البادية السورية.. ثقب أسود يبتلع خصوم واشنطن



ترفع موسكو وتيرة العداء لواشنطن، من خلال خطابها المعادي لسياسات الولايات المتحدة الأميركية في شرق سورية، متهمةً إياها بتقديم الدعم اللوجستي لتنظيم (داعش)، وتسهيل انتقال عناصره من المناطق التي سيطرت عليها ميليشيا (قسد)، في الجزيرة السورية باتجاه البادية، في وقتٍ يرى فيه مراقبون أن واشنطن تريد استنزاف روسيا في منطقة البادية السورية.

قال مركز المصالحة الروسية في سورية، يوم السبت الماضي: إن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة “يواصل تعاونه مع بقايا الإرهابيين في سورية”، وأشار إلى “إنشاء (واشنطن) معسكر تدريب، قرب مدينة الحسكة، يضم 400 عنصر من مقاتلي التنظيم الذين سهلت الولايات المتحدة الأميركية خروجهم من الرقة”، كما اتهمت وزارة الدفاع الروسية، في وقت سابق من الشهر الجاري، التحالفَ الدولي بمحاولات إعاقة استهداف الطائرات الروسية، لمواقع تنظيم (داعش) في شرق سورية.

يأتي ذلك بالتزامن مع تطورات عسكرية متلاحقة، تشهدها منطقة البادية السورية، بخاصة بعد الهزائم العسكرية المتلاحقة التي مُني بها التنظيم في محافظة دير الزور، حيث يُرجح كثير من المراقبين، توجه معظم مقاتلي التنظيم باتجاه البادية السورية، وهو ما يتماشى مع خطاب البغدادي الأخير، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي تحدث فيه صراحة عن عودة التنظيم إلى حرب العصابات، وتكتيكات الاستنزاف في المناطق الأكثر صعوبة في العمق الصحراوي، بعدما خسر أهم مناطقه المدنية الحضرية كالموصل والرقة، كما ألمح إلى ضرورة استغلال تناقض المصالح الدولية والإقليمية، من أجل تحقيق أهداف التنظيم.

يرى كثير من المراقبين أنّ الولايات المتحدة الأميركية حسمت سيطرتها على منطقة الجزيرة السورية، وتسعى الآن لاستنزاف روسيا وإيران، في حرب طويلة الأمد ضد تنظيم (داعش) في البادية، خصوصًا أنها تدرك أن طريق الإمداد الوحيد للميليشيات الإيرانية يمر عبر البادية السورية.

يعتقد عبد الوهاب العاصي، الباحث في مركز (جسور) للدراسات، أن “أهم مناطق الاستنزاف في البادية السورية تكمن في مثلث (السبخة، الميادين، البوكمال)، بخاصة بعد فشل النظام في تأمين مدينة السخنة، حتى الآن”.

أضاف العاصي، في تصريحات لـ (جيرون)، أن “عمليات التنظيم تعتمد، منذ السيطرة على هذه المدن الثلاث، على تكتيك الضربات في العمق؛ ثمّ الانسحاب، وقد نفذ عناصره، خلال الأسبوعين الماضيين، هجمات داخل السخنة والبوكمال، كان آخرها قبل يومين، في الأحياء الجنوبية للبوكمال”، وأوضح أن تكتيك التنظيم يشمل أيضًا “ضرب خطوط الإمداد الواصلة بين مدن هذا المثلث”.

أضاف العاصي أن “التنظيم يعمل على إعادة ترتيب صفوفه، وهيكلة استراتيجيته، ليخلق من داخله كيانًا متشددًا يحارب الوجود الروسي والإيراني، لاستنزافهم ليس أكثر”، وتابع: “هنا يكمن الحديث عن دور الولايات المتحدة التي قد تستفيد من عملائها في خلق مثل هذا الكيان”.

في السياق ذاته، يقول الصحفي السوري كنان سلطان، خلال حديثه مع (جيرون): إن “الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الدولي نجحوا في عقد اتفاقات مع مقاتلي التنظيم، لعزله عن مناطق سيطرة ميليشيا (قسد)، وكانت البداية من مدينة الرقة، حيث وصل مقاتلو التنظيم إلى ريف الرقة، ومنه إلى البادية السورية التي باتت ساحة الصراع على النفوذ، بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية”.

عبّر سلطان عن اعتقاده بأن “الولايات المتحدة الأميركية نجحت في نقل الصراع الى البادية التي ستكون بمثابة الثقب الاسود الذي يبتلع الخصوم، كونها تمتد على مساحات شاسعة”.

يذكر أن قوات النظام والميليشيات الإيرانية تسيطر نظريًا على معظم مناطق البادية السورية، بينما يقتصر وجود التحالف الدولي، وبعض فصائل المعارضة السورية على القاعدة العسكرية في منطقة التنف، في حين ينشط تنظيم (داعش) في معظم البادية السورية.


فراس محمد


المصدر
جيرون