العلاقات الإنسانية بين الحقيقة والمصلحة



كانا على اتصال دائم بشكل سري، بعيدًا عن أعين الناس، خوفًا من النقد والتدخل وإطلاق الأحكام. هو يسكن في مدينة صغيرة مهمشة، أغلب سكانها يفتقدون إلى أبسط أسس المعيشة الكريمة، وهي تعيش في مدينة تُعدّ من أهم مدن العالم، كواجهة سياحية واقتصادية. جمعتهما الصدفة بلقاء عابر في أثناء ورشة عمل، ضمت أشخاصًا من دول مختلفة. كان الحديث الأول هو الذي أشعل وهج المشاعر بينهما إلى أن افترقا بعد عدة أيام، على أمل الاستمرار في التواصل.

بالفعل، استمرا بالتواصل عدة أشهر، على نحو شبه يومي، عبر تبادل الصور والكلمات اللطيفة، ثم طلب هو أن يزورها، بعدما أصبح لا يحتمل حرارة الشوق إليها، كما كتب لها: “لم أعد أحتمل مرَّ الفراق وقسوته”. أما هي فكانت تتهرب في كل مرة، بالرغم من مشاعر الألفة والحب التي بدأت تغزو قلبها. كانت تحتاج إلى وقت أطول، كي تتعرف إليه وتثق به، لكن إصراره على زيارتها، بعدما صارحته بأنها ليست مستعدة الآن، وأنها تحتاج إلى المزيد من الوقت كي تثق به، زاد من شكوكها وخوفها، ودفعها إلى أن تقترح عليه أن يلتقيا في بلد عربي مجاور لبلده، لكن ردة فعله على الفكرة واعتبارها شكًا في نيّاته، جعلها أكثر قلقًا وتوجسًا منه.

ما نفهمه من هذه القصة هو أن الشاب كان يبتز الفتاة عاطفيًا، للوصول إلى هدف معين، وهو في هذه القصة كان يهدف إلى الارتباط بها صوريًا؛ ليتمكن من الحصول على تأشيرة دخول نظامية للوصول إلى البلد الأوروبي الذي تعيش فيه، وقد انكشفت لعبته، عندما رفض اللقاء في بلد عربي، وأصرَّ على عقد خطوبة أو زواج أو طلب زيارة. وكانت الشكوك قد راودتها منذ البداية، ولكن حاجتها إلى الحب جعلتها تكذب نفسها، إذ استطاع بكلماته وصوره أن يغزو مشاعرها، إضافة إلى الدعم العاطفي الذي تحول إلى قوت يومي يغذي روحها.

يستخدم الكثير من الرجال والنساء الابتزاز العاطفي، للوصول إلى هدف محدد، من خلال استغلال حاجة الآخر إلى العاطفة، وتعطشه إلى الاهتمام والدعم النفسي. كانت نهايات كثير من هذه القصص مدمرة لاستقرار الشخص الذي تم ابتزازه.

كي ندخل في علاقة عاطفية، وقبل أن نُعطي مفاتيح قلوبنا للآخرين، علينا التعرف إليهم عن قرب، والتعامل معهم مدة كافية، قبل الحكم عليهم، والدخول معهم في علاقة قد تكون نتائجها سلبية. على الطرفين في مجتمعاتنا التي أصبح يسيطر عليها (السوشيال ميديا)، كأساس من أسس التعارف، تحولت فيها العلاقات العاطفية إلى بضاعة في سوق شعبية، وكل يعرض أجمل ما لديه؛ ما يجعل بعضنا يقع في فخ الخديعة. العلاقات لا تبنى على أسس ظنية، افتراضية، وهمية، وخصوصًا إذا كان الهدف منها الزواج، الذي غالبًا ما يكون -إن حصل- زواج مصلحة بنيَ على الاستغلال للوصول إلى غاية معينة، وسوف ينتهي بمجرد أن تتحقق تلك المصلحة، ولو بعد سنوات. وليس غريبًا أن نرى فتاة توافق على الزواج من شاب، من أجل الحصول على جنسية، أو شابًا يتزوج من امرأة أكبر منه في العمر، لكنها تملك المال والثراء ومركزًا مرموقًا، بحيث تكون له الخزانة المتنقلة، وسرعان ما يتوقف قطار الحياة الزوجية، بعد أن يحصل أحد الطرفين على ما رغب فيه، وخطط له.

العلاقات الإنسانية الحقيقية المبنية على الاحترام والمشاعر الصادقة، دون أي أهداف، هي أجمل العلاقات، أما علاقات المصلحة فهي علاقات مسمومة، حيث يرتدي صاحب المصلحة الشخصية قناع التودد والتلطف، إلى أن يظهر ما يريده وتظهر حقيقته.


رانيا توفيق الحلاق


المصدر
جيرون