من قيصر حميميم إلى “سيادة ” الأسد



سيظل التاريخ يذكر أي مهانة وذل واحتقار، رافقت اسمَ الأسد الابن، من الشعب السوري أولًا والعربي تاليًا. تأبى الصورة والحدث، منذ اندلاع الثورة السورية، إلا أن تعيد إنتاج ما نُعت به الطاغية، حتى استحوذ -بسنوات قليلة- على ما لصق بطغاة العصر الحديث، لتنصهر بصورته ومنطقه وحركته، نعوت العار، كوريث مُهان.

إطلالة الأسد الإعلامية وحركاته وحديثه تدل على استهزاء متعاظم، وكما قال الشاعر: “من يهن يسهل الهوان عليه”. حتى في عصر اليانكي والإمبريالية الأميركية التي كانت تدعم ديكتاتوريات وتسقط وتقيم أنظمة، كانت تحفظ لها ماء وجهها؛ أما هنا فلا احترام ولا تقدير بل الإهانة والإذلال. على عجلٍ يصافح بوتين الديكتاتورَ الصغير، ويهمس سنتحدث.. سنتحدث، كأنه يقول إنني في عجلة من أمري، جئت لأتفقد قواتنا وقاعدتنا. انتظرني هنا عند هذا الحد.

الأسد في مطار حميميم وحيدًا من دون وفد رسمي، ومن دون أي مسؤول حكومي أو عسكري وبروتوكولي، وقبل اليوم في سوتشي، وقبل ذلك يُشحَن الأسد إلى موسكو على عجل، للقاء قيصر الكرملين الذي يفتتن بعضلاته ممانعو الأسد، دون التدقيق بـ “المرمطة” التي مسحت سيادة الأسد، مئات المرات، في الشارع السوري، من العدو الإسرائيلي إلى حلفائه الممانعين. كل ذلك الهوان، من أجل الإمساك بكرسي ووهم الأبد.

بدا الأسد “ضيفًا” ثقيل الدم في قاعدة حميميم، وما الصورة التي رُتّبت على عجل، عند سلم الطائرة، سوى ديكور سيئ الإخراج، واليدُ التي منعته من اللحاق ببوتين، تمثل حقيقة وضعه ومآله في حكم سورية اليوم. موسكو تحصل على ما تريد من حميميم وطرطوس، والأسد لن يحصل على شيء سوى نشر الموت والدمار بكل أرجاء سورية.

منظر الإذلال الذي ظهر في صورة الأسد في حميميم، وهي قطعة من سيادة سورية التي يتباكى عليها الأسد، لا يوجد له سوى كلمتين “ليس أكثر مما كان”، وحين ظل الإمعان في استباحة كرامة الشعب السوري، في كل الاتجاهات التي استنبطها العقل الإجرامي والطائفي من تدمير للبيوت وإذلال للرجال أمام الزوجات والأطفال، لكسر الروح والصورة بفظاعة لا يمكن تشبيهها بأي فظاعات أخرى، لأي طاغية في العصر الحديث غير ما تثبته صورة الأسد وحركته وحديثه وسلوكه التي تثبت نفسها بمسلكيات واحدة مُخضعة، لكن الصورة ظلت تتكرر: يُستحضر الديكتاتور وحيدًا ليرضخ لإملاءات من يشاركه في قتل شعبه، في “معقله” أو معقل القيصر، يظهر ذليلًا دون كاميرات إعلامه أو مراسليه.

ممارسة السيادة الكرتونية، بإذلال، أمام من يدعم كرسي حكم، وبأدوات قتل وتدمير شامل، لكأن الصور التي أخذت للأسد، في موسكو أو اللاذقية وسوتشي، تهدف إلى تذكيره بحجمه وبدوره الجديد تحت سيادة القيصر، منذ بدء وحشية النظام وهجمة موسكو المؤازرة له؛ قرأنا ما لا يمكن أن نقرأه عند أكثر العنصريين في الغرب عن “السيادة السورية” التي يخاف عليها بوّاب حميميم، وعليه، فإن تلك الأصوات والأقلام التي تمادت على ضحايا مجتمعها تبلع لسانها؛ إذا تعلّق الأمر بكرتون السيادة المتعلق ببوتين ونتنياهو تحديدًا، وتخرجه ملعلعًا، إن تعلق بمطالب شعبها.

بعيدًا عن تصريحات بوتين، وابتهاج “مرياع” الأسد بإنجازات موسكو على الأرض، تبقى معركة الفعل هي الأشد والأشرس في مستقبل سورية، ويدرك بوتين فشل حسمها لصالح الأبد، تكفي المهانة التي انتهى إليها وضع الديكتاتور، ونعته بكل أوصاف الانحطاط، من أصغر طفل وطفلة في سورية، إلى إبعاد خطواته من على أرضه ومن معقله. سلوك الدجل والكذب كحيلة يتسلح بها طاغية ترد كل ممارساته المشينة والقاتلة في عيون مريديه وأتباعه على أنها انتصارات، يكررها على مسمعه من يمارس عليه فعل الاستعلاء والتحقير.

أليست صورة مقززة لهذا المعتوه، الذي ينام بالقرب من مسالخ بشرية، وجثث تتفحم في أفرانه، وقد أحيلت جغرافيا سورية إلى قواعد روسية وإيرانية وأميركية وتركية، وإلى معقل لكل عصابات الأرض، بينما نراه يرتدي بدلة وربطة عنق، يتمتم بهذيان عن وحدة سورية وقوتها وانتصارها.


نزار السهلي


المصدر
جيرون