يرفض هذا الشرط اليوم؟

أتى الرفض لمجرد تخريب عملية جنيف التفاوضية، من أجل إجبار المعارضة السورية والمجتمع الدولي على الذهاب إلى سوتشي، كي تستكمل روسيا عمليتها بفرض رؤيتها للحل، بعيدًا عن القرارات الأممية، وبعيدًا عن مقر الأمم المتحدة، الذي تخطط روسيا للعودة إليه، بعد انتهاء مؤتمر سوتشي؛ ليكون مقر الأمم المتحدة مكانًا لتوقيع ما سيتم فرضه في سوتشي، كصيغة حل، أي تزوير إرادة السوريين وإخضاعهم لدستور، يجعل من سورية شيشان أخرى تتبع الفلك الروسي.

من بديهيات أن يكون الحل سوريًا-سوريًا أن ترحل جميع القواعد العسكرية الأجنبية عن الأرض السورية، أو أن تبقى لدعمٍ حل يُفضي إلى انتقال هادئ وسلمي للسلطة، عبر هيئة حكم انتقالي، أما بقاء هذه القواعد لتتدخل في الحل وشكله وشكل سورية القادمة، فذلك لا يُساعد على الإطلاق على إنجاز حل، بأي شكل من الأشكال، وستبقى هذه القواعد العسكرية متدخلًا سلبيًا، وعثرة في طريق الحل السياسي الذي يجب أن يكون طرفاه سوريين، كما تزعم روسيا.

من أكبر معوقات الحل اليوم اختلاف رؤيتَي موسكو وطهران للحل، بعد أن وصل الطرفان إلى ساعة الحقيقية، وهي الوصول إلى خط النهاية، في حربيهما المسعورة على الشعب السوري، وبعد أن سرّعت الولايات المتحدة عملية الانتهاء من مسرحية (داعش) الدامية والتي أُسدل الستار عنها أو يكاد.

يريد الروس إيجاد حل يضمن مصالحهم في سورية، إلى أمد بعيد، وهذا قد يحصل ضمن تفاهمات دولية، لكن ما من طرف إقليمي أو دولي مستعد لأن يُقرّ لإيران بأي حق أو تواجد في سورية في إطار الحل النهائي، وذلك ينطبق حتى على (إسرائيل) التي ليس من مصلحتها بقاء أي جندي إيراني رسمي أو غير رسمي أو مشروع مصالح ثابتة لإيران.

بالنسبة إلى إيران، هي تُقاتل من أجل حلمها التوسعي الكبير، وهو السيطرة على كامل المنطقة من البصرة على شط العرب، إلى اللاذقية وصيدا على المتوسط، وهذا ليس توقعًا أو تحليلًا، وإنما هذا ما أعلنه أكثر من قائد سياسي وعسكري إيراني على الملأ. والسؤال الآن: كيف ستقنع موسكو طهرانَ بأن حلمها مستحيل؟ وأنها ستسحب كل ميليشياتها لتعود إلى طهران خالية الوفاض!!

لما سبق مجتمعًا؛ فإن المنطق يقول إن الكارثة السورية هي كارثة دولية، وحلّها لن يكون سوريًا-سوريًا، فالحل يبدأ بدعوة دي ميستورا كلًا من النظام وروسيا وإيران إلى جنيف، لتوحيد رؤيتهم أولًا، وبعدئذ يمكن التفكير كيف يمكن للسوريين أن يتوافقوا على صيغة حل. قبل ذلك، كل ما يجري من اجتماعات وجولات في جنيف ما هو إلا طرق وأساليب ملتوية لإضاعة الوقت لمصلحة النظام.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون