هدية ترامب وهدايا الأسد



لا بدّ للمتأمل مليًا في واقع الحال، هذه الأيام، أن يلحظ حالة الحراك والخلط السياسي، التي تشهدها خشبة مسرح الأحداث، على الساحتين الفلسطينية والسورية، فهناك موجة نشطة تصعّد وتيرة الأحداث السياسية والعسكرية، تقاطعت عند تتويج الرئيس الأميركي ترامب موقفه من القدس، باعتبارها عاصمة أبدية وموحدة لـ (إسرائيل).

في النسق ذاته، تأتي المواقف العربية، وبعضها يُفصح عن رغبة سريعة في التطبيع مع (إسرائيل)، نظرًا إلى توفر “الظروف الملائمة”، فما الذي يجري يا ترى، وما الدوافع والأهداف الكامنة وراء هذه الحمى السياسية والعسكرية.

الفرضية الأساسية الأولى التي تقفز إلى المقدمة، عند محاولتنا فهم ما يجري على الساحة الفلسطينية، تتمثل بواقع الحال الذي الذي وصلت إليه تطورات الثورة السورية، وما أفرزه سلوك النظام السوري وأداؤه في الميدان، وما ترتب على نتائج ما نشهده من حالة افتراق كبرى مع قضايا أساسية، جوهرها حرية الإنسان وتحرره من الاستبداد والاحتلال.

سيرورة الأحداث في سورية، وتعاظم الجرائم على مختلف أشكالها، باتت تفرض الوقوف مليًا، بهدف التقييم ورصد اتجاهات التفاعل مع جرائم أخرى، نشأت وتطورت، وفق المخطط الابتدائي الذي صاغه حكم الأسد الابن، بالتنسيق الكامل مع كل من موسكو وطهران.

هذا يعني أن خط البداية يقع هناك، عند الخطوط التي وصلت إليها عمليات النظام السوري وحلفائه الذين سهلوا تطويع وتسهيل جرائم أخرى، تبدو بجانب ما تقترفه من تطهير عرقي وجرائم إبادة، سهلة التحقق والنفاذ، على الأقل من الناحية النفسية، باعتبار أن ترسيخ الهزيمة في عقل الإنسان العربي مهمة لا تنفصل عن وظيفة الطاغية والمحتل، قدّم بموجبها الأول هدايا تحمل على إقدام الأميركي بالإفصاح عن خطواته المؤجلة، جمع الأرباح من جرائم الأسد، ومن تحديد استراتيجيات عملٍ استلزمت ضبط التوقيت الأميركي الإسرائيلي، على إفرازات عصابات النظام السوري في عموم سورية، وما أحدثته من اختراقات عميقة في واقع الحال، عبر أكثر من بوابة، أولها وأخطرها ضرب بنية المجتمع السوري وتشتيته، وما تلا ذلك من فظائع، وثانيها صمت عربي ودولي، بجانب إسناد قوي من موسكو وطهران لجرائم الأسد.

على هوامش هذين الخرقين؛ تأتي عملية الخرق الأميركي بالاعتراف بالقدس، والإسرائيلي بالتطبيع مع أكثر من بلد عربي، عبر ما يسمى “مكافحة الإرهاب” الذي شكّل الاحتلال والطغيان نبعهم الأول. النظام السوري، بإسناد كامل من طهران وموسكو وتواطؤ المجتمع الدولي، تحرك -منذ بداية الثورة السورية- ضمن قواعد ومسلّمات، فرضها على السوريين وعلى العالم كله، بحيث بات أمر “ترانسفير” ملايين البشر مألوفًا، وقتلُ مليون إنسان، وتدمير حواضر المجتمع، له ما يبرره، فحقق “نجاحات” باهرة، في الإفلات من العقاب على جرائم الحرب والإبادة، وفرض أولويات تتماهى مع الخطاب الأميركي والصهيوني، بخصوص مكافحة الإرهاب ومبررات تنفيذ الجرائم.

أداء النظام السوري، وارتباطه بجذر الجرائم، أعاد الأمور إلى أصولها، ومكّن مناورة “الإسرائيلي”، من تصويب أهدافها بدقة. إذ جَذبَ النظام السوري مركز ثقل الفاشية إلى محوره، واستخدم الإسرائيلي جرائمَ النظام جسرَ عبور نحو النظام الرسمي العربي، ليخفف من جرائمه، هكذا هي اللوحة، ما دامت الأمور تدور ضمن هذا المسرح، وتحقق الأهداف والرضوخ لمنطق الطاغية الذي يوفر مزيدًا من الانهيارات العربية التي تتساوق مع فهم المحتل لدوره ووظيفته، ممن يخشى الإسرائيلي في تعجيل العدوان والتهويد والترحيل؟ وما الذي يعوق واشنطن عن الإعلان عن القدس عاصمة لـ (إسرائيل).

يختتم مجلس وزراء الخارجية العرب بيانهم المستنكر سياسية ترامب، فيما يطالب وزير خارجية لبنان بعقد قمة عربية بشأن القدس. وهو شخصيًا الذي يُمارس عنصرية وعنجهية ضد أهل القدس والقصير وحلب وحمص وكل السوريين، ويطالب بطردهم، مع سياسة عربية، تمارس الإذلال ضد أبناء فلسطين على الحدود والمطارات، هي أجبن من أن تفكر بشيء مختلف عما تعتمل به عقلية رسمية عربية، جل ما أنتجته دعم قتلة شعوبها.

تفاخُر ترامب بإسناد نتنياهو، يقابله تفاخر طهران بالاستيلاء على عواصم عربية، ويتفاخر الأسد ببوتين والولي الفقيه. الفرق أن غطرسة الأسد خلفت دمارًا لكل سورية، وعنجهية نتنياهو تُكسبه المزيد من “الإنجازات”، ولسان حاله يقول: ها هم حلفائي، وهذه هداياهم، فماذا جلب لكم حلفاؤكم سوى مساعدتنا في تسريع تحقيق أحلامنا! هل اتضح الفرق، بين هدية ترامب لنا، وهدايا الأسد أيضًا لنا!


نزار السهلي


المصدر
جيرون