‘صحيفة فزغلياد: روسيا نجحت بتجنب تكرار أخطائها في أفغانستان’
15 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
الصورة: Kremlin.ru
“الوطن ينتظرنا، أيها الأصدقاء. أشكركم على خدماتكم”. بهذه الكلمات توجّه القائد الأعلى للقوات المسلحة فلاديمير بوتين، إلى الطيارين الروس المقاتلين في سورية، وأمر بالاستعداد لانسحاب المجموعة الروسيّة. وبالفعل، تمكنت روسيا من تحقيق نصرٍ عسكري باهر في سورية، ولم يبق إلا أن نحدّد العوامل التي ساعدت في ذلك.
“أنتم تعودون منتصرين إلى منازلكم، أقاربكم، أصدقائكم، ذويكم وزوجاتكم وأطفالكم. الوطن بانتظاركم أيها الأصدقاء. رافقتكم السلامة! أشكركم على خدماتكم”. قال الرئيس فلاديمير بوتين القائد الأعلى للقوات المسلَّحة، في خطابه يوم الإثنين من قاعدة حميميم، وأمر بالتحضير لخروج المجموعة من سورية. وكان القرار قد اتًّخذ على ضوء الهزيمة الكاملة التي لحقت بتنظيم “الدولة الإسلاميّة”، الأمر الذي سبق أن أعلنه الرئيس يوم الأربعاء.
أكدّ بوتين، متوجهًا لزميله السوري بشار الأسد، أنَّ “التهديد الإرهابي ما زال عاليًا بشكلٍ عام، ولكنّ المجموعة الأبرز في سورية: (تنظيم الدولة الإسلاميّة) قد منيت بالهزيمة”. من جانبه، وباسم الشعب السوري بكامله، عبّر الأسد لبوتين عن عميق الامتنان للدور الذي لعبته القوات الجوية والفضائية الروسية في مجمل الصراع.
تنقل وكالة (ريا نوفوستي) بعض ما قاله القائد العام للقوات الجويّة والفضائية الروسية الفريق سيرغي سوروفكين: “كلِّفت بمهمةٍ، وباشرت بسحب 25 طائرة، من ضمنها 23 طائرة مختلفة المهام، وطائرتي هليكوبتر k-52، إضافة إلى مجموعةٍ قتالية من الشرطة العسكرية الروسية، وكتيبة من القوات الخاصّة، المستشفى العسكري الميداني، كتيبة إزالة الألغام”. وبناءً على تعليمات بوتين، ستبقى بشكلٍ دائم نقطتا تمركز للقوات الروسية: القاعدة الجويّة في حميميم ونقطة الإمداد والخدمات التقنية للقوات البحرية في طرطوس.
قال القائد العام السابق للقوات الجوية الروسية، ورئيس لجنة المجلس الفيدرالي للدفاع والأمن حاليًا، فيكتور بونداريوف، لوكالة (إنترفاكس): سد باسم الشعب السوري كلٍّه”ستبقى في حميميم قواتنا الجوية: قاذفات، مقاتلات، طائرات هجومية، طيران الجيش (معظمه هليكوبتر). كما ستبقى أنظمة الدفاع الجوي”. ويرى الجنرال أنّ وجود قوات الهندسة الروسية يكتسب الأهميّة الأكبر في الوقت الراهن، فيقول: “يشارك الروس في نزع الألغام من أراضي البلاد. وأعتقد أنّ دولًا أخرى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ستنضمّ للمشاركة في هذا العمل. وبالمناسبة، في أيلول من عام 2015، كان بونداريوف بالتحديد هو من يقود القوات الجوية الروسية في سورية. ويرى الخبراء أنّ الطيران الروسي قد حقق نتائج أسطورية، خلال هذه الفترة.
بحسب وجهة نظر رئيس تحرير مجلة (أرسنال الوطن) العقيد الاحتياط فيكتور موراخوفسكي، فقد استخدم الضباط الروس طرقًا قتالية تكتيكية معروفةً، إذ كانوا ينفذون هجمات متزامنة من الخلف وعلى الأجنحة، تؤدي إلى تدمير مجموعات “تنظيم الدولة الإسلاميّة”. كما كانت تستخدم أيضًا المناورة للتغلغل عميقًا والاستيلاء على أجنحة ومؤخرة العدو، ومن ثمّ القيام بهجمات على تلك النقاط والاتجاهات غير المتوقّعة.
وكما قال لصحيفة (فزغلياد) رئيس قسم أبحاث نزاعات الشرق الأوسط لدى معهد التطوير الإبداعي أنطون مارداسوف: “بقيت الكثير من العمليات العسكرية الروسية في الظلّ، على سبيل المثال عمليات الإغارة وأعمال طياري الهليكوبتر، التي كانت ضرورية ومهمّة للغاية. وهكذا يمكن القول بثقةٍ إنّ روسيا أظهرت أساليب حربٍ، مكنتها من تحقيق نتائج باهرة بأقلّ الموارد”.
حققت روسيا النصر في سورية، خلال عامين ونصف العام. وبهذا، لم تتحقق التوقعات الكثيرة التي أطلقت من الغرب، بتحول هذا البلد إلى أفغانستان أخرى بالنسبة إلى موسكو.
لم نعمل على بناء الاشتراكية هناك
“يجب أن نفهم، أنهم بدؤوا بناء الاشتراكية في الخنادق السوفيتية. وقد كان هذا الأمر يستحوذ على القسم الأكبر من الاهتمام على كامل مساحة أفغانستان، واستلزم مساهمةً حقيقية من قبل القوات السوفيتية الأرضية. كان لدينا في أفغانستان قوات برية وجوية، وقوات حرس الحدود، يذكّر موراخوفسكي، مضيفًا: أمّا هنا (في سورية) فلم نكن نخطط لبناء نظامٍ سياسيٍّ ما، بل كانت لدينا مهمّةٌ محدّدة وضيقة، هدفها القضاء على تشكيلات (داعش). والمهمة السياسيّة الوحيدة كانت عدم السماح بتفكك سورية”.
كما هو معروف، كان الرئيس بشار الأسد قبل أيلول 2015، يسيطر على 15 بالمئة فقط، من الأراضي السورية (أي 19 ألف كم مربع). حينذاك، تقدمت دمشق بطلبٍ إلى موسكو للحصول على المساعدة، مستندةً إلى اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة عام 1980. في 3 أيلول عام 2015، منح المجلس الاتحادي الرئيسَ بوتين الموافقةَ على استخدام القوات المسلّحة في سورية. في البداية كانت المجموعة الجوية تتكون من 50 طائرة وهليكوبتر، ومن ثمّ، في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، ارتفع عدد الطائرات الحربية وحدها إلى 69 طائرة. وفي الوقت نفسه، بدأت القوات الجوية والفضائية الروسية، باستخدام الطائرات بعيدة المدى في عملياتها في سورية، وأطلقت صواريخ مجنّحة (جوّ-أرض) على مواقع العدو. وعلى التوازي قامت سفن أسطول بحر قزوين بإطلاق مجموعة صواريخ على أهداف لـ (داعش) في سورية.
في الوقت الحالي، تمّ تحرير محافظة اللاذقية (حيث تقع قاعدة حميميم)، حلب، مدينة تدمر. كما تمّ فكّ الحصار عن مدينة دير الزور التي كانت محاصرةً طيلة سنوات. ويجري ضرب مواقع الإرهابيين في محافظتي الرقة وإدلب. وفي شهر تشرين الثاني، اشتدت المعارك في آخر معاقل (داعش) قرب الحدود السورية-العراقية. بحلول شهر أيلول، كانت القوات الجوية الروسية قد نفذت أكثر من 28 ألف مهمة قتالية، و90 ألف ضربة بمواقع المقاتلين. وكانت خسائر القوات المسلّحة الروسية حتى اليوم على النحو التالي: 3 طائرات (أسقطت إحداها سو- 24 من قبل الطائرات التركية، وسقطت اثنتان سو-33 وميغ-29 ك، في البحر، عند محاولة الهبوط على سطح حاملة الطائرات الأدميرال كوزنيتسوف) و5 طائرات هليكوبتر.
خلال الأشهر الثماني الأخيرة فقط، تمّ تحرير أكثر من “67 ألف كم مربع من الأراضي السورية، وحوالي ألف قرية وبلدة، و78 بئر نفط”، ورد في تقرير قائد القوات الجوية الروسية سيرغي سوروفكين. خلال هذا الوقت، نفّذت الطائرات حوالي 7 آلاف طلعة، وتمّ القضاء على ما لا يقلّ عن 32 ألف مقاتل، وتدمير 394 دبابة وأكثر من 12 قطعة سلاح وعتاد حربي.
بالنتيجة، أصبحت دمشق تسيطر على 78 ألف كم مربع. ويبقى الأهمّ برأي الخبراء، أنّ الجيش السوري تغيّر نوعيًّا.
مراحل العملية العسكرية الروسية الثلاث
يقول رئيس أكاديمية المشكلات الجيوسياسية الدكتور في العلوم العسكرية كونستانتين سيفكوف، أنّ القوات الجوية الروسية عملت خلال المرحلة الأولى (6-7 أشهر)، بشكل أساس على تدمير احتياطات العدو الاستراتيجية، وعلى شلّ بنيته التحتية وأنظمة إدارة الحلقة العملياتية-الاستراتيجية في المؤخرة. ويضيف أنّ ما دفع القيادة العسكرية لاتباع هذا الأسلوب هو غياب التنسيق مع القوات المسلّحة السوريّة: “لم يكن الهيكل القيادي السوري جاهزًا”.
في المرحلة الثانية، ابتداءً من ربيع 2016 ولغاية منتصف الخريف، “ركّزت القوات الجوية الروسية على دعم عمليات قوات الجيش السوري بشكلٍ رئيسيّ، وكذلك على تدمير خطوط تحرّك الخصم، يشير سيفكوف. ويضيف قائلًا: “تمّ في هذه المرحلة استعادة وتنظيم السيطرة التامّة داخل هياكل الجيش السوري، وكذلك التنسيق مع القوات الجوية الروسية. وارتبط ذلك بالظهور المكثف لخبرائنا ومستشارينا، الذين تركوا بصمةً حاسمة، في وقتٍ لم تكن قدرات الجيش السوري الكامنة قد نضجت بعد لتنفيذ المهمات المطروحة أمامها”.
أمّا المرحلة الثالثة والختاميّة “فقد انتقلت القوات الجوية الروسية مجددًا إلى العمليات ضدّ الأهداف الخلفية، وبخاصّة ضدّ مجموعات العدو التي تقوم بالمناورة”. ونوّه الخبير إلى بروز نواةٍ قيادةٍ جيدة الإعداد. وبفضل عمل المدفعية المتميّز وتنسيقها العالي مع بقيّة القوات، انخفضت الحاجة إلى الدعم الجويّ المكثّف والمباشر من الجوّ، مع أنَّ مثل هذه الحاجة بقيت قائمة.
انبعاث الجيش السوري
في البداية، لم تكن درجة إعداد الكتلة الرئيسيّة للقوات الحكومية تسمح بتطبيق الخطط العملياتيّة-التكتيكيّة التي أعدَّها الجنرالات الروس بصورة كاملة، يوضّح موراخوفسكي، مضيفًا: “استلزم الأمر بذل الكثير من الجهد لإعداد القوات السوريّة، بحيث أصبح بمقدورها في المرحلة النهائية استخدام التطبيقات العسكرية الحديثة”.
وإذا ما قارَّنا ما قام به البنتاغون، يتضح أنّ الأميركيين لم يخوضوا عمليًّا معارك قتالية، في العراق وسورية، يقول موراخوفسكي. ويذكِّر الخبير بأنّ القوات الجوية الروسية تميّزت باستخدام الطائرات -على قلّة عددها- بكثافةٍ عالية، “أي أنّ نتفوق على الأميركيين وحلفائهم في التحالف، من حيث عدد الطلعات التي قامت بها كلّ طائرة أو هليكوبتر، ومن حيث عدد الغارات التي نفّذتها في كلّ طلعة. بالإضافة إلى ذلك، نحن بدأنا من لحظة بدء العمليات حول دير الزور بتقديم الدعم الجوي للقوات السورية على الأرض، أي باستخدام القاذفات الهجومية سو-25 وطائرات هليكوبتر التي تحلّق على ارتفاعاتٍ منخفضة. أمّا الأميركيون فإنّهم لا يفعلون هذه الأمور، وبالتالي لا يقدمون الدعم المطلوب للقوات الأرضية”، قال المتحدث لصحيفة (فزغلياد).
يذكّر الخبير مارداسوف بأنّ ما أُنجز فعليًا هو المرحلة الأساسيّة من العملية فقط، وأوضح: “الآن يبدأ الجزء الأكثر إثارة، لأنّ الشرطة العسكرية والمجموعة الجويّة ستبقيان، وكذلك سيبقى طيران مجموعة الجيش أي (الهليكوبتر بشكلٍ أساسي) لتأمين أمن المطار والقاعدة الجوية وللقيام بعمليات الاستطلاع ونقل الإمدادات وغيرها. ويجب ألا ننسى أنّه ما زالت بؤر “تنظيم الدولة الإسلامية” موجودة في شرق سورية وعلى الأراضي العراقيّة.
يخلص الخبير إلى أنّه “يجب القيام هناك بعمل بحثٍ عملياتي وشنّ الغارات. وتبقى لدينا مشكلة واحدة، تتلخّص بكيفية تنفيذ فكرة مناطق خفض التوتر. ويجب الاستمرار بأخذ جميع هذه العوامل بالحسبان بعد سحب جزءٍ من المجموعة الروسيّة”.
اسم المقالة الأصلية
России удалось не повторить в Сирии афганских ошибок
كاتب المقالة
نيكيتا كوفالينكو
مكان وتاريخ النشر
صحيفة فزغلياد. 11 كانون الأول 2017
رابط المقالة
https://vz.ru/politics/2017/12/11/899014.html
ترجمة
سمير رمان
سمير رمان
[sociallocker]
جيرون