‘الدبلوماسية الحديثة: القوة الروسية ترقص بين أستانا وجنيف’

20 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
8 minutes

في كانون الأول/ ديسمبر 2016، صدر إعلان موسكو بشأن الأزمة السورية، بعد مباحثاتٍ بين وزراء خارجية كلٍّ من تركيا، وروسيا، وإيران. حيث اتفقت الدول الثلاثة على دعم سيادة واستقلال سورية، ووحدة أراضيها، والحل غير العسكري، والمساعدات الإنسانية.

وفّر هذا الإعلان الأساس لمحادثات أستانا التي عقدت الجولة الأولى منها بين 23 و25 شباط/ فبراير 2017، بهدف رئيس هو وضع نظامٍ روسي في نظامٍ إقليمي غير متوازن.

منذ عام 1946، كانت السياسة الروسية تجاه سورية موجهةً نحو العداء للكتلة الغربية. وبعد الاستقلال في نيسان/ أبريل 1946، دعمت موسكو الجيش السوري في الحروب العربية الإسرائيلية، لكنَّها لم تدخل مباشرةً في حربٍ ضد “إسرائيل”، وفيما بعد، دعم الاتحاد السوفيتي حافظ الأسد في سياسته ضد “إسرائيل”، ووقعوا على معاهدة الصداقة والتعاون في عام 1980، تنص على إجراء مشاوراتٍ منتظمة، والتي ما تزال ساريةً حتى الآن. وفي السنوات الأولى من إدارة بوتين، تعمقت العلاقات بين البلدين، سعيًا منه إلى تعزيز موقفه في الشرق الأوسط،

احتار الروس في استراتيجية الشرق الأوسط، وسورية جزءٌ منه، فمع الانتفاضات العربية عام 2011، حصلت روسيا على فرصٍ جديدة، وفقًا لاستراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط، وكانت الخطوة الأولى هي استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن ضد الحكومة السورية، حيث اعترضت روسيا على مثل هذا القرار، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، للمرة العاشرة. كان الرقص الروسي في مجلس الأمن واضحًا. خلال إدارة باراك أوباما لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرةً في الحرب السورية، وتخلى أوباما عن الخط الأحمر الذي كان قد رسمه بخصوص استخدام الحكومة السورية لأسلحةٍ كيميائية. تعرف روسيا أنَّ الولايات المتحدة مرهقةٌ من الحرب على أفغانستان والعراق، إضافة إلى التدخل الغربي في الحرب الليبية، ونتائجه الفاشلة؛ الأمر الذي جعل الغرب مترددًا تجاه الأزمة السورية، كما كان لإدارة ترامب سياسة إقليمية مختلفة عن فترة أوباما، حيث عرف بوتين أنّه يمكن استغلال هذه الفرصة.

منذ بداية الأزمة، كانت إيران هي الدولة الوحيدة الداعمة للحكومة السورية. في الواقع، تقاطعت بعض الأهداف الإيرانية والروسية في سورية. والمشكلة هي أنَّ أهدافهم الاستراتيجية الرئيسة مختلفة؛ فسياسة روسيا متعددة الأبعاد، بينما هدف إيران إبقاء الأسد في السلطة. والأكثر أهميةً هو أنّ روسيا وإيران، خلال الحرب الدموية في سورية، تحاولان استخدام بعضهما البعض وفقًا لأهدافهما. يبدو أنَّ روسيا ترقص مع إيران أكثر في سياستها النهائية ضد الغرب في سورية، إذ أظهرت الأحداث أنَّ روسيا في الغالب لا تأخذ بالحسبان الأهداف الإيرانية.

منذ عام 2011، تحدّت تركيا، باعتبارها طرفًا فاعلًا رئيسًا في الأزمة السورية، السياسة الروسية، لكن بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015؛ اكتسبت روسيا مجالًا واسعًا من النشاط في سورية، بينما تضررت تركيا من هذا الحدث، وكان عليها أنْ تخفف من سياستها تجاه روسيا. كما أنَّ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بخاصة في الدعم القوي لـ (وحدات حماية الشعب)، و(حزب الاتحاد الديمقراطي)، فرع “حزب العمال الكردستاني” في سورية، دفعت تركيا إلى الجانب الروسي. والواقع أنَّ الولايات المتحدة اختارت جماعة “الاتحاد الديمقراطي” بدلًا من تركيا؛ ما جعل صناع السياسة التركية غير راضين تمامًا.

تعمل روسيا مع (حزب الاتحاد الديمقراطي)، و(وحدات حماية الشعب) في شمال سورية، الأمر الذي وضع تركيا في موقفٍ معقد. “في سورية كما في العراق، تفضّل روسيا استقلالًا ذاتيًا حقيقيًا للأكراد. على مدى عقود عديدة، كانت موسكو على علاقةٍ قديمة مع الجماعات الكردية في الشرق الأوسط، وأحيانًا تساعدهم سياسيًا وعسكريًا”. وعلى الجانب الآخر، تقيم روسيا علاقاتٍ وثيقة مع “إسرائيل”، وتنسق عملياتها مع الجيش الإسرائيلي. في هذه الحالة، تلعب روسيا لعبة تناقضٍ ضخمة، فروسيا تعمل مع “إسرائيل”، بينما تساعد الأسد وحلفاءه في المعركة السورية، وهذه فرصةٌ كبيرة لروسيا. في الوقت الذي تفقد فيه الولايات المتحدة حلفائها في الأزمة السورية؛ تكسب روسيا المزيد والمزيد من الأصدقاء والحلفاء.

جذبت عمليات روسيا الناجحة في سورية، المملكةَ العربية السعودية، للتعاون معها. وحتى تثبت أنّها صديقةٌ للمملكة العربية السعودية، قامت ببيعها مجموعةً من الأسلحة ذات التقنية العالية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي (S-400)، وأنواع أخرى من الأسلحة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بمبلغ تجاوز 3 مليارات دولار.

وقع العمل العدواني الرئيسي في معركة حلب التي انتهت في كانون الأول/ ديسمبر 2016. وعلى الرغم من المعارضة الدولية، أنهت روسيا هذه الفترة من الحرب بالنتيجة المرادة. أحبطت الحرب المراقبين الدوليين، لكنَّها أثبتت أنَّ روسيا حازمةٌ في أفعالها، كما فعلت في جورجيا عام 2008، أو أوكرانيا 2014. وقد أقنعت معركة حلب المعركة الجانبين المعارضين، بإيجاد حلٍّ من خلال الدبلوماسية. وبعد هذا النجاح، بدأت عملية مفاوضاتٍ جادة ما زالت مستمرةً حتى اليوم.

في الآونة الأخيرة، ثلاث مدنٍ رئيسة معروفة تعمل على ترتيب الأزمة السورية: أستانا، وسوتشي وجنيف، وروسيا هي الفاعل الرئيس في عملية أستانا، بين وسطاء الشرق الأوسط، حيث دعا بوتين رئيسَي تركيا وإيران إلى رسم خريطة الطريق لمستقبل سورية في سوتشي. وفي الصورة التي نشرتها وسائل الإعلام، يقف بوتين وسط الرئيسين التركي والإيراني، حيث تعكس موقف روسيا في الشرق الأوسط. من خلال اجتماع سوتشي، عززّت روسيا منجزاتها في محادثات أستانا. ولئن لم تكن هذه هي النهاية؛ فإنّ روسيا تخطط لإحراز إنجازاتٍ في محادثات جنيف.

في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2017، نشرت وسائل الإعلام أخبارًا غير متوقعة عن زيارة بوتين إلى سورية، حيث أعلن بوتين النصر على (داعش) وقال: إنَّ “الحرب على الإرهابيين امتحان، ليس لشعبنا فحسب، بل لترسانتنا. اختبرنا عشرات الأصناف من الأسلحة، ونتيجةً لذلك، فالطلبات الأجنبية على الأسلحة الروسية آخذةً في التزايد بسرعة”. في الواقع أعلنَ بوتين النصر على جميع منافسيه الإقليميين والدوليين، كما كانت هذه دعايةٌ للأسلحة الروسية.

المستقبل سوف يظهر مدى نجاحات روسيا، وتظهر الأحداث في المنطقة أنَّ روسيا ستواصل دورها السياسي النشط في الأزمة السورية. وهذا سيخلق وجهًا إيجابيًا للسياسة الروسية بين حلفائها، ويمكن لحلفائها الوثوق بها بالتأكيد. وفّرتْ اللعبة في سورية الأرضيةَ لروسيا حتى ترقص، الرقصة التي بدأت في سورية ستستمر في أزماتٍ أخرى قائمة في الشرق الأوسط. والأزمات في اليمن ولبنان هما المحطة التالية، حيث لا يستطيع بوتين استخدام القوة العسكرية، ولكنه سيبدأ بقدرته على التفاوض.

اسم المقالة الأصلي
Russian Power Dance on Astana Round and Geneva Talks about Syria

الكاتب
سيد صدري علي بابالو، SAYYED SADRI ALIBABALU

مكان النشر وتاريخه
الدبلوماسية الحديثة، moderndiplomacy، 17/12

رابط المقالة
http://moderndiplomacy.eu/index.php?option=com_k2&view=item&id=3470%3Arussian-power-dance-on-astana-round-and-geneva-talks-about-syria&Itemid=124

عدد الكلمات
908

ترجمة
أحمد عيشة

أحمد عيشة
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون