الائتلاف السوري المعارض… هل هو رهينة؟



قد يبدو السؤال ساذجًا، بعد سنوات من تراكم الفشل، وتنازلات تليها تنازلات، وبالأمس تناقلت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة خبرًا، عن تكليف أحمد طعمة برئاسة الوفد المعارض المتجه إلى أستانا؛ ما فتح باب التساؤل: كيف يمكن أن يتوجه وفدٌ ليفاوض نيابةً عن السوريين، ولا أحد يعرف من كلّف الوفد، ولا من سمّى رئيس الوفد، ومن دون أن يعلم أحد ما هو جدول أعمال الجولة التفاوضية، لأن الجهة الداعية، وهي وزارة الخارجية الكازاخية، لم تُرسل للجهة المدعوة أي ورقة أو وثيقة تُحدد جدول الأعمال، كي يتم التحضير لها!

تواصلت (جيرون) مع العديد من المهتمين والمتابعين، كي تحصل على إجابة عن السؤال المطروح: هل بات الائتلاف الوطني المعارض رهينةً بيد الضامنين، وبخاصة تركيا؟ هل تراه حرًا بالمطلق باتخاذ قراره أم أن قراراته تُراعي مصالح الجانب التركي، على حساب المصلحة الوطنية السورية.

ولعلمنا بأن الائتلاف السوري المعارض مرتبط بقراره بسياسات الحكومة التركية، بصفتها دولة مستضيفة لهذا الكيان، وبصفتها دولة ضامنة لأستانا، وبشكل غير مباشر لروسيا شريك الحكومة التركية والإيرانية في مشروع الدول الضامنة؛ أردنا أن نقف على حقيقة الأمر.

من الصعب الحصول على أجوبة شافية، وهذا يدفع إلى البحث أساسًا حول الائتلاف ومدى حريته واستقلاليته، وتوجهنا بالسؤال لعشرات المنتمين إلى صفوف الثورة، من سياسيين وأكاديميين وأطباء ومهندسين ورجال أعمال ومهتمين، فوصلت إجابات من البعض سنوردها هنا، مع الإشارة إلى أن بعض الشخصيات من الصف الأول في المعارضة، ومن غير المنتمين إلى الائتلاف، رفضوا الإجابة على السؤال.

قال الحقوقي عبد الحكيم الخيرات: “تم تأسيس الائتلاف الوطني السوري المعارض من قِبل دول وقوى دولية وإقليمية، ليرعى مصالحها أولًا، ثمّ مصالح الشعب السوري التي لا تتعارض مع مصالح تلك الدول/ القوى. فهو منذ تأسيسه رهينة بيد الدول والقوى التي أسسته، ويُنفّذ سياساتها، ويرعى مصالحها بالدرجة الأولى”.

وقال رجل الأعمال (أ. ح.) “مع الأسف، هذا هو حال الائتلاف الوطني السوري، منذ تأسيسه، وليس الآن، فالائتلاف أولًا هو الجسم الوحيد القانوني المعترف به دوليًا، سواء أكان أداؤه عاليًا أم منخفض المستوى، وهو كذلك وعاء أحد أطرافه المجلس الوطني المتواجد في تركيا. وإن اندفاع تركيا إنسانيًا وسياسيًا لاحتضان المُهجّرين، معتمدة على موقف حليفتها أميركا، ساهم في إغراء كل من هرب من ظلم وقهر النظام إلى أن يلجأ إلى تركيا، وحاولت تركيا لعدة سنوات دعم الثورة والثوار، بتدرج من الدعم السياسي وصولًا إلى الدعم العسكري، ولكن كان حلفاء النظام أصلب وأوفى من حلفاء تركيا التي بقيت وحيدة تواجه عواصف التقلبات السياسية الداخلية المفتعلة منذ تظاهرات حديقة تقسيم إلى أن وصل الأمر بالعمليات التخريبية المدعومة روسيًا، بما فيها مطار إسطنبول وعيد رأس السنة، والعديد من الأماكن، والتغيير في تكتيك السياسة التركية، وليس الاستراتيجية، ليتماشى مع خلافها الأميركي وخلافها الأوروبي، يتطلب منها بعض التعديلات في مستوى دعمها ومناصرتها للثورة السورية، ويجب أن لا ننسى أنّ عدم وجود جغرافيا آمنة تجمعنا في الوطن يتطلب منّا القبول ببدائل، وأفضل هذه البدائل هو تركيا، وعندما نكون ضيوفًا على شخص ما، فإننا مضطرون إلى احترام أصول ونظام بيته، وبالتأكيد سيكون في ذلك تكبيل لبعض متطلباتنا وحاجاتنا، وباختصار، ليس بالإمكان أفضل مما كان، آخذين بالحسبان إصرار النظام على إفشال وتحطيم كل مخططاتنا لتشكيل نواة قوة وطنية ثورية بالداخل.

قال المخرج التلفزيوني عمار رضوان: “ليس للائتلاف ولاء مستقل، وليس له حرية الإرادة والقرار، طالما أنه يتبع مؤسسه وراعيه، ولا أعتقد أن الأتراك أو سواهم سيؤثرون المصلحة السورية على مصالحهم، ستنتهي مهمة الائتلاف بانتهاء المصالح التركية، هذا ما أعتقده”.

ويقول المعارض فارس الشوفي: “إن الائتلاف -كإطار سياسي- لا يُعبّر عن مصالح الثورة والشعب السوري، بل هو أداة أو إطار لكسر الثورة وتفريغ دينامية الثورة، وتفريغها من محتواها، وهو ليس في خدمة تركية فقط، بل في خدمة كل دول الخليج وباقي الأطراف المتداخلة في الصراع، وخدمة أميركا و(إسرائيل)، وكان المطلوب البحث عن إطار داخلي وقيادة داخلية، وفرز حقيقي لقوى الثورة عن قوى الثورة المضادة. وأرى أن الائتلاف تشكيل أميركي بقيادة فورد، هدفه إعادة تعويم النظام أو تنفيذ الأجندات لإعادة ترتيب المنطقة، وكل رؤساء الائتلاف الذين تعاقبوا عليه يُمثّلون مصالح دول”.

أما المهندس مصطفى عنتبلي فقال: “أعتقد أن ولاءاته تتبع الرياض وأنقرة والدوحة، بحسب مكان إقامة كل عضو منه، وكل منهم له مبرراته على قدر ما تسمح أو توحي به عناصر الارتباط في تلك الدول”.

وقال المهندس إياد الزعبي: “غالبًا ما تكون التنظيمات أو التجمعات المقامة على أراضٍ لدول معينة، رهينة السياسة العامة لتلك البلد بأفضل الأحوال، ولا يمكن لها أن تسلم من التدخلات الممارسة عليها سلبًا أو إيجابًا. وتختلف درجة التدخلات بمقدار الترابط الجغرافي أو العسكري أو الاقتصادي، بين تلك الدول وجنسية تلك التنظيمات. والائتلاف هو منظومة سورية تعمل على الأرض التركية، ولا يخفى مدى انخراط تركيا في ما يحدث في سورية، ولذا فمن البديهي أن يكون الائتلاف أسيرًا للسياسة العامة التركية وتوجهاتها. ولو كان الائتلاف موجودًا على أرض دولة ضعيفة الارتباط بما يجري في سورية؛ لكان هامش الحرية المتاح أكبر”.

في السياق ذاته، قال رجل الأعمال أحمد الدركزنلي: “للأسف، هو رهين إرادات خارجية عديدة، عبثت بمآلات الثورة منذ تأسيسه، والجانب التركي أهمها بحكم الجوار مع سورية والتحكم بالحدود المشتركة”.

وقال الدبلوماسي بشار الحاج علي: “نستطيع أن نتفهم مصالح الدول الداعمة لنا، ونأخذها بالحسبان، عندما تتلاقى مع مصالحنا أو في حال عدم المساس بمصالحنا. هذا منطقي في السياسية وغيرها، أما أن نصبح تابعين، فهذا ذُل لا ينتج ولا يحمي مصالح، بل سيؤدي بالضرورة إلى سهولة التخلي عنهم. الائتلاف لا يملك قراره، وليس لعيب فيه فحسب، بل لارتهانه للدول التي أنتجته”.

وقال الفنان سميح شقير: “السؤال بصيغة (هل بات) خاطئ، فهو مرتهن منذ البداية، وليس لتركيا فقط، دون أن ننسى أن النظام مرتهن هو الآخر لإيران وروسيا”.

أما الناشط والباحث نواف الركاد، فقال: “لا أشك في أن تأسيس الائتلاف قام على أسس ومعايير غير وطنية ولا ديمقراطية؛ إذ إن المشروع الوطني في حدّه الأدنى ينفي اختيار ممثليه أو القائمين عليه من قبل دول أو جهات أخرى غير وطنية، لكن حال الائتلاف يزداد رداءة وتقزّمًا مع مرور الزمن، حتى إنه يزداد تناهيًا في صغر الاحتكار، بعد انشغال الكثير من مؤسسيه بقضايا تمس أمنهم المباشر كقطر والمملكة العربية السعودية، وأعتقد أن الائتلاف صار أشبه بسفارة تركية للجمهور السوري المعارض”.

أما القاضي خالد شهاب الدين فقال: “بل هو رهينة مصالح كتلوية، في مقدمتها “الإخوان المسلمون” الساعون لتقاسم السلطة مع بشار الأسد والعودة إلى سورية مع أبنائهم، هو رهينة لشخصياته التي تنفذ أجندات بلدانها التي عاشت فيها لأكثر من خمسين عامًا، ولم تخرج من رحم الثورة، هو رهينة لمصالح فئوية وشخصية بعيدة كل البعد عن مصالح الناس والشارع.

وقال د. سمير سعيفان: “نعم هو رهينة الآن، وكان رهينة من قبل، وسيبقى رهينة، والحراك الشعبي منذ اضطراره إلى حمل السلاح، وهو الأمر الذي يتطلب قدرات واسعة تملكها دول خارجية، مذاك أصبح رهينة لمن يمده بالمال والسلاح، وتكرّس هذا منذ تشكيل المجلس الوطني، وبقي حتى اليوم مع الائتلاف والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض السابقة واللاحقة، بل الأكثر إيلامًا هو الاستعداد السوري أو القابلية للاستعباد، فقد سارع المجلس الوطني ليرهن نفسه منذ اللحظة الأولى، وتبعه الجميع في نهجه وأصبح ذلك سنّة، والأنكى أن من شغلوا مقاعد في تلك الهيئات باتوا مشغولين بالحلم بالسلطة وصراعاتهم على الكراسي، وليس بانتصار الثورة، ولن ننتصر قبل أن ينطلق مشروع سوري واسع، يجمع كافة القوى ويضع رؤيته واستراتيجيته، ويعمل كقوة واحدة على كافة الجبهات، وحينئذ فقط سيضطر متعهدو المعارضة إلى أخذ مصالح الشعب السوري بالحسبان، ولكن هذا يبدو أمرًا صعبًا حتى إشعار آخر”.

وقال خبير التنمية المستدامة (ق. أ): “لقد خرجت السيادة السورية من غرف المعارضة، منذ بدأ تدويل الأزمة، المجلس الوطني سعى لتحشيد قوى العالم، ولذلك شكّل ما عُرف بأصدقاء الشعب السوري، يوم كان المجلس الوطني ينادي بسلمية الثورة، على أمل أن تتدخل القوى الدولية للضغط الإعلامي والسياسي والإغاثي إلى جانب حق الشعب السوري، ثم تطاول الأصدقاء بتدويل القضية السورية، وتدخلوا لتوسيع المجلس الوطني، ومن ثم اجتمعوا على استبداله بالائتلاف، واختزل الائتلاف لفترة بشخص الأمين العام، ثم تطاولوا أكثر بتوسيع الائتلاف من أجل هذا التوسيع، وهذا التدويل ليس خيارًا سوريًا، على الرغم من ضغط بعض المعارضين بهذا الاتجاه لمصالح شخصية بغطاء وطني، ولم يُستشر السوريون، عندما أُسست غرف (الموم) و(الموك)، لقد تجاوز الموضوع الائتلاف بحد ذاته”.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون