وزراء النظام السوري… انفصال كيفي



لم يكن لدى السوري، في الأعوام السابقة، رغبة حقيقية في معرفة اسم وزير من الوزراء؛ ذلك أنه على علم مسبق بأن هذه المعرفة لا تفيد بشيء، وهي ليست جزءًا من همومه التي لا تحصى، إضافة إلى معرفته المسبقة بكيفية عمل هؤلاء الوزراء -الذين يعتبرون موظفين لدى الأجهزة الأمنية فقط- وبعدم قدرتهم على اتخاذ قراراتهم بشكل مستقل عن الأفرع الأمنية التي توجههم، وتفرض عليهم ما يجب القيام به، باستثناء قرارات توظيف الأقارب والأصدقاء، والتي لا بدّ من الرضى عنها أمنيًا.

من المسموح للمواطن السوري، في كل أزمة اقتصادية، شتمُ هؤلاء الوزراء، وتحميلهم المسؤولية، بل إن هناك من يوجه المواطنين لفعل ذلك (على مبدأ الرئيس ما في منه بس البطانة الحكومية التي تحيط به هي الفاسدة).

أحيانًا، يُطلب من الوزراء أن يدلوا بتصاريح إعلامية، تزعج المواطن السوري، ثم بعد أيام يقرر رأس النظام شيئًا آخر. من ذلك مسألة زيادة رواتب الموظفين؛ إذ يُمهّد لها دائمًا، قبل أسبوع أو أكثر بأن يخرج وزير المالية ليصرح بعدم إمكانية زيادة الرواتب، وبعد أيام، يصدر رأس النظام مرسومًا بزيادة الرواتب، وهكذا يحمّل النظامُ الفسادَ والأزمات للوزراء، ليخرج هو بصورة الحريص على مصلحة المواطن.

بعد قيام الثورة في سورية؛ تغيّر الأمر، وفرضت مواقع التواصل الاجتماعي واقعًا جديدًا، وأصبحت أسماء الوزراء على لسان كل السوريين، يشتمونهم ليل نهار، وهذا يعود إلى تصريحاتهم الغبية البعيدة عن الواقع بعدًا كليًا أو بالأحرى هي منفصلة عنه، كان آخرها (تصريح الجوع) لوزير المالية مأمون حمدان، في جلسة لمجلس الشعب، حيث قال: لا أحد في سورية جائع، ويتابع بشكل هزلي ضاحكًا (أنا شخصيًا بجوع.. لأنوا ما عندي وقت آكل..). ليس بمقدور أي شخص أن يقبل كلامًا كهذا يصدر من (وزير)، في أي وقت من الأوقات، فكيف الحال في هذا الوقت الذي يموت فيه أطفال الغوطة التي لا تبعد كثيرًا عن مقر مجلس الشعب، جوعًا وحرمانًا؟ لا شك بأنه لا يعترف بجوع الغوطة، كنظامه تمامًا، ولكن ماذا عن جوع المناطق (الآمنة) التي وردت منها أغلب التعليقات على (فيسبوك) بعد التصريح، أحدهم كتب معلقًا: (إذا عندي ولدين، وما أكلنا غير فلافل وسندويشة الفلافل بـ 150 ليرة، فيك تحسب لي كم احتاج بالشهر من المال لمصروفنا.. وهي فلافل بس! ما شربنا معها شيء ولا دفعنا فواتير.. راتب واحد بكفي!) بالنسبة إلى راتب الموظف في سورية، حتمًا لن يكفيه ثمن فلافل، شخص مثله لا بد أنه منفصل عن الواقع غير أن هذا الانفصال (انفصال كيفي). هذا التصريح أثار موجة غضب كبيرة، ما زالت مستمرة حتى الآن، وأعتقد أنها لن تنسى. وبما أن (الوزراء) في سورية متشابهون، فقد سبق هذا الكلامَ تصريح لوزير الكهرباء (محمد زهير خربطلي) الذي ناب عن سابقه (عماد خميس)، في تلقي الشتائم، خربطلي كان قد صرّح بأن عدد ساعات التقنين قد خفّض، وعزا ذلك إلى انتصارات الجيش!! هذا في الوقت الذي بدأ الشتاء يدق على الأبواب، ولم تعد الكهرباء موجودة، ازدادت ساعات التقنين، وازداد حرمان المواطن من جميع وسائل التدفئة، وأصبح يقضي شتاءً كما الشتاء الفائت، يتمنى فيه أن ينتفي هذا الفصل من السنة، لكثرة معاناته فيه. يكتب شاب تعليقًا على هذا التصريح، يقول فيه (حضرتك عم تحكي، واليوم ما شفنا الكهرباء.. ولّا عندك ما في تقنين.. يمكن عايش عا لقمر إنت والعيلة) طبعًا هذا أكثر التعليقات تهذيبًا.

لم يكن وزير التربية والتعليم (هزوان الوز) خارجًا عما هو عليه زملاؤه، وقد نال النصيب الأكبر من الضجة الإعلامية، في بداية العام الدراسي، بسبب صدور المنهاج الجديد الذي أثار موجة رفض كبيرة، فخرج الوزير ليُصرّح في جلسة لمجلس الشعب بأن المنهاج الجديد لا غبار عليه، وأن الخطأ موجود في كتابين فقط، وقد أمر بتصحيح الخطأ.. وتابع الوزير تصريحاته، وظهر مجددًا على شاشة التلفزيون السوري، ليقول إنه محتج أيضًا على المنهاج، ويجب معاقبة المسؤولين عنه!! إلى هنا، يمكن أن نتفهم أن لكل مكان تصريحه الخاص، لكن ما لا يقبله عقل أن يقول (وزير التربية) إنه لم يطلع على المنهاج قبل صدوره.. وهذا التصريح الذي لم يُعرف -حتى الآن- كيف يمكن أن يُلبسه الوزير معنى مختلفًا.

هؤلاء هم وزراء النظام السوري، الذين يشبهونه ويعملون في خدمته، كي يكون لهم نصيب من الغنيمة التي يفترسونها، متناسين البلد المدمر والشعب المشرد والمهجر، ومتجاهلين أولئك الأطفال الذين يموتون جوعًا. ويمضون في طريقهم على الأنقاض والأشلاء، من دون النظر إلى الأرض وأهلها أو التفكير لحظة بمصيرهم.


زين الأحمد


المصدر
جيرون