الخدمة الإلزامية وسيلة للتهجير القسري



عندما بلغت الثورة المسلحة أوجها، وتحررت أجزاء واسعة من الأرض السورية، واستنزف النظام بعض القطاعات المؤيدة، وعوّض هذا الاستنزاف والتشققات التي أنهكته منذ بداية الثورة، باستقدام ميليشيات طائفية عراقية وأفغانيةٍ ولبنانية، من نوع طائفي واحد، وظهر اعتماده على الميليشيات من خلال استراتيجية الأمواج البشرية التي يزج بها في المعارك؛ لوحظ أن أكثر ملمح يمكن أن يلحظه المراقب لجهة القوة العددية التي تُرمى في المعركة، بعد ميلان كفة النظام في أكثر من جبهة، وبخاصة حلب وإعادة احتلالها، أن النظام وحليفيه: الروسي الإيراني، قد نفّذوا أكبر حالة تهجير قسري في القرن، ولكن هذا التهجير لم يكن وحده الوسيلة التي استخدمها النظام ضد الشعب، فهو يحتال على النظم والقوانين المُجرِّمة لهذا الفعل، بحيل شتى؛ ومن بينها الخدمة الإلزامية التي تُعدّ سيفًا مُصلتًا على رقاب الشباب في مناطق سيطرته.

إذا أجرينا مقارنة بين تصريحات رأس النظام السوري بشار الأسد وحلفائه، وبين إجراءاته على الأرض؛ فسنخرج بنتائج غريبة؛ إذ يُطالعنا خطاب الأسد عن المجتمع المتجانس الذي قاله وتمسّك به، إلى جانب إعلانات النصر على الإرهاب و(داعش)، من قِبل إيران وروسيا، ونحصل على تبرير منطقي لعدة إجراءات قامت -وما زالت تقوم- بها حكومة النظام.

أليس المنطقي أن يترافق إعلان النصر على الإرهاب، بالبدء بتقليص عديد القوات المسلحة؟ هذا، إذا سلّمنا بأن القوات المسلحة هي التي شكّلت ورسمت “النصر” المزعوم، في ظل ظهور الميليشيات الشيعية، بكل صلف وصراحة في المجتمع السوري، وفي ظل استدعاءٍ بطائرة الشحن لرأس النظام إلى سوتشي، لكي يُذعن بأن النصر حققته القوات الروسية، وقبل ذلك، إيران التي قالت صراحةً إنها صاحبة الفضل بالنصر. نجد أن لا مبرر لهذه الإجراءات سوى الحصول على شعب متجانس، بتهجير قسري مبطن وغير معلن ومغلف بغلاف قانوني.

في ظل المجتمع المتجانس و”النصر المبين” الذي يُعلنه الجميع، ما الحاجة إلى العديد! وما الذي يجعل النظام يرفض تسريح الدورة 102، وبتسارع مضطرد تظهر إجراءاته، برفع سن الاحتياط إلى 52. إذًا من الواضح أن المسألة ليست لا حاجة إلى العديد، بل هي إجراءات تهجير تستتر في عباءة القوانين التي لا تعني سوى أن الأسد يستهدف النسيج الاجتماعي السوري مباشرة، ليبقى سيف دورياته الأمنية مسلطًا على رقاب من هادنه أو صالحه، أو اختار أن يبقى في داره، أو هو أصلًا تحت سيطرته، إذًا علينا أن نُدرك أن كلام الأسد عن “المجتمع المتجانس”، يعني أن من لم تُهجّره قوة القتل العاتية؛ فستُهجّره القوانين التي تجعل بقاء الشباب من 18 إلى 52 في سورية مستحيلًا.


هشام أسكيف


المصدر
جيرون